النجاح الإخباري - نشرت صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية تقريرا موسعاً أعده إيتي نيفو، من معهد دافيدسون للتعليم العلمي، الذراع التعليمية لمعهد وايزمان للعلوم، شرح خلاله تاريخ هذه القنابل وآلية عملها.
بين أكتوبر 1942 وأكتوبر 1943، نفذت القوات الجوية الأمريكية أكثر من 2000 غارة بواسطة قاذفات ثقيلة في محاولة لضرب أحواض الغواصات التي أنشأتها ألمانيا النازية على سواحل فرنسا.
وقد وفرت هذه القواعد وصولاً سريعًا للغواصات الألمانية إلى المحيط الأطلسي، حيث أغرقت ملايين الأطنان من الإمدادات العسكرية والمدنية المتجهة من أمريكا إلى الجزر البريطانية المحاصرة، ما أدى إلى مقتل الآلاف من البحارة.
كان الألمان يدركون أن تدمير قواعد الغواصات سيكون أولوية قصوى للحلفاء، ولذلك حصّنوا الأحواض في منشآت خرسانية هائلة، بجدران يبلغ سمكها ثلاثة أمتار وسقف من الخرسانة المسلحة بسمك يزيد عن خمسة أمتار.
وقد أُحاطت الأحواض الخمسة الرئيسية على سواحل فرنسا بأكثر من أربعة ملايين متر مكعب من الخرسانة.
الضربات الجوية الثقيلة على الأحواض كلفت القوات الجوية للحلفاء ثمنًا باهظًا، حيث قُتل أو وقع في الأسر حوالي 1200 من أفراد طاقم الطائرات، بعد تعرض طائراتهم للهجوم إما من الطائرات المعادية أو من نيران الدفاعات الجوية.
أما الأضرار التي لحقت بالأحواض فكانت ضئيلة للغاية.
معظم القنابل لم تخترق الغطاء الخرساني، وفي الأماكن القليلة التي تعرضت للضرر، قام الألمان بإصلاحه بسرعة.
وقد تمكن الحلفاء من حل تدمير احواض الغواصات الألمانية عبر دمج تقنيات أخرى تهدف إلى استهداف الغواصات نفسها، مثل الطائرات الاستطلاعية والهجومية بعيدة المدى، والسونار المحسن في السفن، والقنابل العمقية الفعالة والاستخبارات الدقيقة.
ظلت مشكلة المخابئ المحصنة قائمة، بل ازدادت سوءًا عندما بنى الألمان منشآت مماثلة لتخزين وتجميع صواريخ V1 و V2 قرب نهاية الحرب.
طورت الولايات المتحدة مشروعًا طموحًا لتزويد الطائرات الثقيلة بأطنان من المتفجرات، وتحطيم القنابل الطائرة في المخابئ من خلال التحكم فيها عن بُعد.
إلا أن هذا المشروع أيضًا فشل، لأسباب تتعلق بالصعوبات التقنية والعراقيل، كما أودى بحياة الطيار جوزيف كينيدي (Kennedy)، الشقيق الأكبر لجون كينيدي، الذي أصبح لاحقًا رئيس الولايات المتحدة.
بفضل الفيزياء
ما عجز الأمريكيون عن تحقيقه، تمكن حلفاؤهم البريطانيون من إنجازه، وعلى رأسهم المهندس الإنجليزي بارنز واليس (Wallis). استندت قنبلته المخترقة للمخابئ إلى تطوير ألماني لقذائف خارقة للدروع، واعتمدت على ثلاثة مبادئ: البنية، الكتلة، والسرعة.
كانت القنابل التي طورها تحتوي على تصميم أسطواني طويل وضيق، مع مقدمة مخروطية مصنوعة من مادة قوية للغاية – حيث أعاد البريطانيون تدوير الفولاذ المستخدم في مدافع المدفعية لهذا الغرض.
تم تزويد جسم القنبلة بزعنفة تدفعها للدوران حول محورها، مثل المسمار.
وهنا تدخلت الفيزياء: القنابل الثقيلة، التي بلغ وزنها عدة أطنان، كانت تسقط من ارتفاعات شاهقة وتتسارع إلى سرعة هائلة – تفوق سرعة الصوت.
مزيج السرعة، الكتلة، الدوران، والمقدمة الصلبة جدًا أدى إلى تمكن القنبلة من التغلغل في الأرض – وحتى في طبقة من الخرسانة – قبل أن تنفجر.
كانت قنابل واليس أكثر فعالية عندما لم تصب الهدف مباشرة، بل بالقرب منه: فقد كانت تخترق الأرض، أحيانًا بعمق يزيد عن عشرة أمتار، وعندما تنفجر هناك، تنتشر موجات الصدمة عبر المادة الكثيفة وتزعزع أساسات المبنى، مما يؤدي إلى انهياره. ولهذا سميت أحيانًا "قنابل الزلازل" أو "القنابل الزلزالية".
بفضل هذه القنابل، تمكن البريطانيون من النجاح حيث فشل الأمريكيون.
فقد دمروا أحد مرافق إطلاق صواريخ V2، وأسقطوا جسورًا، ودمروا منشآت محصنة، وتسببوا في انهيار نفق للسكك الحديدية في غارة جوية منعت الألمان من نقل تعزيزات الدبابات إلى جبهة الحلفاء بعد غزوهم. حتى أنهم ألحقوا أضرارًا جسيمة بأحواض الغواصات في فرنسا، التي فشل الأمريكيون في استهدافها. كانت قنابل واليس الأساس لجميع القنابل الخارقة للمخابئ التي تم تطويرها لاحقًا.
على الرغم من النجاح المثبت، لم يتسرع الأمريكيون في تبني هذه التكنولوجيا. إذ طوروا قنبلة زلزالية عملاقة تزن عشرين طنًا، لكن في نهاية الحرب، ومع امتلاكهم للسلاح النووي، لم يكن هناك حاجة ماسة للاستثمار في تطوير القنابل الخارقة للمخابئ.
مع ذلك، تبنوا إحدى قنابل واليس، وأضافوا إليها إمكانية التحكم في طيرانها عن بُعد، واستخدموها بشكل محدود في الحرب الكورية.
عصر الدقة
نشأت الحاجة الأمريكية للقنابل الخارقة للمخابئ فقط في عام 1991، خلال عملية "عاصفة الصحراء"، المعروفة أيضًا باسم "حرب الخليج الأولى".
حيث حددت الاستخبارات الأمريكية العديد من المخابئ التابعة للجيش العراقي التي كانت محصنة جيدًا وبُنيت بعمق تحت الأرض. وكانت الولايات المتحدة بحاجة إلى سلاح تقليدي يمكنه تدمير هذه المنشآت، وخلال أسابيع قليلة طوروا نسختهم الخاصة من قنابل واليس، ولكن بتكنولوجيا أكثر حداثة.
كانت القنبلة GBU-28 تزن حوالي 2000 كيلوغرام، منها أقل من 300 كيلوغرام من المتفجرات.
ومع ذلك، كانت فعالة للغاية، حيث يمكنها اختراق ستة أمتار من الخرسانة أو حوالي ثلاثين مترًا من الأرض.
وكان الابتكار الرئيسي هو نظام التوجيه القائم على الليزر، والذي مكن من توجيه القنبلة بدقة شديدة إلى موقع محدد، باستخدام إضاءة الهدف بواسطة ليزر من طائرة أو من الأرض.
وكان هناك تحسين آخر في آلية التأخير التي منعت الانفجار المبكر، وضمنت حدوثه فقط عند وصول القنبلة إلى العمق الأقصى.
على الرغم من أن دولًا أخرى مثل روسيا والهند تطور مثل هذه القنابل، إلا أن الولايات المتحدة تقود هذا المجال، وتواصل تطوير قنابل خارقة للمخابئ أكبر، وأقوى، وأكثر دقة.
كما يطور الاحتلال الإسرائيلي قنابله الخاصة، التي غالبًا ما تكون أصغر نسبيًا. لا تستطيع القنابل الصغيرة اختراق عدة أمتار من الخرسانة مثل نظيراتها الكبيرة، لكنها أكثر ملاءمة للاستخدام في المناطق الحضرية المكتظة، حيث تكون الضربة الدقيقة للغاية مطلوبة مع الحد الأدنى من المخاطر للجيران.
سواء كانت القنابل كبيرة أو صغيرة، فإن المبادئ الفيزيائية للقنابل الخارقة للمخابئ لا تزال نفسها منذ أيام الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، تمت إضافة تحسينات على مر السنين لزيادة قدراتها بشكل أكبر.
لتحسين قدرة القنبلة على اختراق الخرسانة أو الدروع أو الأرض أو أي وسط صلب آخر، يجب زيادة طاقتها.
يمكن القيام بذلك عن طريق زيادة كتلتها – فكلما كانت القنبلة أثقل، ازدادت طاقتها وزادت قدرتها على الاختراق.
هناك طريقة أخرى لتحقيق ذلك وهي زيادة سرعة القنبلة – بدلاً من الاعتماد على السقوط الحر فقط، يمكن تزويد القنبلة بمحرك صاروخي يسرعها إلى سرعة عالية، مما يعزز قدرتها على الاختراق.
بالإضافة إلى استخدام أحد هذين المبدأين أو كليهما، فإن تصميم القنبلة على شكل أنبوب ضيق وطويل يساعد في تركيز طاقتها على مساحة صغيرة، مما يعزز قدرتها على الاختراق.
في القنابل الأولى، استخدم المهندسون الفولاذ لتوفير القوة الميكانيكية اللازمة لمقدمة القنبلة لاختراق الخرسانة أو المواد الصلبة الأخرى.
اليوم، يمكن استخدام مواد أقوى، مثل اليورانيوم المنضب.
يتكون اليورانيوم في الطبيعة من نظيرين رئيسيين: الأغلبية الساحقة – 99.3 بالمائة – هي نظير اليورانيوم-238.
والباقي، حوالي سبعة آلاف من إجمالي اليورانيوم الطبيعي، هو اليورانيوم-235، الذي يُستخدم في تصنيع القنابل النووية. في عملية تخصيب اليورانيوم، يتم زيادة تركيز النظير اليورانيوم-235، أما في عملية التخفيف، فيتم زيادة نسبة اليورانيوم-238، مما ينتج عنه معدن كثيف وقوي للغاية.
يمكن زيادة صلابته عن طريق مزجه بمعادن أخرى مثل التيتانيوم أو التنجستن. إضافة أخرى مفيدة لليورانيوم في القنابل هي أن هذا المعدن قابل للاشتعال، حيث يشتعل عند درجات حرارة تفوق 600 درجة مئوية، وهي درجة حرارة يمكن الوصول إليها بسهولة عند انفجار المواد المتفجرة، مما يعزز من حجم الضرر الناتج.
بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام سبائك قوية وخفيفة نسبيًا يسمح بتحميل القنبلة بكمية أكبر من المتفجرات دون زيادة الكتلة. على الرغم من أن الكتلة الكبيرة تزيد من قوة الاختراق، إلا أنها تقلل من عدد القنابل التي يمكن للطائرة حملها وتقلل من مدى الطيران. بالطبع، كلما زادت كمية المتفجرات في القنبلة، زادت قوتها التدميرية.
إلى جانب هذه التطورات، جاءت تحسينات إضافية من خلال صواعق القنابل، وهي الآليات التي تُفعّل المادة المتفجرة.
اليوم، يمكن تجهيز القنابل بصواعق ذكية ومحوسبة قادرة على قياس تقدم القنبلة عبر الأرض أو الوسط الذي تخترقه، وضبط توقيت الانفجار ليحدث في اللحظة الأكثر تدميرًا. على سبيل المثال، إذا كانت القنبلة تخترق سقف مبنى، يمكن للصاعق أن يحسب عدد الطوابق التي تخترقها القنبلة ويفجرها في الطابق المطلوب.
تقدم آخر لا يقل أهمية هو دقة توجيه القنابل. اليوم، يتم توجيه القنابل باستخدام أنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية، مثل نظام GPS أو أنظمة مشابهة. بالإضافة إلى ذلك، فإنها مجهزة بأنظمة ملاحة قصورية تُمكنها من حساب موقعها بدقة استنادًا إلى إحداثيات الطائرة التي أطلقتها، دون الحاجة إلى توجيه من جهة خارجية مثل الأقمار الصناعية. هذا يمكن من التغلب على التشويش أو تعطيل إشارات الأقمار الصناعية.
تُسهل التحسينات التكنولوجية للقنابل على الطيارين مهمة توجيه القنبلة. بمجرد أن يصل الطيار إلى مسافة معينة من الهدف، كل ما عليه فعله هو الضغط على زر لتحرير القنابل وترك التكنولوجيا والفيزياء تتولى المهمة. يتيح هذا إلقاء عدة قنابل في آن واحد، وأحيانًا على نفس الهدف، وضمان انفجارها في وقت واحد، مما يزيد بشكل كبير من القوة التدميرية ويقلل من فرصة صمود الهدف أمام الهجوم.