نابلس - النجاح الإخباري - مع إعلان بدء وقف إطلاق النار غدًا، والمتوقع أن يمتد لـ42 يومًا على الأقل، يبرز السؤال: كيف وصلت حماس إلى هذه المرحلة من وقف اطلاق النار، وما هي قدراتها العسكرية بعد هذ الحرب؟

هذا السؤال حاولت القناة 12 الإسرائيلية تقديم إجابة عليه عبر تقرير مطول.

تشير القناة في تقريرها الذي سمحت الرقابة العسكرية بنشره إلى أنه رغم تصريحات الجيش السابقة عن "تفكيك الكتائب الشمالية لحماس"، أثبت الواقع الميداني أن الحركة تمكنت من التكيف مع الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية.

في ظل الغارات المكثفة والعمليات البرية، واصلت الحركة إعادة بناء بنيتها التحتية العسكرية، مستغلة الأنفاق والشبكات التحت أرضية التي لم يتم القضاء عليها بالكامل.

تزامن ذلك مع استغلالها للأوضاع الإنسانية القاسية في قطاع غزة، ما أتاح لها تجنيد المزيد من العناصر وتعزيز وجودها داخل المجتمع المحلي.

فمثلاً بينما كانت جباليا تبدو كأنها تل من الأنقاض بعد أن داهمها جيش الاحتلال ثلاث مرات منذ بداية الحرب وساواها بالأرض، خرج مسلحو حماس في اللحظات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار ليعلنوا: "نحن هنا وسنبقى هنا".

-لا زال هناك أكثر من 20 ألف مقاتل في غزة-

هذا الأسبوع، أكّد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ما تعرفه إسرائيل جيدًا: أن المقاومة في شمال قطاع غزة تمكنت من تجنيد ما يقارب نفس عدد المقاومين الذين فقدتهم.

وخلال جلسة لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، عُرضت الأرقام: هناك ما بين 20 و23 ألف مقاتل ينشطون حاليًا في قطاع غزة، حوالي 9,000 منهم منظمون في الكتائب الشمالية والجنوبية التابعة لحركة حماس، بينما يعمل بين 7,000 و10,000 منهم بشكل غير منظم، وحوالي 4,000 يتبعون لحركة الجهاد الإسلامي وفصائل مقاومة أخرى.

الواقع يشير إلى أنه رغم تقليص النواة الصلبة للمقاومة بشكل كبير وتضرر أجهزة القيادة والسيطرة، إلا أن حماس تمكنت من الحفاظ على قدرات معينة.

"إنهم يعملون بأسلوب مقاومة وحرب عصابات، ونجحوا في تحقيق نتائج معينة"، يقول البروفيسور كوبي ميخائيل، الباحث البارز في معهد أبحاث الأمن القومي (INSS) ومعهد مشغاف.

ويتابع قائلاً: "حسب تقديري، تمكنوا أيضًا من تحسين بعض القدرات في مجال التصنيع المحلي. العبوات التي يزرعونها في الميدان – بعضها ربما بقي من مخزون سابق، لكن جزءًا كبيرًا منها يُصنع على الأرجح في هذه الأيام".

-"احفر حفرة وأزرع عبوة"-

وكشف تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" في بداية الأسبوع عن كيفية عمل المقاومة لتجنيد مقاتلين جدد خلال الحرب، من بينهم شباب يفتقرون إلى الخبرة القتالية. ووفقًا للتقرير، يعتقد جيش الاحتلال أن حماس جندت المئات في الأشهر الأخيرة، وأن التجنيد يحدث في جميع أنحاء القطاع مع تركيز خاص على شماله.

 كما قدّرت مصادر عربية في حديث مع الصحيفة الأمريكية أن العدد قد يصل إلى الآلاف.

ويقول ميخائيل حول كيفية عمل عناصر حماس: "إنهم يتلقون تعليمات واضحة – الذهاب إلى نقطة معينة، حفر حفرة وزرع عبوة... وهناك خياران: إما أن يعودوا سالمين من المهمة، أو أن ينهوا حياتهم خلالها.

ويرى اللواء (احتياط) في جيش الاحتلالأ، غيرشون هكوهين، القائد السابق لهيئة الأركان العامة، أن عملية التجنيد المتجددة لحركة حماس تمثل مثالاً كلاسيكيًا لتحول حركة مقاومة في ظل الظروف المتغيرة. "الحركة تتكيف مع الوضع الجديد"، يوضح، "تمامًا كما حدث في العراق وأفغانستان، حيث حقق الجيش الأمريكي انتصارًا ساحقًا، وبعد ذلك أعادت أنظمة المقاومة تنظيم نفسها، ما أدى إلى سقوط أكثر من 4,000 جندي أمريكي بسبب العبوات الناسفة. لا تحتاج إلى جيش منظم لوضع عبوة على طريق معروف".

بحسب هكوهين، من الخطأ اعتبار حماس مجرد تنظيم يفرض سيطرته على السكان.

ويضيف: "الشعب (الفلسطيني) مع المقاومة. إنها ليست مجرد حركة مسلحة، بل حركة شعبية وطنية دينية تتصل بقلوب الناس. الأفراد الذين ينضمون إليها يفعلون ذلك عن إيمان، وليس فقط للحصول على لقمة العيش".

 

ويتابع: "هذا التمايز واضح للغاية عند مقارنة حماس بالمقاومة اللبنانية.

ويشرح: "حزب الله دخل في حالة من الضعف الإدراكي لأنه لم يتمكن من تعبئة قوات الاحتياط خلال القتال، بينما تتمتع حماس بتماسك وطني أفضل بفضل الهوية الأيديولوجية المشتركة، وشعور اللاجئين، والتجانس الذي يجمعهم".

-جنود جدد غاضبون-

المقاومون الجدد في حماس، وفقًا للتقارير، يعملون بطريقة "اضرب واهرب" ضمن خلايا صغيرة من الأفراد.

يهاجمون قوات الاحتلال باستخدام بنادق أو قذائف مضادة للدروع، وهي أسلحة لا تتطلب تدريبًا عسكريًا مكثفًا.

تقول القناة الإسرائيلية: "تقوم حماس بإقناع الشباب للانضمام إليها عبر وعود بتقديم الغذاء والمساعدات والرعاية الطبية لهم ولأسرهم.

كما يتوجه أعضاء الحركة إلى الجنازات والتجمعات الدينية في القطاع لتجنيدهم، بالتوازي مع استيلائهم على المساعدات الإنسانية، على حد تعبير القناة الإسرائيلية.

وتضيف: المجندون الجدد يختلفون كثيرًا عن قوات "النخبة" المدربة التي شاركت في 7 أكتوبر أو حتى عن أفراد الكتائب الإقليمية لحماس".

 "هؤلاء شبان لا يتلقون تدريبًا عسكريًا كبيرًا، لأن الظروف لا تسمح بذلك"، يشرح البروفيسور ميخائيل: "يتلقون تدريبًا أساسيًا جدًا ويُستخدمون كوقود للمواجهة. إنهم عاطلون عن العمل وفي وضع صعب، مما يجعل من السهل إغراؤهم برواتب بسيطة ومساعدات إنسانية لعائلاتهم. هناك أيضًا من ينضمون بدوافع أيديولوجية – فقد فقدوا أفرادًا من أسرهم، وهم غاضبون مما تفعله إسرائيل، ويشعرون بالإهانة ويؤمنون بفكرة المقاومة".

حملة التجنيد التي تقودها حماس، تحت إشراف محمد السنوار، شقيق يحيى السنوار القائد السابق للحركة، تمثل تحديًا للاستراتيجية الإسرائيلية، كما تقول القناة.

المجندون الجدد يعودون إلى المناطق التي دُمرت سابقًا ويحاولون إعادة بنائها، مما أجبر جيش الاحتلال على العودة مرارًا وتكرارًا إلى المواقع نفسها عدة مرات دون جدوى.

  • اقتل فقط بعض الجنود-

"تسليم بندقية كلاشنيكوف لشخص ما، وإخباره بالتمركز في مبنى مهجور والتصويب كقناص، ليس أمرًا معقدًا للغاية"، يوضح شالوم بن حنان، المسؤول السابق في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك). "لا أحد يطلب منه الانتصار في الحرب، بل فقط قتل بعض الجنود".

وحذر مسؤولون أمنيون إسرائيليون من أن معدل زيادة عدد المقاومين سيستمر ("بغض النظر عن قوة العمليات الإسرائيلية في القطاع") إذا لم يتدخل طرف خارجي في غزة. ومع ذلك، لم يقدموا تفسيرًا لكيفية إنشاء بديل سياسي في ظل وجود عشرات الآلاف من المقاومين المسلحين في القطاع.

"لا يمكن لمسؤول تشغيلي أن يكتفي بإلقاء الأرقام حول معدلات تجنيد المقاومين"، ويقول بن حنان: 'تأقلموا مع الأمر'، ويضيف: "إذا كنا، بعد أشهر طويلة من القتال، نتلقى تقارير عن تزايد عمليات التجنيد، فعلى أحدهم أن يقدم حلاً. حتى لو كانت الظروف معقدة، لا يمكن القبول بهذه الوضعية".

المشكلة الكبرى، وفقًا لبن حنان، أن القوة الرئيسية لحماس لم يتم القضاء عليها قبل بدء وقف إطلاق النار، بينما يحتفظ تنظيم الجهاد الإسلامي بعدده الكامل الذي يقدر بحوالي 4,000 عنصر منذ بداية الحرب. على الرغم من أن التنظيم يحتجز أسرى إسرائيليين، إلا أن العمليات التي تستهدف قياداته كانت محدودة للغاية.

-"فلماذا بدأنا الحرب"؟

وأضاف المسؤول السابق في الشاباك: "لا يمكن لدولة لديها جيش بهذه القوة، وتفوق هائل في الإمكانيات مقارنة بالعدو، أن تدعي أنها غير قادرة على الحسم. إذا لم نكن قادرين على تحقيق الحسم، فلماذا بدأنا الحرب؟"

رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال تشارلز براون، انتقد هو الآخر أسلوب القتال الإسرائيلي في غزة.

وفي مقابلة مع موقع Politico، أشار إلى أن القوات الإسرائيلية تدخل مناطق شمال القطاع لكنها لا تحتفظ بها بعد السيطرة عليها، مما يتيح لعناصر حماس العودة إليها مجددًا.

وأكد أنه بعد السيطرة على أي منطقة، يجب الحفاظ عليها وتثبيتها لمنع العدو من العودة إليها.

تمركزت العمليات العسكرية الموسعة لجيش الاحتلال في الأيام التي سبقت وقف إطلاق النار في شمال القطاع، خاصة في مخيم اللاجئين جباليا وبيت حانون المجاورة.

ووقف إطلاق النار يعني وقف القتال وسحب القوات للخلف، كما تقول القناة الإسرائيلية، لكن ميخائيل يرى أنه "لا يمكن إعادة إعمار القطاع طالما بقيت لدى حماس قدرات حكم، حتى لو كانت محدودة".

ويرى ميخائيل أن هذه هي أيضًا السبب وراء عدم موافقة حماس على إطلاق سراح جميع الأسرى. "سيستخدمون الأسرى دائمًا كضمانة نهائية تمنع إسرائيل من القضاء عليهم بالكامل".