بيت لحم - مريم نواورة - النجاح الإخباري - بين مهد المسيح وأولى القبلتين  جنة ريفية أدرجتها منظمة اليونسكو إلى قائمة التراث العالمي، بتير القرية الفلسطينية التي تقع جنوب غربي مدينة القدس، استحوذت على اهتمام وصدى واسع لما تتميز به من مشهد طبيعي خلاب مقترن بالتراث الشعبي.

بثوبها الأحمر المشكول بغرزات فنية، والمزخرف بزخارف شعبية، يعتلي رأسها الصمادة (قبعة توضع على الرأس) وشال أحمر تهّدل على كتفيتها، تجلس الحكواتية مريم معمر الثلاثينية  في بقعة صغيرة من مكتبة بلدية بتير، المجهزة بطراز تراثي شعبي لتسرد حكاويها التي ورثتها عن أمها وجداتها.

بشغف يملأ وجهها وذاكرة مكدَّسة بالحكايات الشعبية ونبرة صوت سلسة، إضافة  إلى لغة عيون عميقة، اعتبرتها الحكواتية معمر أهمَّ الوسائل التي يمكن من خلالها إيصال حكاياتها إلى المستمع.

بدأت مريم مشروع الحكواتية قبل ما يقارب عشرة أعوام، وكان ظهورها الأوَّل من خلال مهرجانات ثقافية تراثية  أحيتها قرية  بتير، وكأوِّل امرأة  تزاحم مهنة كانت تقتصر على الرجال، إيمانًا منها بحاجتنا الماسة لاستحضار موروثنا الثقافي  غير المادي والحفاظ على استمراريته عبر الأجيال.

(كان يا مكان في سالف العصر والزمان وما يحلا الحكي غير بذكر النبي العدنان) بهذه الملزمة من  الكلمات الاستفتاحية،  يتجمهر الناس صغارًا وكبارًا حول الحكواتية معمر ليستمعوا لحكايات يفوح منها عبق ذكريات الماضي.

تسترسل معمر في الحديث  عن تجربتها لـ "النجاح الإخباري"، قائلة: "بدأت العمل مع مكتبة بلدية بتير ضمن مشروع تنموي يهدف إلى جمع وتوثيق الموروث الثقافي، ليتطور الأمر فيما بعد للمشاركة في العديد من المهرجانات أهمّها مهرجان حكاية الماء والأرض ومهرجان نوار نيسان، الذي سرد حكاية الثوار الفلسطينيين خلال فترة الانتفاضة الأولى، إضافة لمشاركتها في الملتقى التربوي الأردني، الذي أقيم في عمان وغيرها من الفعاليات التي أبرزت دورها.

وفي ذات السياق أردف مدير وزارة الثقافة في بيت لحم زهير طميزة، أنَّ وجود الحكواتيين في فلسطين وخصوصًا من فئة الشاب، من شأنه أن يحافظ على عراقة وأصالة التراث الفلسطيني من محاولات الطمس والاندثار التي يتعرض لها من الاحتلال.

وتابع طميزة لـ "النجاح الإخباري" : أنَّ وزارة الثقافة تصب جلَّ اهتمامها بهذا الجانب إيمانًا  منها بأهمية تراثنا، من خلال أنشطتها المستمرة حيث الدورات، والندوات  التدريبية لإعداد جيل حكواتي متمكّن من هذه المهنة ، نستطيع من خلاله المحافظة على صلة وثيقة بإرثنا الإبداعي.

وعن الحافز الأساسي استذكرت معمَّر طفولتها الملهمة، والتي من خلالها نقلت هذا الفن، حيث كانت تعيش على سفح جبل وسط طبيعة مليئة بالأشجار وعيون الماء، فلا وجود للتلفاز، أمّا مخرج التسلية الوحيد لها ولأقرانها حكايات تقصّها الأمهات والجدات عليهم، إضافة إلى أنَّ والدها رئيس فرقة بتير للتراث الشعبي والذي بدوره شجَّعها على تعلُّم المواويل والتغني بها.

وأردفت ربايعة  أنَّه منذ عام (2016) قامت مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي  بتنظيم دورات تدريبية في هذا المجال،  بالاستعانة بثلة من الأساتذة المهرة مثل شريف كناعنة وحمزة برقاوي، حيث يرى القائمون على هذه  المؤسسة أنَّ هذه الفنون تؤدي رسالة حضارية وثقافية من شأنها أن تخلّد الحضارة الفلسطينية العريقة.

رئيس بلدية بتير تيسير قطوش يؤكِّد من جهته أنَّ البلدية تقوم على خطط تنموية تهدف من خلالها إلى إبراز دور المرأة الفلسطينية،  ومساهمتها في توثيق الإرث الحضاري، إضافة إلى دعم النساء الرياديات ذوات الأعمال اليدوية.

ويضيف أنَّ هذا الفن الشعبي هو تعبير عن الخبرة الفكرية والوجدانية، ويدعو الشباب إلى الاهتمام به من أجل إيقاف عمليات الطمس التي يتعرض لها التراث الفلسطيني.

والرسالة أنَّ هناك الكثير مثل بتير والمدن الفلسطينية التي  تحتوي على موروث ثقافي وتراثي، وبحاجة الى تسليط المزيد من الضوء، والاهتمام  كونها تمثّل الهوية الفلسطينية.