وكالات - النجاح الإخباري - على ضوء الموقف السعودي، الذي لم يعارض التطبيع مع النظام السوري منذ تسلّم الأمير محمد بن سلمان مقاليد الحكم عملياً، وبناء على رغبة المملكة العربية السعودية في إعادة نوع من الاستقلالية “لدور سوريا وتعزيز الحضور العربي فيها لمواجهة نفوذ إيران”، استقبل رئيس النظام السوري بشار الأسد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، صباح أمس الثلاثاء في العاصمة السورية دمشق. والتقى وزير خارجية المملكة العربية السعودية كبار المسؤولين السوريين لبحث “آخر تطورات المنطقة واجتماع جدة واستضافة المملكة للقمة العربية في الـ19 من الشهر المقبل”.
وحسب مصادر صحيفة الوطن المقربة من النظام، فإن عودة العلاقات السورية العربية وخصوصاً السورية – السعودية إلى سابق عهدها باتت أمراً واقعاً ولم تعد في إطار التكهنات أو التحليلات، حيث سنشهد خلال الأيام المقبلة تسارعاً ملحوظاً وملموساً يشمل مختلف جوانب هذه العلاقة، ولن يقتصر على تبادل الزيارات الرسمية، وسيتعدى الجانب السياسي إلى الجوانب الأخرى وعلى رأسها الاقتصادية منها، وذلك في سياق الانفتاح الإقليمي المستمر أيضاً.
أول زيارة منذ 12 سنة
وذكرت قناة “الإخبارية” السعودية أن الزيارة تأتي استكمالاً لعملية استئناف العلاقات بين البلدين بعد أيام من زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لجدة، والتي شهدت بدء إجراءات استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلدين. وتعد هذه أول زيارة لمسؤول سعودي رفيع المستوى منذ عام 2011 بعد قطع العلاقات السوريا السعودية نهاية عام 2011 وإصدار دول مجلس التعاون الخليجي قراراً بإغلاق سفاراتها في العاصمة دمشق.
ويأتي الانفتاح السعودي على سوريا في خضمّ تحرّكات دبلوماسية إقليمية يتغيّر معها المشهد السياسي في المنطقة منذ اتفاق الرياض وطهران، حليفة دمشق، على استئناف علاقاتهما الشهر الماضي.
وأعلنت وزارة الخارجية السعودية في بيان أنّ الزيارة تأتي “في إطار ما توليه المملكة من حرص واهتمام للتوصل الى حل سياسي للأزمة السورية ينهي كافة تداعياتها ويحافظ على وحدة سوريا، وأمنها واستقرارها، وهويتها العربية، ويعيدها إلى محيطها العربي”.
وإثر اندلاع الاحتجاجات في سوريا التي ما لبثت أن تحولت إلى نزاع دام في 2011، قطعت دول عربية عدة على رأسها السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق. ويبدو أنّ الزلزال المدمّر في سوريا وتركيا المجاورة في شباط/فبراير، سرّع عملية استئناف دمشق علاقتها مع محيطها الإقليمي مع تلقي رئيس النظام السوري بشار الأسد سيل اتصالات ومساعدات من قادة دول عربيّة.
وظهر الانفتاح السعودي تجاه دمشق للمرة الأولى بعد الزلزال مع هبوط طائرات مساعدات سعودية في مناطق سيطرة الحكومة، كانت الأولى منذ قطع الرياض علاقاتها مع دمشق.
وبعد السعودية، زار المقداد كلاً من الجزائر، إحدى الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقاتها مع دمشق، وتونس التي أعلنت الشهر الحالي استئناف علاقاتها مع سوريا. والجمعة، استضافت السعودية اجتماعاً لدول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى مصر والأردن والعراق لبحث عودة دمشق إلى محيطها العربي.
ولم يصدر المجتمعون قراراً يقضي بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، التي علّقت عضويتها فيها في 2011، لكنّهم أكّدوا على “أهمّية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة” في سوريا، وعلى “تكثيف التشاور بين الدول العربيّة بما يكفل نجاح هذه الجهود”. وبدا أنّ قطر لا تزال تعارض عودة سوريا إلى الجامعة العربية، إذ اعتبر رئيس الوزراء الشيخ محمّد بن عبد الرحمن آل ثاني الأسبوع الماضي أن أسباب تعليق عضويّة دمشق لا تزال قائمة.
وفي مقابلته مع “روسيا اليوم”، قال الأسد إنّ “الساحة السورية لم تعد مكان صراع ايراني سعودي كما كانت في بعض المراحل”، معتبراً أن “السياسة السعودية اخذت منحى مختلفاً تجاه سوريا منذ سنوات وهي لم تكن في صدد التدخل في الشؤون الداخلية أو دعم أي فصائل في سوريا”.
وبعد 12 عاماً من الحرب، تتطلع دمشق اليوم إلى أموال إعادة الإعمار بعدما استعادت قواتها غالبية المناطق التي كانت خسرتها في بداية النزاع بدعم من حليفيها الأساسيين: روسيا وإيران. وأودى النزاع بحياة أكثر من نصف مليون شخص وشرّد أكثر من نصف سكان سوريا داخل البلاد وخارجها. كما أنه حوّل البلاد إلى ساحة تصفية حسابات بين قوى إقليمية ودولية. وترك كل ذلك أثره على الاقتصاد المنهك جراء الدمار الهائل الذي لحق بالبنى التحتية والمصانع والإنتاج.
الأكثر حماسة
وتظهر السعودية اليوم أنها الأكثر حماسة في اتجاه التطبيع مع النظام، كما تبدي أطراف عربية معها اندفاعة واضحة لإعادة النظام السوري إلى المنظومة الرسمية العربية. واعتبرت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية للنظام أن التسارع الحاصل في مسار التطبيع العربي مع دمشق هو دليل على تعافٍ ملموسٍ لا عودة بعده إلى الوراء، حيث تستمر الأجواء الإيجابية والتي اكتسبت زخماً كبيراً مع زيارة المقداد للسعودية وزيارة الوزير السعودي إلى دمشق.
ونقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية عربية قولها إن تركيز دمشق “لا يزال منصباً على تمتين العلاقات الثنائية بينها وبين العواصم العربية التي بادرت لفتح أبواب التطبيع معها، على اعتبار أن الاشتغال على تعزيز العلاقات الثنائية من شأنه الدفع بالعمل العربي المشترك نحو الأمام، كما أن دمشق تضع في الوقت الحالي تمتين هذه العلاقات كأولوية وغاية سياسية، أكثر من عودتها لجامعة الدول العربية، وهو ما يؤكد عليه المسؤولون السوريون باستمرار، وما أكد عليه أيضاً بشار الأسد في آخر لقاء إعلامي له مع القنوات الروسية الشهر الفائت، عندما أكد بأن سوريا لا ترى العودة إلى جامعة الدول العربية غاية في ذاتها أو أكثر أهمية من العلاقات الثنائية”.