النجاح الإخباري - ما زال الاهتمام والجدل يزدادان حول شخصية شمس التبريزي وعلاقته بجلال الدين الرومي وأثره عليه وعلى الفكر الصوفي، وقد تعدى الأمر ليكون ذا أثر فعلي في الثقافة العالمية المعاصرة، ومن آخر ذلك اعتزام أحد مخرجي الأفلام إخراج فيلم عالَمي حول سماحة الإسلام ليقدمها من خلال هاتين الشخصيتين.

وكان قبل ذلك قد صدرَت "قواعد العشق الأربعون" للتبريزي، بشكلها الأدبي المعاصر، وهو شكل الرواية، بقلم الكاتبة التركية إليف شفق. وقد صدرت الرواية بترجمتها العربية عام 2012 على يد خالد الجبيلي، عن دار طوى.

وقبلها في القرن العشرين اهتمت به الكاتبة العراقية إحسان الملائكة وهي شقيقة الشاعرة المعروفةنازك الملائكة، حيث قدّمت إحسان الملائكة جملة من مقالات شمس التبريزي، معتمدة على الترجمة التركية للنصّ الفارسي. وفيها يلاحظ القارئ أن المنتخبات الواردة في كتابها «جلال الدين الرومي صائغ النفوس» قد قُدّمت بلهجة عربية معاصرة وكأن كاتبها ابن هذا العصر، ربما لإيمانها أن أية مراجعة لأقوال شمس ولآرائه، لا بد أن تقنعنا بأنه كان مفكّرًا متجاوزًا لمستوى عقول أهل عصره، بل إنّه ليبدو وفي كثير من الأحيان، وكأنه من أبناء القرن العشرين، ولعل من أهم أسباب ذلك -كما ترى- ثقافته الموسوعية الناتجة من طوافه في أرجاء العالم الإسلامي، واختلاطه بمختلف أصناف البشر، واطلاعه على شتّى أنواع العلوم، حتى أن الرّومي لم يملك إلاّ أن يُعلن دهشته وإعجابه الشديدين بتلك الثقافة، بل إنه وصَفَه بالعالِم الذي قلّ أن تجود بمثله العصور.

اسمه ومولده:
هو شمس الدين محمد بن علاء الدين علي بن ملك بن داد التبريزي، ولد بتبريز عام (582هـ الموافق1185م)، وهو عارف ومتصوف وشاعر فارسي مسلم صوفي يُنسب إلى مدينة تبريز.

نبذة عن حياته:
شمس التبريزي هو ابن الإمام علاء الدين، وكان شمس أحد الدراويش (رجال الصوفية الزهّاد العُبّاد)، وقيل إن شمس التبريزي راودته رؤى منذ سن العاشرة تقريبا، حيث قال لأبيه ذلك ولكنه لم يصدقه، وبعد مدة ترك منزله وبدأ بالتجوال، حتى قيل عنه بأنه لم ينم بمكان أكثر من ليلة واحدة لكثرة تجواله وترحاله.

كان الشمس التبريزي يكسب النقود للطعام من تفسير الأحلام وقراءة الكفّ كما ورد في بعض مصادر ترجمته، ولكن لم يكن أحد يصدق حول الرؤى التي قال إنها تراوده، وكانوا ينعتونه بالجنون. فقد ادعى التبريزي بأنه كلم الله والملائكة في هذه الرؤى.

ويُروى عنه أن أحدهم قال له: ألا تأتي إلى التكية؟ فقال: لا أجد نفسي منسجمًا مع ساكني التكايا، لأن هؤلاء يكرهون الكدّ والعمل وينفرون من دخول التجارب الجديدة، وأنا لست من هؤلاء، بل أنا على الضد منهم جميعًا. فقيل له: ولماذا لا تحضر إلى المدرسة؟ فقال: هناك أحتاج إلى النقاش والجدال، لأني لو قلتُ ما أعتقده لأساؤوا فهم أقوالي، واتهموني بالكفر، لأن أحاديثي تبدو غريبة جدًّا على آذانهم. فما أنا إلا غريب ومكان الغريب النُّزل.

 

 

التقى التبريزي بالشاعر الملقب بـ"مولانا" وهو جلال الدين الرومي، وذلك أثناء تجواله في حدود عام 1244م، وتكونت بعد ذلك اللقاء بينهما صداقة غيرت مجرى حياة كليهما، حيث أن الرومي تحول من رجل دين عادي إلى شاعر يجيش بالعاطفة، وصوفي ملتزم، وداعية إلى الحب، ولكن رابط الصداقة الجميل الذي ربط بينهما بدأ بالتآكل حتى انفصلا وذلك بعد أربع سنوات تقريبا.

من آثار شمس التبريزي المنسوبة إليه: مثنوية «مرغوب القلوب» و«مقالات» و«ده فصل».

وفاته:
كانت وفاة التبريزي في مدينة خوي، عام (645هـ الموافق 1248)، وبحسب بعض الروايات الصوفية أنشمس التبريزي اختفى في ظروف غامضة. بينما يقول البعض أنه قُتل على يد قاتل استأجره ابن جلال الدين الرومي، بسبب التأثير السلبي لعلاقة التبريزي بالرومي، وما جرّته عليه من سمعة بين الناس. وتقول بعض المصادر أن شمس التبريزي غادر مدينة قونية وتوفي في خوي حيثُ دفن، وله ضريح هناكبجانب نصب برج في حديقة تذكارية. ورُشح ضريحه ليكون من مواقع التراث العالمي لليونيسكو.

من أقواله المأثورة:
تروي لنا الكاتبة إحسان الملائكة مجموعة من الأقوال والحِكم والرؤى المنسوبة إلى شمس التبريزي، اخترنا منها ما يلي:

1- على الإنسان أن يتكلّم بحسب عقول المستمعين إليه.

 

2- الفرق بيننا وبين أهل السلطان أن ظاهرنا وباطننا واحد.

 

3- لو كان للبشر أرواح ما رأوا المال أثمن من أرواحهم.


4- الكلامُ ينبغي أن يؤدي إلى العمل، أما العمل ففي غير حاجة إلى كلام.


5- بأيّ ماء يمكن تطهير أدران النفس؟! اللهم إلاّ بماء المدامع.


6- عندما يحين أوان تفتّح الزّهرة، فلن يقف في وجهها أيّ عاشق.


7- إذا كنت تقضي وقتك في العلم المُجدي، فمن الخطأ أن تعدّه قد مضى وتتأسف عليه.


8- الإيمان والحبُّ يجعلان الإنسان بطلاً، إذ يصرفان عن قلبه جميع المخاوف.


9- أضعفُ النّاسِ ذلك المشغول المُنهمك بتحقيق نزواته الآنيّة.


10- طالب العلم محتاجٌ أن يسأل دائمًا: من أنا؟ ومن أين جئت؟ إلى أين أسير؟ لماذا؟ كيف؟


11- لا يستطيعُ أحدٌ الصبر على الإصغاء إلى ما يدور في مجالس العلماء إلا إذا كان مستصغرًا للمتع الدنيوية.


12- المغفلون والعوام لا يرضيهم إلا أحاديث التملّق والرياء، ولا يتبسطون في الكلام إلاّ مع ذي الوجهين، ولو تجاسرت على قول الحقيقة أمامهم فسوف يتأففون ويتضجرون منك، هذا إذا لم يوقعوك في مهالك تقصم ظهرك.

 

13- لا تيأس أبدًا، فبعد ظلام الليل تُشرقُ الشمس.


14- لا تخشَ السّلطان إلا حين يُغدق نعمه عليك.


15- الناسُ لا هَمّ لهم غير الاستئثار بمتعِ الحياةِ واكتساب المال عن كلّ طريق، وقلوبهم الفاسدة، لو تُركت لحالها لغفلت عن ذكر الله والاستغراق في عبادته. هذا هو السببُ في الفروض الدينية التي شرعها الأنبياء من صلاة وصومٍ وحجٍّ وزكاة… وإلاّ فقل لي ما صلةُ جوع المعدة بعبادتك لله؟

 

16- رجل الله هو الذي يحرصُ على تقديم الجواب الشافي حتى للكلب المار أمام الدار.


17- أبناء عصرنا يفترون على النبيّ محمّد، بل على الله نفسه، فلا ترو أحاديث لا تعرفها.


18- لا أكذب عليكم، نحن نرفضُ أن نكون في دين محمّد من المُقلّدين.


19- أنا في ارتقاءٍ مستمرٍ، فانظر إليّ كإنسانٍ متجدد نضر، وأنت مثلي في هذا، فإذا أحسست بالركود وخمول الذهن فعليك أن تسأل لماذا؟

 

20- من هو الإنسانُ الكامل؟ هو الذي إذا سمع انتقادات الناس لم يُبد انزعاجًا، ولم يتميّز غضبًا.