النجاح الإخباري - بالتوازي مع حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، شهدت الضفة الغربية تصعيداً عسكرياً اعتبر الأكبر والأكثر شراسةَ منذ سنواتٍ طويلة.

حيث عمدت حكومة الاحتلال على تكثيف وتيرة الإستيطان في الضفة والقدس الشرقية، وفرض الحصار والخناق على القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية، عبر إغلاق الطرق ووضع الحواجز، إلى جانب حملات موسعة من الاقتحامات وانتهاج سياسة الاغتيالات بصورةٍ وأساليب غير مسبوقة، والضغوطات الإقتصادية على السلطة الفلسطينية.

وفي دراسة موسعة نشرتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية بعنوان "السيطرة الإسرائيلية المتصاعدة على الضفة الغربية بعد أكتوبر 2023"، يرى أستاذ الدراسات الدولية بجامعة بيرزيت، د. غسان الخطيب، أن هذا التسارع غير المسبوق للسياسات الإسرائيلية يأتي بعدما وجدت إسرائيل في تركيز الأضواء السياسية والدبلوماسية والإعلامية على الأحداث الجسيمة في غزة ثم لبنان، فرصة لتحقيق أهدافها بعيدة المدى بوتيرة أسرع.

وتركز الدراسة على الإجراءت الإسرائيلية المكثفة والمساعي الرامية لفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية وتغيير الواقع على الأرض، مبينةَ أن القاسم المشترك بين جميع التيارات السياسية والأيديولوجية الإسرائيلية بات هو السعي الدؤوب والمستمر للسيطرة على الأرض عن طريق التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي.

ويوثق د. الخطيب من خلال دراسته التأييد الواسع من الأحزاب اليمينية المتطرفة للنهج الجديد المتبع في الضفة الغربية، حيث وصفت وزيرة الاستيطان أوريت ستروك، "الفترة الحالية" بأنها "معجزة"، في إشارة إلى كثافة وتسارع الإستيطان بصورةٍ لم تحدث من قبل.

وإلى جانب ذلك، عمدت الحكومة الإسرائيلية على فرض مجموعة من العقوبات والضغوطات الإقتصادية على السلطة الفلسطينية، في محاولةٍ لإضعافها وجعلها غير قادرة على القيام بمسؤولياتها، وترى الدراسة بأن الإجراءات الأخيرة ألحقت أضراراً بالغة بالإقتصاد الفلسطيني، وأدت إلى
تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 22% خلال العام الأول للحرب، وفقاً لما أصدره "معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني" ("ماس").

ويرى الخطيب أن منع العمال من العمل في إسرائيل، قد شكل حالةً كارثية وصعبة على الاقتصاد الفلسطيني بحرمانه من واحد من أهم موارده المالية التي كانت تصل إلى نحو 1,5 مليون شيكل شهرياً، أي ما يقارب 400 مليون دولار، لافتاً أيضاً إلى الأثر السلبي الذي لحق بالاقتصاد الفلسطيني عقب القيود التي فرضت على الزوار من فلسطيني الداخل من أجل التسوق والتعلم وغير ذلك.

وما يزيد المشهد السياسي تعقيداً وفقاً للخطيب، هو التركيبة السياسية الجديدة في إسرائيل، حيث لم يعد هناك أيّ أقلية داخل إسرائيل تؤيد التخلي عن السيطرة على أي جزء من أراضي 1967، بما يشكل حالة من الإجماع الصهويني على التمسك بالسيطرة الإسرائيلية المباشرة على فلسطين التاريخية كلها، عسكرياً وإدارياً، وبالتالي إلغاء أي فرصة للفلسطيني بالتواجد على أرضه وموطنه، ودفن حلم "حل الدولتين"

وتؤكد الدراسة وفقاً للمعطيات على الأرض أن هذا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيتفاقم يوماً بعد يوم، داعية القوى المنظمة بتكريس جل طاقاتها لتعزيز صمود المواطنين وتمكينهم من مواجهة هذه السياسات.

ويرى د. الخطيب في دراسته، أن على السلطة الفلسطينية دور مهم يمكن من خلاله تحدي الواقع المرير الذي يواجهه الفلسطيني عبر أطول احتلال في التاريخ.

وفي بارقة من الأمل وسط مشهدٍ دامٍ، يرى الخطيب أن الجيل الفلسطيني الجديد سيكون له بصمة كبيرة في تغيير هذا الواقع، حيث يرفض الاحتلال وكأن هذا الاحتلال بدأ بالأمس، بما يجعله قادراً على خلق أساليب عديدة لمقاومة هذا المحتل، والانتصار عليه.