عبد الله عبيد - النجاح الإخباري - "أتمنى أن أخرج من قطاع غزة كي أحصل على على العلاج، خصوصاً وأنني أعاني من سرطان في عيني اليمنى، وفي ظل اغلاق المعبر قد أفقد عيني الأخرى، لعدم وجود علاجي الذي بدأ شحيحاً للغاية"، تقول انشراح المدني البالغة من العمر 14 عاماً والمصابة بسرطان العين.
وقبل اندلاع الحرب، كانت انشراح تتلقى علاجها في مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني شمال غزة، وهو مستشفى السرطان الوحيد في القطاع.
"المدني" واحدة من نحو 10 آلاف مريض بالسرطان في القطاع - وفقًا لأرقام وزارة الصحة في غزة، والذين لم يتمكنوا من الحصول على العلاج أو الأدوية منذ إغلاق المستشفى في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني بسبب نقص الوقود.
حالها حال باقي الفلسطينيين النازحين الآخرين في غزة، والذين تقدر الأمم المتحدة عددهم بـ1.7 مليون، فرّت انشراح من منزلها في بيت حانون أقصى الشمال عندما تعرض الحي الذي تعيش فيه للقصف الجوي، وعندما تحدثنا معها، كانت تعيش مع أمها داخل مدرسة في دير البلح تديرها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
ومنذ أشهر تحاول انشراح المغادرة لتلقي العلاج لإنقاذ حياتها، ولكن رُفض دخولها عبر معبر رفح الحدودي خمس مرات منذ بدء الحرب، وهذا المعبر هو السبيل الوحيد للخروج من غزة حاليًا.
وأُغلقت جميع المعابر الحدودية مع غزة لمدة أربعة أسابيع تقريبًا بعد أن هاجمت حماس إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص واحتجاز 253 آخرين كرهائن. فيما أسفرت حرب غزة عن مقتل 31272 فلسطيني و جرح 73024 وفقا لوزارة الصحة في القطاع. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، أعادت مصر فتح معبر رفح للسماح للمواطنين المصريين وغيرهم من حاملي جوازات السفر الأجنبية بالمغادرة، فضلاً عن الفلسطينيين المصابين والمرضى بجروح خطيرة.
وذكر تقرير لوزارة الصحة في غزة أنه تم إجلاء أكثر من 3000 مريض عبر معبر رفح، من بينهم 1700 جريح و900 مريض.
وتعهدت مصر وتركيا والإمارات العربية المتحدة والأردن بعلاج الآلاف من مرضى السرطان مثل انشراح، وكذلك المصابون في الحرب.
وتنشر سلطة الحدود الفلسطينية قائمة يومية بأسماء الأشخاص الذين وافقت مصر وإسرائيل على مغادرتهم. وظهر اسم سهام لأول مرة في القائمة المنشورة في 19 نوفمبر/تشرين الثاني لإجلائها إلى تركيا، لكنّ ضباط الحدود رفضوا إجلاءها عندما وصلت إلى المعبر.
أمنيتي السفر!
فاتن تبلغ من العمر 60 عاماً، تم تشخيصها قبل نحو ثلاث سنوات بسرطان الدم، وكانت تتلقى العلاج في رام الله قبل 7 أكتوبر / تشرين الأول من العام 2023، تقول إن " دوائها قد نفذ، وأنا متعبة للغاية، لا أستطيع أن أرى أمامي إلا بصعوبة، ونفد علاجي الكيميائي منذ فترة طويلة".
وتضيف فاتن في حديثها لـ"النجاح"، بأن أمنيتها الوحيدة الآن أن تسافر لتلقي علاجها، "غالبية المرضى الآن ينتظرون موتهم وأنا واحدة منهم، إن لم نمت من الجيش الإسرائيلي، سنموت حتماً من السرطان".\
تابعت "اضطررنا إلى مغادرة منازلنا والبقاء في الملاجئ والمدارس مع العديد من العائلات الأخرى، وكنا قلقين للغاية بسبب ضعف أجهزتنا المناعية".
وكان المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أصدر في مايو 2024 تقريراً يوضح الوضع الصحي الكارثي لمريضات السرطان خلال الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 17 عاماً، وبالأخص فترة الحرب منذ 7 أكتوبر 2023، والمتمثل بمنع الإحتلال الإسرائيلي توريد الأجهزة الطبية لعلاجهن ومنها أجهزة المسح بالأشعة السينية، والنظائر المشعة الطبية. كذلك نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، ومن أهمها انعدام وجود العلاج الإشعاعي والكيميائي، والبيولوجي، والهرموني. بالإضافة إلى عرقلة سلطات الاحتلال الإسرائيلي سفرهن لتقلي العلاج بالخارج لأسباب مختلفة، ومساومة بعضهن بتلقي العلاج مقابل التعاون مع المخابرات الإسرائيلية.
وسلط التقرير الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية التي تحول دون تمتع مريضات السرطان بحقوقهن الصحية والتي تدخل ضمن أفعال جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر لعام ٢٠٢٣. إذ استهدف المنظومة الصحية في القطاع، وأخرج عن الخدمة المستشفى الوحيد المخصص لعلاج مرضى السرطان، مستشفى الصداقة التركي- الفلسطيني، بالإضافة إلى عرقلته لسفر مريضات السرطان من أجل تقلي العلاج في الخارج. بالإضافة إلى فرض ظروف صحية سيئة تشكل خطراً حقيقاً على صحة مريضات السرطان ومنها تعريض مريضات السرطان لمختلف الهجمات العسكرية وفرض النزوح إلى مراكز إيواء تفتقر أدنى المقومات الصحية.
كما يوثق التقرير من خلال إفادات جمعها طاقم المركز تداعيات الانتهاكات الإسرائيلية على مريضات السرطان خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي، حيث تواجه مريضات السرطان خطر الموت بشكل مستمر جراء انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الصارخة لحقهن في الحياة، وحقهن في تلقي العلاج، حيث أسفرت هذه الإجراءات المجحفة عن وفاة بعض مريضات السرطان، فيما جعلت البقية منهن يواجهن خطر الموت بسبب تدهور وضعهن الصحي.
وفي توصيات التقرير، يطالب المركز المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي من أجل إجباره على وقف أفعال الإبادة الجماعية كافة بما فيها القيود المفروضة على سفر مريضات السرطان والتي ترتبط ارتباطاً مباشراَ بزيادة أعداد الضحايا من النساء في قطاع غزة. كما يوصي التقرير بالضغط على دولة الاحتلال لتنفيذ التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية الأخيرة، هو ما سيكفل توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية. ويدخل من ضمنها السماح بإعادة تشغيل مستشفى الصداقة التركي- الفلسطيني بجميع طاقمه ومعداته بالإضافة إلى إمداده بالأدوية والعلاجات الضرورية. كما يوصي التقرير بضرورة قيام إسرائيل بالتزاماتها كقوة قائمة بالاحتلال، حيث يقع على عاتقها ضمان تمتع كل إنسان بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، وكذلك سهولة الوصول للرعاية الصحية.
نقص الدواء
تحدثنا إلى مريضة أخرى من مرضى السرطان، لم ترغب في ذكر اسمها، أخبرتنا أنها ماتزال في شمال قطاع غزة في إحدى المدارس التابعة للأونروا، مشيرة إلى أن غالبية المرضى في الشمال يعانون من نقص الدواء الكيميائي.
وعندنا سؤالنا لها عن بدائل لعلاجها الكيميائي، تقول إنها لم تحصل على جرعة كيماوي واحدة منذ مارس 2024، وأن الحالة الصحية تتراجع يوماً بعد آخر، وأجات أنها ترفض النزوح إلى جنوب القطاع لأن الظرف الذي يعيشه أهل الجنوب مثل الشمال، على حد تعبيرها.
ويعانــي المرضــى فــي قطـاع غــزة، منــذ بــدء العــدوان العســكري الإســرائيلي فــي الســابع مــن أكتوبــر لعــام ٢٠٢٣، ظروفــا صحيـة كارثيـة، إلا أن طاقـم المركـز وثـق عنفـا مركبـا تتعـرض لـه النسـاء مريضـات السـرطان، خاصـة أن نسـبة إصابـة النسـاء بالسـرطان أعلـى فيمـا يقـارب ٪٥٤ مـن مجمـوع السـرطانات التـي تحـدث فـي قطـاع غـزة، وذلـك يرجـع إلـى إصابتهـن بأنـواع مـن السـرطان لا تصيـب الرجـال كسـرطان الثـدي والرحـم والمبايـض، عـدا عـن أن ســـرطان الثـــدي هـو الأكثـر شـيوعا فـي القطاع حيث يمثل ما نسبته ٪١٩٫٢ من إجمالي أنواع السرطان.
إخلاء المريضات
تحدثنا إلى أطباء في قطاع غزة حول آلية عملية الإخلاء المعقدة ، ومسؤولي في وزارة الصحة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.
يقوم طبيب أو مستشفى في غزة بترشيح المرضى الذين يحتاجون الرعاية الطبية الأكثر إلحاحًا إلى وزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة. وتُرسل بعد ذلك هذه الأسماء إلى السلطات المصرية، التي تجري فحصًا أمنيًا. وبمجرد موافقة مصر على القائمة، تُفحص من قبل السلطات الإسرائيلية، التي يجب عليها أيضًا الموافقة على الأسماء.
عند الموافقة على القائمة النهائية، يتم مشاركتها مع الدول التي قالت إنها مستعدة لاستقبال المرضى ويتم نشرها عبر الإنترنت، وتتم الموافقة على سفر كل مجموعة من المرضى في تاريخ محدد، ولكن السماح للمريض بالمغادرة في نهاية المطاف أمر متروك لتقدير سلطات الحدود الفلسطينية.
تعتمـد دائــرة العلاج في الخارج في وزارة الصحــة الفلســطينية نظــام التحويلات الطبيــة والتغطيــة المالية الكاملــة لمرضى قطــاع غــزة أصحــاب الأمراض الخطيرة الذيـن لا تتوفــر إمكانيـة علاجهم في مستشــفيات وزارة الصحــة بغـــزة ومن ضمنهم مريضات السـرطان. إذ تقـــوم بتحويلهـــن لتلقـــي العلاج في مستشـــفيات الضفـــة الغربيـــة بما فيهــا مستشــفيات القــدس، والمستشـفيات الإسـرائيلية، والمستشـفيات الأردنيـة، والمستشـفيات المصرية، وفق بروتوكــول توقعــه وزارة الصحــة الفلسـطينية مـع وزارات الصحـة في هـذه الـدول.
وتخضــع عمليــة حصــول مريضات السـرطان علــى التحويلــة الطبيــة إلى اجـراءات شـاقة وطويلة، تبـدأ بموافقة الطبيـــب المختص ثم موافقة أعضـــاء اللجنـــة الطبيـــة في دائـــرة العـــلاج في الخارج بــوزارة الصحــة التـــي تقــوم بفحــص التقاريـــر الطبيـــة والتأكـــد مـــن أن العلاج غيـــر متوفـــر في مستشـــفيات القطــاع. ثم حجز موعد في المستشـفى المحولـون إليهـا وتنتهـي بتقديم طلب "تصريح" والحصول علــى الموافقة الإسـرائيلية للســماح لهم الســفر عبــر معبــر بيــت حانــون "إيريـز"، ومنــه إلــى المستشـفيات المحولـون إليهـا. وذلـك وفقـا للسياسـة الإسـرائيلية التي منعت سـكان قطـاع غزة منــذ انســحابها منــه عــام ٢٠٠٥م الســفر عبــر المعابــر التــي تســيطر عليهــا ســلطاتها تحــت أي ظــرف او ســبب كان إلا بعــد الحصـول علـى موافقـة ، ولا معاييـر واضحـة فـي آليـة الموافقـة أو الرفـض للمتقـدم بالسـفر.ويضع الاحتـلال الإسـرائيلي فـي هذا الإجراء الأخير عراقيل جمة.
مغادرة القطاع
يقول الدكتور صبحي سكيك مدير مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني بغزة، إنه من بين مرضى السرطان الذين يقدر عددهم بـ 10,000 مريض في غزة، "تم منح حوالي 3,800 اسم إذناً لمغادرة غزة لتلقي العلاج في الخارج.
وأضاف سكيك: "لكن في الواقع لم يغادر سوى حوالي 600 مريض فقط من قطاع غزة منذ بداية الحرب، سواء الكبار أو الأطفال".
وفق وزارة الصحة في غزة، بلـغ عـدد حـالات السـرطان المبلـغ عنهـا فـي قطـاع غـزة ٢,٠٤٧ حالـة جديـدة، أي بمعـدل إصابـة ٩٤٫٥ حالـة لـكل ١٠٠,٠٠٠ مواطـن مـن السـكان فـي قطـاع غـزة فـي العـام ٢٠٢٢. ويعتبـر سـرطان الثـدي هـو الأكثـر شـيوعا فـي قطـاع غـزة، إذ سـجلت ٣٩٤ حالـة سـرطان ثـدي جديـدة خـلال العـام ٢٠٢٢ وذلـك بنسـبة ٪١٩٫٢ مـن جميـع الحـالات المسـجلة، وبمعـدل حـدوث ١٨٫٢حالة لكل ١٠٠,٠٠٠ من السكان.
وبلـغ أعـداد مرضـى ومريضـات السـرطان فـي قطـاع غـزة ١٠,٠٠٠ حالـة مسـجلة، منهـم ٢٠٠٠ مريـض/ة تحـت العـلاج، و ٨٠٠٠ مريـض/ة سـرطان تحـت المتابعـة والفحـص. وتعتبـر نسـبة إصابـة النسـاء بالسـرطان أعلـى مـن غيرهـن فيمـا يقـارب ٪٥٤ مـن مجمـوع السـرطانات التـي تحـدث فـي قطـاع غـزة، وذلـك يرجـع إلـى إصابتهـن بأنـواع مـن السـرطان لا تصيـب الرجـال كســرطان الثــدي والرحــم والمبايــض. ويعتبــر ســرطان الثــدي هــو الأكثــر انتشــاراً بيــن النســاء فــي القطــاع ويليــه ســرطان القولون و سرطان الرئتين و سرطان الغدة الدرقية تباعا.