منال الزعبي - النجاح الإخباري -
في غزة ..
تفاصيل لا نقوى نحن الكبار على مشاهدتها من وراء شاشة، فكيف حال من يعيشها بملامح تروي وجعًا لا يحتمل؟!
في غزة أطفال كشّرت لهم الدنيا عن أنيابها قبل أن يشتد عودهم، وأرتهم من العذاب ما لا يطاق، مشهد هذا الطفل الذي يسترق النظر إلى جثة أمه في كفنها، وكأنه يغادر بياض الدنيا إلى سواد الموت، يصبح حارسًا لأوجاعٍ أكبر من طاقته لا ولن يستطيع الهروب منها.
خوف وهروب من الموت، ثم الموت في أماكن اللجوء، هذا حال أهل غزة الذين يتربصهم الموت أينما ولوا وجوههم.
مدرسة المفتي للنازحين في مخيم النصيرات وسط القطاع، كانت هدف صواريخ الاحتلال التي حصدت أرواح 22 شخصًا بينهم 15 طفلا وامرأة وأصيب حوالي 80 آخرين، فتحول المكان الذي كان يضج بالنازحين إلى مقبرة موحشة مظلمة غارقة في صمت مرير.
في هذه المجزرة طفل فقد أمه، فوقف مع أخيه يتأملان مشهدًا فاجأتهما به الحياة، يسدل الستار معلنا نهاية الفرح، وقف الاثنان أمام الأم الملاذ الأول وأأمن مكان في العالم، لكنها الآن جثة باردة في كفن أبيض، تئن من خلفه كل أسئلة الكون دون فرصة لإجابة واحدة في الدنيا.
رجفت شفتا الطفل الأكبر الذي لا يتجاوز عمره العشر سنوات "ماما... ماما"، همسات تحاول استعادة الحياة، وتكذيب مشهد بمنتهى الصدق، تسمَّر مكانه يحاول أن يتجاوز الزمان والمكان، أما الصغير فاندفع إلى الجثة يبحث عن أمه، شق الغطاء فجال نظره يودع من كانت مصدر أمانه وحلمه. فتحه برفق وخوف، والدموع تنساب من عينيه، تنقبض ملامحه بطريقة تخبرك أن قلبه الصغير يحترق، احتراق حرّك الطفل الأكبر لسحبه لا ليمسك به، بل ليأخذ على عاتقه أعباء هذا الفقد والوجع الكبير.
هو طفل لم يتعلم بعد كيف يواسي نفسه، يضم إلى صدره جسد أخيه الطري في محاولة يائسة ليقول له: "أنا هنا معك، ولكن من يواسي قلبي؟!". يضع الصغير يده على رقبته كأنما يحاول إمساك غصة تتسلق حلقه، فتخنقه وتمزقه ألما!!
مجزرة النصيرات واحدة من ألف مجزرة لا تشهد فقط على فظائع الحرب، بل على واقع عالم متخاذل يعجز عن تحقيق العدالة.
ويستمر الاحتلال كلاعب "ببجي" محترف، يرتكب مجازر تتساقط فيها الأرواح كما تتساقط أوراق الشجر في خريف مرير، تجتث الحياة وتزرع الألم وتترك أطفالا بلا أمهات يواجهون مصيرهم فُرادى، وأمهات بلا أطفال يتجرعن الألم في وقت يفترض أن يرعين أحلامهم البريئة، ولا رادع يوقف هذا الإجرام!
هذه الصور التي يرسمها أطفال غزة كل يوم ستظل وصمة عار على جبين العالم أجمع، تصرخ بالإنسانية لعلها تُبعث من جديد!