طلال عوكل - النجاح الإخباري - بعد أن كان رئيس الحكومة اليمنية المتطرفة بنيامين نتنياهو، رفض فكرة الذهاب إلى انتخابات مبكرة، عاد وعلى نحو مفاجئ ليتخذ مع رؤساء الأحزاب الشريكة قرارا بإجراء انتخابات مبكرة قبل خمسة أشهر على موعدها الرسمي والقانوني.

لم تكن استقالة افيغدور ليبرمان من الحكومة وخروجه من الائتلاف الحكومي هي السبب في تغير موقف نتنياهو، ذلك أن تحالفه ظل يحتفظ بالاستقرار بدعم واحد وستين مقعدا، أي أنه لا يخشى من انهيار حكومته رغم كثرة الخلافات والانتقادات من قبل أطراف التحالف.

على العموم لم تؤثر الانتقادات والاحتجاجات الواسعة التي اتخذ بعضها طابعا شعبيا، بسبب ضعف أداء الحكومة والجيش تجاه المقاومة في قطاع غزة، فلقد ظلت استطلاعات الرأي التي تصدر بكثافة، تعطي الليكود أولوية الفوز بفارق كبير مقارنة بأي حزب آخر. يبدو أن التغيير في موقف نتنياهو من الانتخابات له صلة في الأساس بالتهديد الذي يقترب من إمكانية جره إلى المحاكم بسبب ملفات الفساد، التي يتقدمها ملف 400 الذي يتعلق بالرشوة. إذا الدوافع شخصية بامتياز، وتتصل بمستقبل مسؤول، تميز بالقدرة على الاحتيال والتلاعب والتضليل والذاتية المفرطة، رغم أن تاريخه يفتقد إلى البطولات.

في تبرير الموقف يجري الحديث كذبا عن الخلاف بين أطراف التحالف على ملف تجنيد الحريديم، لكن هذا الملف على أهميته حتى بالنسبة لنتنياهو، لا يشكل السبب الأساسي وراء تبكير الانتخابات.

معلوم أن الاقتراب من ملف تجنيد الحريديم، الذي يتفاعل في الوسط السياسي منذ بضعة أشهر، ينطوي على خطورة ذلك أن الموافقة على مشروع قانون يقضي بتجنيد المتدينين من شأنه أن يستدعي، ويستفز أحزاب دينية هي في صلب تحالفات الليكود، فضلا عن أنه سيربك الساحة الداخلية على مستوى المجتمع. وفي المقابل فإن رفض مثل هذا القانون يلقى بعلامة استفهام كبيرة على الطبيعة العلمانية للأحزاب الرئيسية، وينطوي على تكاليف باهظة، حين يحرم الحكومة من طاقات فاعلة في المجتمع ويحيلها إلى عالة على المجتمع والدولة. على أن الذهاب إلى انتخابات مبكرة يحقق لنتنياهو وائتلافه الحكومي أكثر من هدف فبالإضافة إلى البعد الشخصي وما يتصل بملف تجنيد الحريديم، ثمة خوف لدى الحكومة الإسرائيلية من إمكانية إقدام الإدارة الأمريكية على إعلان صفقة القرن. قبل الإعلان عن حل الكنيست كان غرينبلات قد صرح بأن الصفقة ستتضمن قضايا تغضب الطرفين، فيما قال وزير التعليم نفتالي بينت أن تلك الصفقة تتضمن إقامة دولة فلسطينية في الضفة، وإن حكومته ستقاوم ذلك. في ضوء حل الكنيست، ووجود حكومة تصريف أعمال لا تملك الصلاحية لاتخاذ قرارات هامة، فإن الإدارة الأمريكية معنية بتأجيل الإعلان عن صفقة القرن كما أشار إلى ذلك أحد أقطاب إدارة ترامب الأمر الذي يجنب إسرائيل صداما أو خلافا مع إدارة هي الأفضل بالنسبة لها.

هكذا يتهرب نتنياهو من الاستحقاق القضائي، ومن الاستحقاق السياسي وفي الوقت ذاته يعطي لنفسه وحكومته، الفرصة لإعطاء دفعة كبيرة في موضوع الاستيطان وتهويد القدس حيث أعلن موافقته على بناء أكثر من الفين وثلاثمائة وحدة سكنية، كدفعة أولى ينوي زيادتها لاحقا.

هكذا تتغذى العنصرية الإسرائيلية على الدم والحقوق الفلسطينية حيث تتنافس الأحزاب على خدمة الاستيطان والمستوطنين، وقمع الفلسطينيين ومصادرة حقوقهم الوطنية، بدون الالتفات إلى ردود الفعل الدولية أو الفلسطينية والعربية، ويفعل نتنياهو ذلك، بدون خوف من الأحزاب والجماعات الجديدة التي أعلنت عن قيامها، فهي كما يقول جزء من ظاهرة اليسار، الذي سيتقاسم حصته بدون تهديد مكانة اليمين.

في الواقع فإن نتائج أي انتخابات ستعكس حالة المجتمع الذي ينحدر أكثر فأكثر نحو اليمين واليمين المتطرف، خصوصا وأن وجوده في الحكومة يجعله أقدر على استغلال الدولة ومواردها لصالح سياساته. وبالإضافة فإن نتنياهو لا يخشى ردود فعل الفلسطينيين المنقسمين على أنفسهم في ظل وضع عربي ضعيف ومشتت، فضلا عن أنه لا يتورع عن استخدام كل الوسائل الخشنة والوحشية في قمع أية ردود فعل من قبل الفلسطينيين في الضفة أو غزة، أو القدس.