منال الزعبي - النجاح الإخباري - صباح الأربعاء، 8 يناير/كانون الثاني 2025، استيقظت بلدة طمون الصغيرة جنوب مدينة طوباس، على واحدة من أبشع جرائم الاحتلال الإسرائيلي. كحلقة ثانية في مسلسل الإجرام الإسرائيلي لليوم الثاني على التوالي، ثلاثة أرواح بريئة أزهقت بقصف جوي استهدف باحة منزل عائلي، وقبلهم بساعات شهيدين لتُضاف إلى السجل الدموي للاحتلال.

لحظات قبل الفاجعة

بعد ليلة طاحنة عاشتها طمون، استيقظ آدم خير الدين بشارات، البالغ من العمر 23 عامًا، والذي قد عاد قبل يومين فقط من أداء العمرة. وجلس في باحة المنزل العائلي محاطًا بابتسامات أبناء عمومته رضا علي بشارات(8 سنوات)، وحمزة عمار بشارات (10 سنوات)، يسترقون لحظات شمسية من نهار شتوي بارد ويتجاذبون أطراف الحديث المرح  في لحظات لم يتوقع  أحد أن تتحول إلى وداع أبدي.

توقفت ساعة أعمارهم عند التاسعة وستة وأربعين دقيقة في الصباح الأخير!

 يروي قريبهم رائف بشارات الشاهد على الجريمة لـ"النجاح"، تفاصيل ما حصل: " الشاب آدم، المهذب اللطيف الذي عاد من رحلة العمرة من يومين فقط، وأبناء عمومته الأطفال رضا وهو وحيد لأربع أخوات، وحمزة وحيد لثلاث أخوات والذي جاء إلى الدنيا بعد 13 عاما من الصبر والانتظار، كانوا يجلسون كالمعتاد في حوش دارهم التي تحيطها سبع بيوت للعائلة، قبل أن يستهدفها الاحتلال الذي اقتحم البلدة بقصف خطف أرواحهم بطائرة مسيّرة حولت الحوش إلى مسرح جريمة.

الجثامين تمزقت إلى أشلاء، ولم تبقَ سوى ذكريات ممزقة وأحلام لم تكتمل.

الاحتلال زعم أن الاستهداف كان لـ"خلية مسلحة"، إلا أنَّ المشهد في طمون يفضح زيف هذه الادعاءات.

ويكمل بغصة خانقة: "آدم، ورضا، وحمزة كانوا بعيدين عن أي مواجهة أو نشاط عسكري. كانوا يجلسون في مكان آمن داخل باحة المنزل، البعيد عن الشارع أكثر من 20 مترًا".

ويؤكّد الشاهد: منعت قوات الاحتلال طواقم الإسعاف من الوصول إلى الضحايا، هرعت الأمهات إلى الساحة لمعرفة مصير أبنائهن، فرفع الجنود أسلحتهم في وجوهههن ومنعوا الناس من الاقتراب، والدة حمزة، التي سمعت أنينه الأخير حيث كان على قيد الحياة، فصرخت تطلب أن تنقذ روحه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ليصرخ بوجهها الجنود المدججون بالسلاح بأنهم سيسعفونه، طلبوا "حِرامًا"، وصادروا هواتف العائلة واختطفوا جثامين الشهداء تاركين عائلة بشارات تواجه هول الصدمة.

طمون تنزف 

"خمسة شهداء في 24 ساعة"، هكذا تصف طمون الواقع الجديد الذي فرضه الاحتلال. آدم، الذي عاد ليبني حياة جديدة بعد رحلته الروحية، ورضا وحمزة، اللذان لم تتجاوز أحلامهما حدود الطفولة، وقبلهم بليلة واحدة الممرض الشاب عبد الرحمن محمد بني عودة وسليمان قطيشات (بشارات) خمسة أقمار أطفأ الاحتلال شمعة أعمارهم في غضون ساعات.ذهبوا ضحايا لصواريخ الاحتلال التي لا تفرق بين كبير وصغير.

لم تعد مشاهد القصف الإجرامي مقتصرة على غزة. طمون، كسائر بلدات الضفة، باتت شاهدة على جرائم الاحتلال التي تستهدف الإنسانية في أبسط صورها.

وبلسان العائلة المكلومة يتحدث رائف: "المصاب جلل، لكننا صابرون محتسبون، هذا قدر الفلسطيني أن يدفع دماء أبنائه وأرواحهم ثمن الصمود والتمسك بالأرض والوطن، أمام صمت عالمي فاضح.

طمون اليوم تنزف، لكنها تبقى شامخة. دماء آدم ورضا وحمزة وكل الشهداء قبلهم ستظل شاهدة على ظلم الاحتلال، لكن الحرية ستُنتزع مهما طال الزمن.

اخوات الشهيد حمزة يجلسن ويقفن حارسات لدم اخيهن الوحيد
الأطفال يهرعون لمكان استشهاد رفاقهم 
صور الشهداء من مكان ارتقائهم 
أثار القصف في ساحة بيت عائلة بشارات