رهيفة الرواغ - النجاح الإخباري - سجل قطاع غزة مؤخراً عدة حالات انتحار في كلا الجنسين، اختلفت دوافعهم التي من أجلها أقدموا على الانتحار ولكن النتيجة كانت واحدة "مأساوية"، وقد تنوعت بتنوع الهم والألم لدى كل واحد من هؤلاء الشباب الخمسة والتي كان آخرها حالتين يوم أمس الأحد.

وإلى جانب تصدر هذه الأحداث مواقع التواصل الاجتماعي، تحظى بتجاهل من بعض وسائل الإعلام المحلية، التي يفترض أن تزيد الوعي والغرس لدى المواطنين رغم ظروفهم العصيبة التي لا تعد سبباً مهما عظمت للإقدام على الانتحار.

ووفقاً للتحقيقات فإن الأدوات التي استخدمت في محاولات الانتحار تمثلت في تناول عقار وحبوب مخدر، تناول السم (المبيد الحشري)، السقوط من علو، استخدام آلة حادة (مشارط)، الإقدام على الحرق جميعها طرق وأدوات استخدمها شباب بعمر الورد وازهقوا أرواحهم بغير حق.

يشار إلى حالات الانتحار تسجل ارتفاعاً في قطاع غزة، هروبا وخلاصا من الضغوط الاقتصادية وحالة اليأس والإحباط الشديد الذي يعاني منه المواطنون منذ فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارا مشددا على القطاع منتصف عام 2007، وما سببه من ارتفاع في البطالة وتردي الأوضاع الاقتصادية إلى حد كبير.

الانقسام ولد ظواهر غريبة على المجتمع الغزي

مراقبون ومختصون في علم النفس والاقتصاد، دقوا منذ فترة ناقوس الخطر في ظل تزايد حالات الانتحار في قطاع غزة، حيث تشير التقارير الحقوقية والطبية إلى أن هناك عشرات محاولات الانتحار شهريا لا يتم الإفصاح عنها.

الإخصائي النفسي د. درداح الشاعر قال لـ "النجاح الاخباري":" الظروف الحالية التي يعيشها أبناء شعبنا في قطاع غزة من ضيق الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية أدت إلى إنشاء تربة خصبة للانتحار.

وأشار إلى أن الفرد يلجأ إلى الانتحار من أجل الخلاص من كل ما يعانيه من توتر وتأزم نفسي كبير, لافتاً إلى انه لا يمكن الحديث عن أسباب بعينها للانتحار لان كل حالة لها ظروفها ودوافعها الخاصة بها.

وختم الشاعر كلامه عن سبل النجاة للحد من نسبة الانتحار المتزايدة :" إن حبل النجاة هو خلق حالة من الأمل في المستقبل عند الشباب من خلال توفير فرص عمل وتعليم فتكون الحياة ذات قيمة كبيرة لهم."

وبقي أن نشير إلى أن الحصار الإسرائيلي المفروض منذ 12 عاماً على قطاع غزة واستمرار الانقسام الداخلي، أدى إلى إفراز ظواهر غريبة كالفقر والبطالة ، والتسول ، عدا عن ما خلفه المنع من التحرك من وإلى القطاع ارتفاع في الضغوط النفسية التي يعاني منها المواطنين.

وذكرت مصادر طبية خاصة لمراسلنا في القطاع، أن نسبة الأمراض النفسية تسجل ارتفاعاً في صفوف الشباب في قطاع غزة، بسبب فقدان الأمل في المستقبل، لعدم توفر فرص عمل، وعدم قدرتهم على بناء أسرة والتي تمثل أبسط الأماني والأحلام للشباب.

ومنذ بداية العام 2018 سجلت العديد من حالات الانتحار في قطاع غزة تباينت فيها آلية الموت لمختلف الفئات العمرية، كان آخرها منذ أيام خمسة محاولات انتحار في غزة تفصل بينهم سويعات قليلة.

رأي الدين واضح ولا جدال فيه مهما تنوعت الاسباب

الإسلام أكد في مواضع عديدة من القران والسنة أنّ الانتحار محرم لأي سبب من الأسباب ومهما كان دافعه، وقد ورد كثير من الآيات والأحاديث التي تحرم قتل النفس، أو أن تُقتل من قبل أشخاص آخرين بأي حال من الأحوال.

وعن حكم الانتحار في الشرع "هو من كبائر الذنوب، وقاتل نفسه عمدًا مصيره الخروج من رحمة الله والتردّي في جهنّم خالدًا فيها أبدًا، ودليل ذلك، قوله (تعالى): "وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا".

وهناك عوامل عدة قد تتشارك في لجوء المرء إلى قتل نفسه منتحرًا، ولكن تلك الأسباب مجتمعة تعود إلى سبب رئيس يتمثل في ضعف الوازع الديني لدى المرء، وتراجع الإيمان في نفسه من حيث الرضا بالقضاء والقدر.والذي يفكر بالانتحار يظنّ واهمًا أنه بذلك سينتهي من مشاكله وآلامه، وسيهرب إلى ما دونها، والمنتحر يحاول الاحتجاج على ضيق عيشه أو مشاكل تلم به من خلال الانتحار وهو ما يُظهر ضعف شخصيته وجُبنه في مواجهة الواقع، ومشاكل الحياة، وكان حريًّا به أن يبحث عن السبل المتاحة كافة وغيرها لحلها.

وعلى الرغم من أن حالات الانتحار في قطاع غزة أضحت أسبابها واضحة، والتي يفترض أن يتم تقديم الحلول العاجلة للحد منها، إلا أنها لم تلق آذاناً صاغية، بل ويتم اللجوء للتكتيم على كشف الأرقام الحقيقية للذين أقدموا على الانتحار ، ومن أقدم ونجا في الوقت القاتل.