النجاح الإخباري - تصوم الدراما العربية 11 شهراً في السنة، لتغرق الشاشات بمئات الأعمال في شهر رمضان المبارك، تتنافس فيما بينها، والغلبة للأقوى.

والأقوى بمنطق تجارب السنوات الماضية، هي للأعمال التي تضمّ أسماء نجوم جماهيريين، هم في أغلب الأحيان رافعة مسلسلات نصّها متهالك. حجّة النجوم أنّ هذا هو الموجود، إما أن يقبلوا به، وإما أن يجلسوا في منازلهم بانتظار نصٍ قوي قد لا يأتي... إنّما الحقيقة في مكانٍ آخر.

"الكاتب لباسل خياط....جريمة مفتعلة وتحقيق هزيل وانطلاقة لا تبشر بالكثير.

معظم الكتّاب يكتبون على قياس الممثلين الذين يتدّخلون في النص بحسب جماهيريّتهم، يصبحون هم أصحاب القرار، فتكون النتيجة عملاً هزيلاً هدفه تلميع صورة النجم فحسب.

وبعيداً عن تحميل النجوم بالكامل مسؤوليّة النصوص الهزيلة، ثمّة كتّاب يعتمدون على أسمائهم اللامعة في عالم كتابة السيناريو، فلا يراجعون نصوصهم، ولا يستشيرون أصحاب الاختصاص، ويخرجون على المشاهد بكمٍ من المعلومات المغلوطة.

بعض المشاهدين قد لا يفطنون إلى أنّ ما يرونه على الشاشة معلومات مغلوطة لكاتب لم يكلّف نفسه عناء استشارة المتخصّصين، إلا أنّ الغالبية باتت مطلعة على أعمال عالميّة، ولم يعد هذا المستوى الهزيل يرضيها، وباتت تلعب دور المتربّص بالكاتب، على قاعدة أنت تستخفّ بي وتقدّم معلومات مغلوطة وأنا أستخف بكّ وأصحّح لك معلوماتك.

وعلى هذا الأساس، تخيّلت كاتبة مسلسل "خمسة ونص" إيمان سعيد أنّه في عصر انهيار الصحافة الورقية، ثمّة عشرات الصحف تطبع في بيروت، وأنّ مصوّر باباراتزي التقط صورة لابن زعيم "قصي خولي" مع طبيبة "نادين نجيم" ولم يوزّعها على صحيفته، بل وزّعها على كلّ الصحف، وأنّ كل الصحف خرجت علينا بنفس المانشيت عن علاقة ابن زعيم بطبيبة، وأنّ خبر عن سياسة مصرف لبنان كتب بخطِ صغير على المانشيت، تحته بالخط العريض تفاصيل علاقة الطبيبة وابن الوزير في بلد يغرق بمشاكله. هذا إذا تغاضينا عن فكرة أنّ الصور الملتقطة تبثّ فوراً عبر الموقع الإلكتروني للصحيفة، وأنّ هذه الأخيرة لم تعد تنتظر النسخة الورقيّة لتنشر ما لديها من سبق صحفي.

غارقة في الدموع انطلقت الدراما العربية المشتركة... و"باب الحارة 10" فاجعة الموسم.

ولأنّ كاتبة مسلسل "الكاتب" ريم حنا، لم تكلّف نفسها عناء سؤال محامٍ، سجنت بطل المسلسل باسل خياط على جريمة ارتكبت، قبل صدور تقرير الأدلة الجنائية وقبل صدور تقرير الطبيب الشرعي وقبل تعرّف اهل الضحيّة على الجثة، من دون أي دليل ملموس يدينه.

ولم تكن المرّة الأولى التي تحاول فيها حنا الدخول إلى عالم الدراما البوليسيّة دون أن تكلّف نفسها عناء الاطلاع على الأمور من ناحية قانونيّة تنصف العمل، فقد كتبت قبل سنوات مسلسل "لعبة الموت" المأخوذ عن فيلم أجنبي، واجتهدت فيه، فكان أن أقيمت جنازة لبطل المسلسل "عابد فهد" الذي سقطت سيارته في الوادي واختفت جثّته، والمفارقة يومها أنّه ساعة وقوع الحادث ودون العثور على الجثّة أبلغ البوليس شقيقة الضحية أنّه توفي في الحادث.

ريم حنا كتبت أيضاً "24 قيراط"، مع عابد فهد أيضاً الذي يختفي في ظروف غامضة ومن خلال صورة لم تظهر ملامحه تقرّر عائلته أنّه توفي ليدور بعدها المسلسل في حبكة بوليسيّة غير محبوكة.

كل هذه المسلسلات حقّقت نجاحاً جماهيرياً كبيراً، جعل من الكتاب يبذلون الجهد الأدنى لكتابة حلقاتهم، وليس ثمّة من يحاسب، إذ تكاد تخلو صفحات الصحف والمجلات من مقالات نقديّة موضوعية، توضح أنّ الكاتب أخطأ في سرد المعلومات، بعيداً عن انتقاد ملابس الممثلات وهفوات الإخراج.

بعيداً عن دراما رمضان الوضع ليس بأفضل حال، إذ عرضت محطة LBC قبل أسابيع مسلسل "ثواني" للكاتبة كلوديا مرشليان، وفي الحلقة الأولى وقع حادث سير مروّع، فأصيبت البطلة "نهلة داوود" بالشلل وفقدت القدرة على الكلام، ثم عادت وتكلّمت ومشت دون أن يعرف المشاهد ما هو طبيعة الضرر الذي أصابها، وكيف شفيت منه. ناهيك عن كمّ المعلومات المغلوطة في زواج البطلة من جديد بعد أن ظنّت أن زوجها توفّي بشهادة وفاة مزوّرة، كيف سجّل الزواج في الدوائر الرسميّة؟ كيف لم يكتشف الزوج طوال هذه السنوات أنّه ميتاً في الدوائر الرسميّة رغم أنّه عاد وتوفي وأصدرت له شهادة وفاة؟
كلوديا التي ضربت الرقم القياسي في عدد المسلسلات لدرجة أن القنوات اللبنانية عرضت لها خلال موسم الشتاء الماضي 4 مسلسلات، سبق أن قدّمت في مسلسل "روبي" الذي عرض بنجاح جماهيري كبير قبل سنوات، مغالطة قانونيّة لم يلتفت إليها أي ناقد. إذ أنّ روبي "سيرين عبد النور" تطلب الطلاق من زوجها "أمير كرارة" للحاق بحبيبها "مكسيم خليل"، يدرك الزوج أنّ الطلاق لا بد منه لاستحالة الحياة مع امرأة تكرهه لكنّه لا يملك ثمن المؤخر وروبي تصرّ على الطلاق. وتدور كل الحلقات الأخيرة حول كيفيّة تأمين ملايين الدولارات لدفع مؤخر روبي، رغم أنّ المؤخّر يسقط عندما تطلب الزوجة الطلاق بدون سبب، لا وبل في بعض الحالات عليها أن ترد المقدّم.

وسط هذا التردّي والاستخفاف بعقول المشاهدين، يطرب صنّاع الأعمال لحفلات التصفيق على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها من معجبي الفنانين ومعظمهم يغضّ النظر عن الأخطاء، أو ربّما لا يلتفت إليها، وبعضها من حسابات وهمية يركن إليها النجوم لدى عرض أعمالهم، وبعضهم من صحافة احترفت التطبيل، ليبدو النقد في أحيانٍ كثيرة بمثابة عداء للدراما وحجّة يركن إليها النجوم أنّ "الشجرة المثمرة ترشق بالحجارة". 

 

ويبقى السؤال، لماذا تقدّمت الدراما التركيّة ولا تزال الدراما العربيّة تراوح مكانها؟ الجواب عند الجمهور التركي الذي يحاسب بشدّة، وعند شركات الإنتاج التي تصرّ على تصوير الأعمال بالتزامن مع عرضها، لتنهي مسلسلها عندما تنخفض نسب مشاهدته، دون أن تشفع للنجم نجوميّته إذ أنّ كبار النجوم ذاقوا الكأس المرّ، وأوقفت أعمالهم ما وضعهم أمام خيار وحيد: تقديم أعمال تليق بجمهور لا يرضى بعملٍ الهدف منه تلميع صورة الممثل فحسب.

وإلى أن يبدأ الجمهور العربي بمقاطعة الأعمال الهابطة، وتبدأ الصحافة بممارسة دورها الناقد بعيداً عن التزلف والتحطيم، ستبقى الدراما العربية راوح مكانك، وسيبقى الكتاب يكتبون ولا يكلّفون أنفسهم عناء مراجعة نصوصهم بحجّة أنّ جمهوراً كهذا حلال عليه أعمال كهذه.