النجاح الإخباري - يقود رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو منظومة إعلامية متكاملة تُعرف باسم "آلة التسميم الإعلامي"، تعمل على الترويج لسياساته وتقويض المعارضة بشكل ممنهج وشيطنة الفلسطينيين، كما يقول تقرير لمجلة "نيويوركر".

ويشير التقرير إلى دور الإعلامي الإسرائيلي ينون ماجال، مقدم برنامج حواري على قناة 14، كجزء من هذه المنظومة.

يُعرف برنامج ينون بخطابه التحريضي الذي يستغل الأحداث الحساسة، مثل الإعلان عن سقوط ضحايا مدنيين فلسطينيين في غزة، لتأجيج المواقف المتشددة، ويتم تقديم مثل هذه الأخبار بلهجة باردة، تدفع المشاهدين إلى التصفيق بدلًا من التعاطف.

وأصبح الدور الإعلامي الموالي لنتنياهو منظمًا لدرجة اكتسب معها لقبًا شبه عسكري: "آلة التسميم".

في هذا السياق، يتذكر نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، تهديد نتنياهو له بعد محاولته تشكيل حكومة بدونه، قائلاً: "سأرسل الجيش ضدك"، في إشارة إلى الأذرع الإعلامية التي يديرها.

- قناة 14: منصة لتمجيد نتنياهو-

كانت قناة 14 مجرد محطة هامشية تُعرف ببرامجها الدينية قبل أن تتحول إلى منصة رئيسية تخدم أجندة اليمين المتطرف.

ويشير تقرير المجلة الأميركية إلى أن القناة تعمل وفق معادلة بسيطة: "ما يخدم مصالح نتنياهو يُروج له، وما يعارضها يُسخر منه".

في عام 2023، عندما اشتعلت الاحتجاجات ضد سياسات حكومة نتنياهو الرامية إلى إضعاف القضاء، هاجم ماجال المتظاهرين بشدة، واصفًا إياهم بأوصاف مهينة مثل "حارقي الحظائر".

وبعد أحداث 7 أكتوبر، ركزت القناة على الترويج لرواية أخلاقية تبرر الحرب على غزة، مما أعطى المشاهدين شعورًا زائفًا بالسيطرة والانتصار.

في ليلة الانتخابات الأميركية، قاد ماجال برنامجه مرتديًا قبعة تحمل شعار "ترامب 2024"، متجاهلًا فضيحة إقالة وزير الدفاع يوآف جالانت من قِبل نتنياهو.

عوضًا عن تحليل الأزمة، سخر ماجال من المعارضة بقوله: "أنتم من طالبتم برحيل المسؤولين عن السابع من أكتوبر، وها نحن نبدأ بجالانت!"

 -منظومة إعلامية متكاملة-

في كل ليلة، تُجمع شخصيات يمينية متطرفة وسياسيون من حزب الليكود حول طاولة مستديرة في برامج القناة، لتعزيز رواية موحدة تدعم نتنياهو، على الرغم من تورطه في قضايا فساد متكررة. ورغم المحاكمات، ازدهرت القناة كصوت رئيسي يدافع عن سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي.

يؤكد تقرير نيويوركر أن قناة 14 أصبحت المصدر الإخباري الأبرز لقاعدة نتنياهو الشعبية، حيث تقدم محتوى يمينيًا متطرفًا يُبسط الأمور ويُروج لرؤية أحادية تخدم مصالح رئيس الوزراء.

وتقول المجلة: "هذه الاستراتيجية الإعلامية تعكس تحالفًا خطيرًا بين السياسة والإعلام، ما يجعل "آلة التسميم" سلاحًا فعالًا بيد نتنياهو لإحكام قبضته على السلطة".

ويُحاكم نتنياهو بتهمة الفساد، بسبب مزاعم بأنه سعى للحصول على تغطية إعلامية مواتية وقبول هدايا باهظة الثمن بشكل غير مشروع. (ينفي ارتكاب أي مخالفات). ومع ذلك، فقد بقي في منصبه، وازدهرت القناة 14 كمدافع عنه.

-تصعيد ضد المعارضة وتقويض القضاء-

في مطلع عام 2023، أشعلت محاولات نتنياهو لتوسيع سلطات الحكومة وتقليص استقلال القضاء أكبر موجة احتجاجات في تاريخ إسرائيل. قابل الإعلامي ينون ماجال هذه الاحتجاجات عبر قناة 14 بخطاب تحريضي، واصفًا المتظاهرين بـ"حارقي الحظائر" و"الكابوس"، مستشهدًا بمصطلحات تُذكّر بالتعاون مع النازيين.

لاحقًا، بعد أحداث 7 أكتوبر، تبنّى ماجال ونظراؤه خطابًا يدعم العمليات العسكرية ضد غزة، مقدمين رواية تُشعر المشاهدين بالسيطرة والانتصار.

-قناة 14: أداة تحريض مهيمنة-

طوال الحرب، أصر الضيوف في البرنامج الرئيسي للقناة 14 على أن نتنياهو لم يكن مخطئا في تجاهل علامات "هجوم حماس" - وأن مسؤولي الأمن أخفوا عنه معلومات استخباراتية عن عمد. تم زرع الفكرة من قبل نتنياهو، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي في وقت متأخر من الليل، وعلى الرغم من حذف المنشور بسرعة، فقد تبنى الإعلامي الإسرائيلي ينون ماجال الحجة.

حتى بعد أن خلص تقرير عسكري إلى أن كبار القادة بدأوا في الاتصال بمكتب رئيس الوزراء في الساعة الثانية من صباح الهجمات، أصر أنصار نتنياهو على أن ضباط الأمن هم المخطئون. قال ماجال لنتنياهو في يونيو / حزيران، "لم يوقظوك!". كانت المناسبة هي المقابلة الأولى لرئيس الوزراء مع وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ الهجمات، قبل ثمانية أشهر، وأثبت ماجال أنه غير دقيق بشكل موثوق. سأل: "كيف كانت الأمور لتكون مختلفة لو أيقظوك؟".

تظاهر نتنياهو بنبرة كريمة: "ينون، لا جدوى من الخوض في هذه الأشياء".

وتحول برنامج ينون على القناة الإسرائيلية لجوقة من الدعوات إلى الإبادة في قطاع غزة.

- أبرز ذلك تصريحات المشاركين في برامج القناة:

وبعد بضعة أسابيع، قالت كيتي شطريت، وهي عضو في البرلمان عن حزب الليكود: "إذا سألتني شخصياً... فأنا أدمر غزة، ولا أملك أي مشاعر".

وفي فبراير/شباط الماضي، قال فليشمان عن المدنيين في غزة: "أعتقد أن الحل الأكثر إنسانية هو تجويعهم".

واقترح ماجال نفسه في يونيو/حزيران: "امسحوا هؤلاء الناس. وبقدر ما يتعلق الأمر بي، دعوا خمسمائة مدني يبقون هناك".

كما وثّقت منظمات إسرائيلية أن برامج القناة دعت الجيش الإسرائيلي إلى تنفيذ إبادة جماعية في غزة أكثر من خمسين مرة منذ بداية الحرب.

وظهر ذلك بوضوح عندما كانت الصفحة الرئيسية لموقع القناة تعرض عدد الضحايا الفلسطينيين، بما في ذلك النساء والأطفال، تحت عنوان "لقد قضينا على الإرهابيين".

-تحريض ممنهج بدعم حكومي-

في سبتمبر/أيلول، تقدمت منظمات حقوقية بشكوى إلى النائب العام الإسرائيلي ضد قناة 14، متهمة إياها بالتحريض على جرائم حرب.

وقال المحامي مايكل سفارد، الذي يمثل هذه المنظمات، إن القناة تُشكل جزءًا من شبكة إعلامية تُغذي التحريض بدعم مباشر من نتنياهو وحلفائه.

-إعلام في خدمة نتنياهو-

تصف تيهيلا شوارتز ألتشولر، خبيرة الإعلام في معهد الديمقراطية الإسرائيلي، خطاب نتنياهو والإعلام الموالي له بأنه "خالي من التماسك". وتضيف: "الأمر لا يتعلق بما قاله بيبي بالأمس، بل بما يخدمه اليوم".

ووصف ماغال نفسه ذات مرة بأنه "وعاء" للرسائل من نتنياهو. وعندما سُئل عمن يراه وريثًا محتملًا لرئيس الوزراء، أجاب بوجه جاد: "أنا".

بعد مرور أكثر من عام على الحرب التي أودت بحياة ما يقدر بنحو ستة وأربعين ألف فلسطيني، لم تسمح إسرائيل لصحفي واحد بدخول قطاع غزة دون إشراف عسكري.

وفي المناسبات النادرة التي تصل فيها أخبار الكارثة الإنسانية هناك إلى الشاشات الإسرائيلية، تميل هذه الأخبار إلى التركيز على الجنود وأهدافهم في حماس.

وعلى مدى السنوات الأخيرة، اعتمد الإعلام المقرب من نتنياهو على نشر ادعاءات كاذبة لتشويه سمعة معارضيه. من أبرز الأمثلة حسب المجلة الأميركية:

- اتهام إيهود باراك، رئيس الوزراء الأسبق، بالتحرش الجنسي بالأطفال

- الإيحاء بأن بيني غانتس كان عرضة للابتزاز الإيراني بسبب علاقة غرامية مزعومة

- الزعم بأن زوج ناشطة بارزة تواصل مع زعيم حماس قبل أحداث 7 أكتوبر.

وقد وصف جدعون ساعر، عضو الكنيست المعارض الذي تعرض لحملات تشويه مماثلة، هذا النهج بأنه "استراتيجية لتلويث سمعة أي شخص ينتقد نتنياهو".

 وفي النهاية، استسلم ساعر للضغوط وانضم إلى حكومة نتنياهو كوزير للخارجية.

 -إعلام مُسيس لخدمة الأجندة-

وتقول المجلة إنه لطالما اشتكى نتنياهو من "انقلاب" ينفذه الإعلام اليساري ضده. وفي إحدى تعليقاته عام 1999 بعد خسارته الانتخابات، قال: "أحتاج إلى إعلام خاص بي".

هذا الحلم تحقق تدريجياً عبر شخصيات مثل ينون ماجال وشمعون ريكلين، اللذين قادا جهودًا لتشكيل تيار إعلامي يميني قوي. ومن خلال القناة 14، أصبحت رسائلهم التحريضية المنصة الإعلامية المفضلة لحملة نتنياهو.

 -القناة 14: نموذج "إسرائيلي يهودي أولاً"-

بحسب أميت سيجال، أحد المراسلين السياسيين، فإن الهدف الأساسي للقناة 14 هو تغيير وعي المجتمع الإسرائيلي نحو تعزيز الهوية اليهودية على حساب الهوية الإسرائيلية، قائلاً: "في المعركة بين كونك إسرائيليًا وكونك يهوديًا، تجلب القناة أجندة تضع اليهودية أولاً".

- التأثير المتبادل مع نتنياهو-

الإعلاميون في القناة 14، مثل ماجال وريكلين، لا يقتصر دورهم على دعم نتنياهو، بل يساهمون في تشكيل سياساته. على سبيل المثال، في عام 2016، عندما طالب نتنياهو في البداية بعقوبة مشددة ضد مسعف إسرائيلي قتل جريحًا فلسطينيًا، غير موقفه لاحقًا بعد ضغط إعلامي قاده ماجال وريكلين.

-حملة منظمة لتعزيز الأجندة-

يعمل فريق القناة 14 بشكل منهجي على تضخيم رسائل نتنياهو. عبر منصات مثل "وتساب" ومواقع التواصل الاجتماعي، يُنسق مقدمو البرامج يومياً لنشر روايات موحدة تتماشى مع مصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي. تُستخدم القناة لنشر مقالات تتضمن نقاط حديث مباشرة من مكتب نتنياهو، مما يجعلها جزءًا من منظومة دعائية مؤثرة.

بحسب أخيا شاتز، مدير منظمة "Fake Reporter"، فإن القناة 14 تمثل أكثر من مجرد وسيلة إعلامية. إنها "ناشر فائق" يشكل الثقافة السياسية في إسرائيل، حيث تعكس رسائلها بشكل مستمر رؤية نتنياهو وأجندته.