النجاح الإخباري -  

الإعدام الميداني للفلسطينيين

     -  استباحة الدم الفلسطيني من خلال إطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي الرصاص على الفلسطينيين وإعدامهم على الحواجز العسكرية، بحجة محاولاتهم تنفيذ عمليات طعنّ، أضحت مسلسلاً ممنهجاً في استهداف الفلسطينيين، يوصل رسالة بأنَّ الكلّ الفلسطيني ليسوا بمأمن، وأنَّ الموت قريب منه بأيّ لحظة مزاجية من أحد الجنود الإسرائيليين.

وشهدت الخليل الأمس مسرحاً لجريمة إعدام جديدة، نفَّذها مستوطن إسرائيلي بحق الشاب وائل عبد الفتاح عبد الغني الجعبري (27 عامًا) بعد أن فتح النار صوبه بحجة محاولته تنفيذ عملية الطعن، عند ما يعرف بـ"حاجز المحوّل" بالقرب من مستوطنة "كريات أربع" شمال شرق المدينة. وهو ما نفاه شهود العيان، أكَّدوا أنَّ الجندي أطلق النار على الشاب بعد إنزاله من السيارة التي كان يستقلها.

وأفادت مصادر محلية، أنَّ الشاب الجعبري أصيب بعدة أعيرة نارية في أنحاء جسده، وتركه جنود الاحتلال ينزف على الأرض، ومنعوا طواقم الإسعاف والصحفيين من الوصول إليه.

وروى عبد المعطي القواسي أحد شهود العيان، لوسائل الإعلام، ملابسات جريمة قتل الجعبري، وقال: "إنَّ مستوطناً إسرائيلياً أوقف سيارته بشكل مفاجئ، ثمَّ أطلق أربعة أعيرة نارية على الشاب الفلسطيني مما أدى إلى استشهاده".

وأوضح القواسي، أنَّ الشاب الجعبري لم يكن يحمل أيّة أسلحة بيضاء أو أيّ شيء.

رواية القواسي تدحض الادّعاءات الإسرائيلية، ليثبت أن حكومة الاحتلال تخلق الأكاذيب بإلصاق تهمة حمل السكين بنية الطعن للفلسطينيين، لتبرير إعدامه، وإظهار المجتمع الإسرائيلي أنَّه ضحية للإرهاب الفلسطيني أمام الرأي العام الدولي.

حجج واهية.. وقتل متعمد

وأكَّد مدير مؤسسة الحق لحقوق الإنسان شعوان جبارين، أنَّ هذه الإعدامات بحق أبناء الشعب الفلسطيني خارج نطاق القانون وتعتبر جرائم حرب.

وقال: "بحسب القانون فإنَّ أيّ استهداف لمدني  دون ضرورة قاطعة أمنياً والتي تتضمن حياة الشخص يعتبر قتل عمد"، موضّحاً أنَّ إدعاءات سلطات الاحتلال "نيّة الطعن" لم تصمد حتى الآن أمام عمليات التحقيق والتوثيق.

وأضاف: "ولو كان الشخص يحمل سكيناً أو شيء آخر من الممكن  التعامل معه والسيطرة عليه بطرق أخرى بكلِّ سهولة، كأن يصيب الأجزاء السفلية من الجسد، إذا كانوا يشكلون كما يدعي خطرًا عليه، وعلى مستوطنيه، فنحن نتحدث عن جنود مدججين ومتدربين على إطلاق النار".

وأشار جبارين إلى أنَّ الاحتلال يتعامل بنواياهم  وليس على قاعدة الوقائع على الأرض، فلو اعتدى مستوطن على فلسطينيين وقتل أحدهم، جنود الاحتلال لا يحركون ساكناً، منوّهًا إلى أنَّ القضية تحكمها خلفية سياسية عنصرية يسهل فيها استباحة دماء الفلسطينيين.

وتابع: "عملية الإعدام أصبحت سياسة تمارس بشكل مستمر وعلى نطاق واسع، استشهد على إثرها مئات الفلسطينيين، خصوصًا منذ عام (2015)، وذلك تحت حجج واهية".

وشدَّد جبارين على أنَّ سلطات الاحتلال تفضِّل عمليات الإعدام تحت مظلة هدف واضح يتعلق في رغبتها في كسر إرادة الشعب الفلسطيني وإخضاعه.

دس السكين.. وحواجز الموت

المثير للاهتمام أنَّ أماكن إعدام الفلسطينيين بحجة الطعن تقع جميعها على الحواجز العسكرية التي يضعها الاحتلال، واللافت أنَّ هناك شهادات فلسطينيين أكَّدت أنَّ جنود الاحتلال يتعمدون دس سكين تحت كرسي أي سيارة تعبر الحواجز واتهام صاحبها بمحاولة طعن الجنود، وبذلك يكون مصير صاحب السيارة القتل أو اعتقاله على أقل تقدير.

من بين هؤلاء، المواطن ماجد الحلبي من رام الله الذي كتب على صفحته في فيسبوك أنَّه بعد توقيفه من قبل حاجز للاحتلال عند مدخل بلدته بيت ريما، قاموا بتفتيشه ومركبته ليضعوا سكينا تحت كرسي السائق كانت ستؤدي لقتله أو اعتقاله، وأنَّ جنود الاحتلال كانوا يأملون عودته لقريته، وحال العودة مجدَّدًا كانوا سيستهدفون مركبته، بعد أن يكتشفوا بزعمهم ما يبرر قتله وهو "السكين"، والقدر حالفه ولم يرجع لقريته وأكمل طريقه لمكان عمله.

في السياق، كتب مواطن آخر من مدينة الخليل أنَّه وأثناء مروره عبر حاجز "الكونتينر" جنوب الضفة الغربية أنَّ الجنود تهامسوا بينهم بعد تفتيش مركبته بأنَّهم سيطعمونه حلوى الكيك، ليدرك أنَّ هذه الحلوى سكين وُضعت بمركبته.

الإصرار على القتل بدم بارد

بعد عامين ونصف من إعدام الشهيد عبد الرحمن الشريف، قال الجندي في جيش الاحتلال " أليئور أزاريا": "غير نادم على ما فعلته ولو تكررت نفس الظروف لكنت أطلقت النار وقتله".

وأكَّد الجندي الإسرائيلي، أنَّه تصرّف كما يجب ووفق التدريبات التي تلقاها في الجيش، وأنَّه ليس نادمًا على جريمة القتل التي ارتكبها في (آذار/مارس عام 2016)، حيث أطلق النار من مسافة قريبة على الشهيد عبد الفتاح الشريف في تل الرميدة في مدينة الخليل، بينما كان الشريف مصاباً على الأرض ولا يقوى على الحراك أو الدفاع عن نفسه.

يذكر أنَّ أزاريا الذي تمَّ توثيق جريمته وهو يطلق النار، كان قد أدين بـ "القتل غير العمد" في محكمة عسكريّة، وحكم عليه بالسجن مدة (14) شهرًا، جرى تخفيضها إلى (9) شهور من قبل رئيس أركان الجيش غادي آيزنكوت، وأطلق سراحه في أيار/مايو الماضي.

واستكمل مدير مؤسسة الحق لحقوق الإنسان: "هذا يثبت أنَّنا نتحدَّث عن قتل عمد ليس مرتبطًا بظروف خاصة أو حادثة معينة، بل عن أيديولوجية عنصرية عن دولة الاحتلال تتمثَّل بكراهية الفلسطينيين والعمل على قتلهم، يغذيها شعورهم بالإفلات من العقاب، فما يتم هي جرائم مختومة بالقرار الرسمي لدولة الاحتلال.

وأشار إلى أنَّ إسرائيل ماضية في هذه السياسة دون خوف، سيما وأنَّها تشعر أنَّها لا تدفع أيَّ ثمن لهذه الجرائم الخطيرة، مع غياب كامل للإرادة الدولية لكبح هذه السياسة، مشدِّدًا على أنَّ صمت العالم هو بمثابة ضوء أخضر لتمادي الاحتلال ومواصلة لسياسة الاعدام.

الحواجز.. انتهاك للقانون الدولي

وقال الخبير القانوني مؤيد حطاب: "إنَّ الإعدام الميداني الذي تقوم به سلطات الاحتلال هو ممارسة مرفوضة دوليًّا وأخلاقيًّا وإنسانيًّا، وقيام الاحتلال بقتل أي إنسان دون داعي أو مبرر هو مخالف لقانون الإنسان والقوانين الدولية".

وأضاف: "الحواجز العسكريّة التي تقيمها إسرائيل في مختلف مناطق الضفة الغربية، هي انتهاك صارخ للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وهي تمثل الأبرتهايد، ومع ذلك الاحتلال لا يزال يمارس انتهاكاته".

في مشاهد باتت تتكرّر كلَّ يوم أمام شاشات التلفزة وعلى مرأى العالم، تحاول إسرائيل من خلالها دبّ الرعب والخوف في قلوب الفلسطينيين، من خلال إعدامهم بدم بارد في الشوارع وعلى الحواجز وفي الأقصى، فإلى متى سيتسمر الاحتلال في استباحة الدم الفلسطيني دون عقاب؟