غزة - ريما السويسي - النجاح الإخباري - يميل الغزيّون للإنجاب بكثرة، تدل على ذلك إحصائيات الإدارة العامة للأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية المتعلقة بعدد مواليد القطاع شهرياً وتختلف الأسباب من فئة لأخرى يراها بعضهم "عزوة" وآخرون من منظور وطني يتعلق بتعويض ما خسرته القضية الفلسطينية من شهداء، والبعض يميل للجانب الديني وفئة تجدها نوعًا جديدًا من مقاومة المحتل وهزيمته ديموغرافيًا على الأقل.

ووسط وجهات النظر المتعددة هذه يغفل المواطن الأوضاع الاقتصادية الصعبة بل الخانقة، فهل هو غياب للوعي أم عدم إدراك لخطورة القادم من انفجار سكاني قد لا تحمد عقباه؟

 (4495) مولودًا خلال شهر يناير

وأشارت الإدارة العامة للأحوال المدنية في قطاع غزة إلى أن القطاع شهدَ خلال شهر يناير/كانون ثاني الماضي (4495) مولوداً جديداً، بمعدل (145) مولودًا يوميًّا.

وأوضحت دائرة الأحوال المدنية أنَّ عدد سكان قطاع غزَّة وصل حتى تاريخه (2) مليون و(140) ألف و(654) نسمة، منوَّهة إلى أنَّ (50.40%) من مواليد يناير ذكور، بواقع (2265) مولود جديد، مقابل (49.60%) إناث بواقع (2230) مولودًا.

لا يمكن قراءة الأرقام السابقة بمنأى ومعزل عمّا يعانيه القطاع من أزمات بل كوارث تعصف بمستواه الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والخدماتي، ولا يمكن قبول هذه الأرقام إذا ما عدنا للتقرير الذي أعدَّته الأمم المتَّحدة عن الأوضاع الإنسانية في غزَّة عام (2012)، جاء فيه أنَّ القطاع لن يكون صالحًا للعيش في حال بقيت الأوضاع الإنسانية على ما هي عليه من تردٍ في كافة مناحي الحياة وأنَّ غزَّة لن تكون صالحة للحياة حتى عام(2020).

انعكاسات هذه الأرقام اقتصادياً واجتماعياً

يجيب على هذا التساؤل محمد أبو جياب رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية ويقول: "إنَّ زيادة المواليد تؤثّر بشكل سريع على كلِّ ما يتعلَّق بالقضايا الخدماتية للمواطن على مستوى الصحة والتعليم والدخل وفرص العمل فالتنمية المستدامة والعمل في الحكومة دائمًا يرتبط بنسب الإنجاب فكلما ازداد النمو السكاني، ازداد حجم الأعباء الملقاة على عاتق الحكومة فيما يتعلَّق بتوفير مستلزمات الحياة والأمن الاجتماعي والاقتصادي للمواطن".

ويضيف: "الخطير في قطاع غزَّة هو أنَّ الخدمات في تراجع أمام الزيادة في المواليد بمعنى أنَّنا أمام معادلة عكسية وبالتالي نحن أمام معركة خدماتية إنسانية اقتصادية مستقبلية خطيرة".

أما فيما يتعلَّق بوضع غزَّة الاقتصادي يؤكِّد أبو جياب بأنَّ ما يحدث في غزَّة اقتصاديًّا لم يعد أزمة بل كارثة بكلّ المقاييس وعلى مستوى جميع القطاعات، ونحن أمام حقائق ومؤشرات خطيرة، وللأسف نحن أيضًا أمام عجز على المستوى الحكومي والخاص في مواجهة هكذا كارثة".

ديموغرافياَ

يعلِّق بروفيسور الجغرافية البشرية في جامعة الأزهر أحمد دحلان على الموضوع بقوله: "غزَّة دخلت مرحلة الانفجار بل وتعدته أيضًا فمواليد العام الماضي وصلوا إلى (58) ألف مولود، وبذلك فقد وصل عدد سكان القطاع عام (2017) إلى مليون و(900) ألف نسمة وهي إحدى مشكلات غزّة الأساسية".

"والنتيجة غزَّة دخلت مراحل الكارثة البيئية والديموغرافية والجغرافية وذلك لأنَّ المساحات في تناقص، وندرة حاليًّا نتيجة التوسع العمراني الكبير كما لدينا أمور كارثية تتعلَّق بموارد المياه والسكان والعمل ونسبة البطالة"، وفقاً لحديثه.

وفي سؤاله حول ماهية الحلّ يؤكِّد دحلان: "لا يمكن معالجة الكثافة السكانية في قطاع غزَّة إلا في إطار سياسة وطنية، ومن أجل الوصول لهذه السياسة يجب أن يكون لدينا دولة تمارس سيادتها على أراضيها".

ويضيف: "وفي ظلِّ حالة التيه التي نعيشها حدث الانفجار على الحدود الشرقية للقطاع كنوع من تفريغ الشحنة الديموغرافية في قطاع غزة لمشاكلها على الحدود".  

ووفقًا لتقريرٍ صادرٍ عن جهاز الإحصاء الفلسطيني في مطلع عام (2016)، فإنَّ قطاع غزَّة البالغة مساحته (360) كيلومترًا مربعًا يعدّ من أكثر بقاع الأرض ازدحاماً بالسكان، ويسجّل لكلّ كيلو متر مربع (4661) نسمة، يعيشون في ظلِّ أوضاع اقتصادية ومعيشية متردية للغاية، بعد فرض إسرائيل حصارًا على القطاع منذ(2007).

وفي ظلِّ هذه المعادلة المعقدة على كافة المستويات هل نحن في قطاع غزَّة على مستوى عالٍ من الإدراك بالشكل الذي لا يمكن لنا معه تجاهل هذه الظروف والاستمرار في هذه الأرقام للمواليد؟ وهل يسمح لنا أمام هذه المعادلة أن ننظّم أو نحدُّ من هذه الأرقام حفاظاً على حياة كريمة للأفراد طالما أنَّ الظروف الاقتصادية لا تسمح بهذه الزيادة السكانية؟

شرعاً يجوز التنظيم

يجيب على التساؤل السابق الدكتور عماد حمتو عميد المعاهد الأزهرية في فلسطين ويقول لـ"النجاح الإخباري": "المشكلة التي نعاني منها في قطاع غزَّة ليست زيادة عدد المواليد بل تكمن في مجتمع يتعرض للحصار والأزمات، وما يجب علينا هنا هو ترشيد مصاريفنا في الجوانب التي تحتاج إلى ترشيد، مثل كيفية توفير فرص العمل للشباب والخريجين وبالتالي حلّ مشكلة البطالة ناهيك عن المساجد الفخمة التي تبنى وتُرصد لها مبالغ ضخمة".

ويضيف: "لدينا مصائب كبيرة في قطاع غزَّة وهي السبب في أزمتنا الاقتصادية وهي أولى بالطرح والمعالجة كونها مفتاح الحلّ فهناك أسباب لهذه المصائب وهناك نتائج ويندرج عدد المواليد في خانة النتائج لهذه الأزمات".

"ولكن هذا لا يعني ألا ندعو في ظل هذه الأزمة الاقتصادية إلى تنظيم النسل ولا حرج في هذا الطرح كون المال غير متوفر حاليًّا بالشكل المطلوب، وهو أمر لا يتعارض مع الشرع بالمطلق، إذ يأتي خوفاً على الأسرة من الانهيار في ظلّ ظروف مأساوية نمرّ بها"، وفقاً لحديثه.  

إذا فالأمر ليس فقط مرهون بالسياسية، المواطن مطلوب منه في هذه الظروف ألا يتجاهل حقيقة أنَّ وضع قطاع غزَّة لم يعد يحتمل هذه الأرقام على وقع الأزمات الاقتصادية الموجودة حاليًّا، فهل المواطن على درجة من الوعي لتقبل ما هو مطروح؟

المواطن وأسباب مختلفة

وفي سؤال المواطن حول الأسباب وراء حب الإنجاب رغم الظروف التي يعيشها القطاع، تعددت الأسباب، إذ إنَّ هناك من يقرُّ بأنَّ لا ضرورة في الوقت الحالي لمزيد من الأطفال خاصةً وأن هناك من يعرض أطفاله للبيع في غزة مؤخراً نتيجة الظروف المادية الصعبة التي بسببها لم يعد الأب قادر على الوفاء بالتزامات الحياة اليومية تجاه أسرته وأطفاله، وهناك من يرى أنَّ الأمر طبيعي ومنطقي في ظلِّ ما تعانيه القضية من صراع وجودي مع المحتل.

يقول الصياد أبو محمد (65 عامًا): "أنا وحيد والدي، ولذلك أوصاني عند زواجي بإنجاب الكثير من الأولاد، عندي (12) ولدًا، منهم سبع بنات وهم عزوتي، فالأولاد يعيلون الآباء في الكبر ولذلك أنا أشجع على الإنجاب".

ويضيف: "كان والدي يهدِّد زوجتي إما أن تنجب الكثير من الأطفال وإما أن يزوجني بأخرى، والسبب أنَّ والدي يخشى على اسم العائلة من الانقراض، فقد كان دائمًا يوصيني بكثرة الأولاد".

أما عفاف راسم (47 عامًا) ربة بيت فتقول: "أنا لدي (6) أولاد وبنتين وسبب حبي للإنجاب هو أنَّنا نحتاج من يعوض الشهداء الذين نخسرهم سنويًّا في الحروب مع إسرائيل".

وتضيف: "لو حدَّدنا النسل وقلَّلنا الإنجاب من الذي سيدافع عن الوطن؟ وكيف لنا أن نحرِّر فلسطين التي تحتاج الرجال والمال؟".

المواطن بسام نعيم (60 عامًا) يقول هو الآخر: "لدي ثلاثة أولاد وسبع بنات، والسبب هو أنني أنجبت البنات في البداية وطمعًا في إنجاب الصبي أنجبت المزيد، والحمد لله فقد رزقت بثلاثة أولاد أكبرهم (20) عامًا وأصغرهم (9) سنوات". 

أما الثلاثيني ربيع فارس فيقول: "أنا متزوج منذ عشر سنوات ولدي طفل واحد فقط ولا أنوي إنجاب المزيد من الأطفال كوني موظف سلطة وفي ظلِّ خصومات الرواتب التي نعاني منها فإنَّه لا مجال للمزيد من الأطفال والمصاريف".

ويضيف: "الطفل يكلّف أسرته شهريًّا ما يعادل (100) دولار أمريكي (370 شيقلًا) ما بين الحفاضات والحليب والعلاج وهذا المبلغ ليس وقته حالياً".  

هذا ووفقًا لأحدث إحصائية لمعدلات الفقر والبطالة في قطاع غزَّة فقد وصلت معدلات البطالة إلى (55%) وبلغ عدد العاطلين عن العمل (230) ألف شخص فيما ارتفعت معدلات البطالة والفقر المدقع لتصل على (65%) كما أنَّ عدد الأشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية من الأونروا وغيرها من المؤسسات الإغاثية قد وصل إلى (60%) من سكان القطاع.

وهكذا فإنَّ مواليد قطاع غزَّة وفي ظلِّ ظروف اقتصادية خانقة فإنَّهم يقودون مدينتهم غزَّة نحو الانفجار إذا ما استمر الوضع في غزَّة على ما هو عليه فلا مساحة جغرافية كافية لاستيعاب هذه الأعداد مستقبلاً ولا الظروف الاقتصادية تسمح بحياة كريمة لهؤلاء المواليد ويبقى التساؤل المطروح، أين المخرج مما يعانيه القطاع من أزمات؟