أسامة الكحلوت - النجاح الإخباري - المأوى الوحيد في قطاع غزة الذي يحتضن النساء المعنَّفات ويوفّر لهن المبيت، والدفاع  أمام المحاكم الشرعيّة، لحلّ قضاياهن ومناصرتهن، وإعادة دمجهن في المجتمع.

إنَّه "بيت الأمان" المقام وسط مدينة غزّة، تأسس عام (2011) لهذا الغرض، يفتح أبوابه كلّ صباح، وينتهي عمل طاقمه مساءً لكنّه يستقبل الحالات المعنَّفة التي تطرق أبوابه، ويمنحهن المبيت داخل مقرّ المؤسسة.

ممر طويل يوصلك من الشارع العام للجامعة لداخل بيت الأمان، الذي يضمّ عشرات القصص الغريبة لنساء معنّفات في القطاع، سواء أكان العنف الممارس عليهن من ذويهن أو أزواجهن أو المجتمع.

"إسراء" وهو اسم مستعار، لطفلة لم تتعدى الـ (13) من عمرها، وهي أصغر طفلة معنّفة تقيم في البيت منذ فترة قصيرة، تجلس إلى جانب مجموعة من النساء يعتقد الزائر للوهلة الأولى أنّها ابنة إحدى المقيمات في البيت، لكنَّها في الحقيقية حالّة معنّفة تركت منزل واليها لتقيم هنا، وهذا نتيجة تعرضها للضرب والتعذيب الدائم لها من والدتها.

لجأت الطفلة للبيت بعد تعرّضها المستمر للرب والتعنيف من والدتها داخل المنزل، دون أي سبب، تعدى لمنعها من الذهاب للمدرسة، ما اضّطرها للجلوس في البيت، لانتظار الضرب والتعذيب كلّ يوم.

صدمة لفّت "إسراء" في بداية حياتها بسبب وضعها المأساوي، رفضت الحديث عن تفاصيل قصتها التي عاشتها داخل جدران منزلها.

تمَّ استدعت الإدارة والدتها لـ"بيت الأمان"، والتي اعترفت بقولها: "هذه البنت من أيام ما كنت حامل فيها، كانت عبارة عن نار في قلبي، ولا أطيقها، ولا أريدها". وحاولت المؤسسة اخضاع الأم لجلسات علاج نفسي إلا أنّ الأم رفضت زيارة المؤسسة مرّة أخرى.

بجانب إسراء، جلست شابة في مقتبل العمر، نشب بينها وبين زوجها وأسرته خلافات عديدة،  تزوّج زوجها بأخرى ما ولّد حالة رفض عندها، فانتقمت منه بقص ملابسه، مما دفعه للتخلي عنها وإرسالها إلى بيت أهلها، وبدء إجراءات المحكمة لطلاقها.

وتقول: "نادمة على ما فعلته بحق زوجي،  حاولت ثنيه عن زواجه بأخرى، ولكن للأسف طردني، ورفضت أسرتي استقبالي، فلجأت لبيت الأمان".

واستقبلت المؤسسة شابة في مقتبل العمر، تبيّن أنّها عانت تعنيفًا من أسرتها إذ كانت تسكن على سطح المنزل في غرفة مهجورة، وتعرّضت لسوء المعاملة من والدها وزوجته التي تمنع عنها الطعام، حتى تقدّم الجار الذي لاحظ حالتها وما رأه من تدهور صحتها، وبّلغ المؤسسة التي قامت بدورها باصطحابها عن طريق الشرطة بعد أن كانت تضطر لوضع الدقيق المبلول بالماء على موقد النار لتأكل!

تعاملت المؤسسة مع الحالة وحلّت مشكلتها وآوتها في منزل عمها الذي لا ينجب.

وأوضحت "هنادي سكيك" مديرة المؤسسة، أنَّ الهدف من تأسيس البيت عام (2011) هو إيواء النساء الناجيات من العنف بأشكاله كافّة، وجاء بدافع خلق جهة مختصّة في الدفاع عن المرأة لتعيش بكرامة، وبيّنت أنَّهم يستقبلون نساء تعرّضن للعنف الجسدي والجنسي وسوء المعاملة وأغلبهن بين (13 -18) عامًا، وليس لهن معيل أو مأوى.

وأضافت أنَّ المؤسسة تستقبل الحالات  من الطرف المحوّل حسب شروط داخلية معينة، ويتم دراسة الحالة بالتفصيل لوضع آليات التدخّل، فإما تقدّم لهن الاستشارة المدروسة، أو توفير المبيت أو التدخل الأسري لحل الإشكال، لكل حالة ظروفها الخاصة.

وأشارت إلى أنَّ الفكرة من إنشاء المؤسسة "احتواء المرأة" من أي عنف داخلي، في بداية الأمر كان هناك تخوّف من تمرّد النساء على بيوتهن، إلا أنّ الفكرة لاقت قبولًا في المجتمع الفلسطيني وتفّهم طبيعة عمل المؤسسة.

وتقول سكيك: " تأتينا حالات تطلب الطلاق، ندرس الحالة ونتواصل مع الأطراف المعنيّة ومتابعتها من الأخصائية الاجتماعية، ويتم الخروج بتوصيات".

تحصل السيدة في البيت على جميع حالات الدعم من مأكل ومشرب وملبس خلال فترة المكوث في المؤسسة، ويتم السماح لها بالخروج إذا كانت طالبة مدرسة أو طالبة جامعية أو موظفة، ترافقها شرطيّة بزيّ مدني في حال كان هناك خطورة على حياتها خارج المؤسسة.

وأوضحت أنَّ اللجان تتدخل لإصلاح ذات البين مع الأهل أوالإخوة أوالزوج حسب طبيعة المشكلة، حفاظاً على النسيج ألاجتماعي، وفي حال تعرضت الحالة لعنف جسدي يتم تدخل الشرطة، والتعهد من قبل المعتدي أن لا يعود لذلك، وإن أخلف وعده يحق للمؤسسة تقديمه لمركز الشرطة، ويتم الدفاع عنها في المرافعات القانونية لطلب حضانة أو نفقة  أو طلاق أو زواج أمام المحاكم.

ولفتت إلى أنَّه ليست هناك فترة زمنية محددة لإقامة المعنفة داخل المؤسسة، وذلك مرتبط بحل المشكلة، وهناك حالة مكثت في المؤسسة ثلاث سنوات، وثمّ تمَّ تأمينها خارج المؤسسة ودمجها في المجتمع.

وتتعلم النساء المعنفات داخل المؤسسة حرفة أو مهنة ضمن برنامج المؤسسة، مثل التدريب المهني والتعليم على الحاسوب، وبرامج تثقيفية للتعامل مع الأسرة وحل المشاكل، بالإضافة لبرامج الدعم النفسي،  والجناح الترفيهي.

وتتابع: "لدينا مرونة في بعض الحالات نتيجة كمية الضغط التي تعرضت له الحالة، ويتم دمجها في عدّة برامج، نستقبل كلّ الحالات باستثناء الأمراض النفسيّة، وخريجة السجون، ومدمنة المخدرات، حتى لا توصم المؤسسة بهذه المسميات، وأغلب الحالات التي تم استقبالها أتت على خلفيّة مشاكل أسرية وخلافات زوجية واعتداءات جنسية ومشاكل اقتصادية".

ورصدت سكيك ارتفاعًا ملحوظًا في استقبال الحالات، حيث استقبلت المؤسسة في العام (2014) ما يقارب (126) حالة منها (36) استشارة و(90) حالة مبيت، وفي العام (2015) ما يقارب (232) حالة منها (105) استشارة و (127) مبيت، وفي العام (2016) ما يقارب (322) حالة منها (101) استشارة و (223) مبيت، وفي العام (2017) ما يقارب (413) حالة منها (142) استشارة و (271) مبيت، و(202) حالة من بداية العام الحالي حتى شهر يونيو الماضي، منها (65) استشارة، (137) مبيت.

وأوضت سكيك أنّ من ضمن الحالات التي وصلت المؤسسة متزوجات مع أطفالهن، وأحياناً تضع السيدة المعنفة مولودها خلال إقامتها داخل المؤسسة، حيث تسمح بإقامة الأطفال مع أمهاتهم، ويمنع الأطفال الذكور فوق التسع سنوات من الإقامة داخل المؤسسة.

ومن قصص النجاح التي تحدّثت عنها، حل مشاكل فتيات رفض ذويهن زواجهن طمعاً في الراتب، أو بحجة أن شقيقها معاق ويحتاج خدمتها، أو والدتها مسنة وتحتاج وقوفها بجانبها، ورفعت قضايا داخل المحاكم منحتهن الحق في الزواج، وتم ذلك داخل المؤسسة، ومن بعدها جرى إصلاح ذات البين بينها وبين ذويها.

كما لاحظت قضايا كثيرة منتشرة لفتيات يرفض ذويهن زواجهن بعد طلاقهن من الزوج الأول، وتمَّ إقناع الأهل، وحصلت النساء على حقوقهن.

وبيَّنت أنَّ أكثر المشاكل الأسرية التي تصل للطلاق كانت نتيجة تدخل الأهل في الزوج أو الزوجة، حيث احتوت المؤسسة الكثير من النساء المعنفات نتيجة هذه الثقافة، كما احتوت المؤسسة مغتربات مصريات وتونسيات وجزائريات ومغربيات وأجنبيات، حلّت مشاكل بعضهن داخل المؤسسة وعدن لأزواجهن، وتسهيل سفر بعضهن، حسب قول سكيك.

حالة أخرى تحدّثت عنها سكيك، قالت: "إحدى الفتيات كانت تعيش حياتها في دلال زائد من والدتها، وبعد وفاتها جاءت للمؤسسة لتشكي من والدها، وعند زيارة منزلها تبيّن أنَّ جميع طلباتها مجابة، وتمَّ الاتفاق مع الأب على حلّ المشكلة، وبداية دخولها للمؤسسة طلبت غرفة منفردة لها مع تلفزيون، وتمَّ إفهامها أنَّ أسوأ بيت أفضل من أيّة مؤسسة، وعادت لبيتها لتعيش في كنف والدها، ثمَّ تواصلت معنا مجدَّدًا بعد عام من دراستها الجامعية تطلب المساعدة في فسخ خطوبتها، فهي تعتبر المؤسسة الملجأ لحل مشاكلها وتوفير الحماية لها".

وأوصت سكيك الأهالي باختيار الزوج المناسب لبناتهم والإحسان لهنّ؛ لأن أغلب المشاكل كانت نتيجة التفكك الأسري، والطلاق ليس الحل المناسب دائمًا، وتفكك الأزواج ينعكس سلبًا على الأبناء لافتة إلى أنَّ بعض الحالات كانت الأم في المؤسسة، وابنها في مؤسسة الأحداث الملاصقة؛ لاقترافه سرقة أو ذنب في ظلّ غياب الراعي والرقيب، والحضن الدافئ.