النجاح الإخباري - لم يخفَ على أحد في العالم شخصية د. صائب عريقات الذي يشغل حالياً أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فهو سياسي فلسطيني من الدرجة الاولى ارتبط اسمه بالمفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، إلى أن أصبح معروفاً بلقب "كبير المفاوضين"، وهو دكتور العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، كبرى الجامعات الفلسطينية، وألف كتاب "الحياة مفاوضات" وأهدى ثمنه لمساعدة طلبة الجامعة، وأسس لعلم المفاوضات كعلم مستقل. كما أنه شغل منصب مدير العلاقات العامة في الجامعة ذاتها، وحصل على إجازة بدون راتب لانشغاله في السياسة.

ويعد د. صائب نموذجا في الحكمة والدبلوماسية بالتعامل مع أصعب المواقف، لم يتهاون أبدا بشان أي أمر يتعلق فيه مساس بأمن فلسطين واستقرارها، ولم يبخل أبدا بأي جهد أو عطاء في خدمة بلاده، فكان حازم بقراراته تجاه قضيتنا وطرحها في المحافل الدولية وكان صلباً خلال ترؤسه المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي.

كان الحاضر الدائم في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية سرا وعلانية، فكان نائبا لرئيس الوفد الفلسطيني إلى مؤتمر مدريد عام 1991 وما تلاه من مباحثات في واشنطن خلال عامي 1992 و1993، وبقي مفاوضا في جميع مراحل التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي.

عُيِّن سنة 1994 رئيسا للوفد الفلسطيني المفاوض، وأضحى كبير المفاوضين الفلسطينيين عام 1995، وكان أحد المقربين من الرئيس الراحل ياسر عرفات إبان اجتماعات كامب ديفيد عام 2000 ومفاوضات طابا عام 2001.

موقفه من الانقسام

كان عريقات حريصاً كل الحرص على الشراكة الوطنية وتحقيق وحدة الصف الفلسطيني خصوصاً بعد الانقسام الفلسطيني عام 2006، وتصريحاته الاعلامية ومقالاته خير دليل على هذا الأمر، حيث دعا في العديد من المرات لإجراء انتخابات فلسطينية، وأكد ان ما يصلح الشعب الفلسطيني ارادة الشعب وصندوق الاقتراع.

آمن بالتعددية السياسية في فلسطين ودعا لها وقال: إننا "كشعب فلسطيني قائم على التعددية السياسية وليست على تعدد السلطات، وهناك فرق شاسع بين التعددية السياسية وتعدد السلطات"، حيث اعتبر أن تعدد السلطات وباء إذا ضرب الأمم خرقتها، وأنه هلاك الأمم أما التعددية السياسية تعني تعدد الاحزاب والآراء والحريات.

وكان من أثر المسؤولين تشدداً على رفض فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وأكداً مرارا وتكراراً "أنه لا دولة في غزة، ولا دولة بدون غزة".

صفقة القرن وخطة الضم

من المعروف أن الدكتور صائب عريقات رجل لا يفرط بالثوابت الوطنية, وشخص استطاع أن يشق طريقه في مختلف الظروف السياسية، وكان خير سفير لدولة فلسطين خصوصاً في حكم إدارة ترامب للعالم والولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن تكشفت معالم خطة ترامب المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، التي رفضها وبشدة كما جميع الفلسطينيين وفي مقدمتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

من تصريحات عريقات البارزة في هذا السياق، التقاء الجانب الفلسطيني ادارة ترامب منذ عام 2017 (37) مرة، أربع من هذه اللقاءات كانت على مستوى الرئيس محمود عباس والرئيس الأمريكي دونالد ترامب و(33) لقاء على مستوانا كمفاوضين مع كوشنير وغرينبلات وغيرهم، الامر الذي أدى في نهاية المطاف إلى مقاطعة الفلسطينيين للأمريكان بعد وقف الدعم المالي الأمريكي للسلطة الفلسطينية واغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن.

رفض عريقات صفقة القرن الذي وصفها بأنها صفقة لـ "تصفية القضية الوطنية الفلسطينية وتصفية المشروع الوطني الفلسطيني وتصفية تقرير المصير". وعبر هذا في مواقفه وما نتج عنها من ضم الأراضي الفلسطينية، الذي كان القائد المسؤول المعتمد من الرئاسة في مواجهة سياسة الضم التي أعلنها رئيس وزراء الاحتلال الحالي بنيامين نتنياهو في مارس الماضي من السنة الجارية، والذي شدد على أن خطة الضم يعني "إنهاء السلام".

محكمة الجنايات

كثيرة هي المهمات التي وكلت للدكتور صائب عريقات لما يتمثل من شخصية عصارة ناضجة من تجارب الحياة، ولم يبخل أبدا بأي جهد أو عطاء في خدمة بلاده، ليعين بعد حرب عام 2014 على قطاع غزة مسؤولاً للجنة الوطنية العليا لمتابعة محكمة الجنايات الدولية، والتي عمل بها مع بعض المسؤولين والقيادات الوطنية الفلسطينية، حيث تابع هذا الملف منذ 2014 حتى يومنا، والتي رفع فيها لمحكمة الجنايات جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، ومنها ملف الحرب على غزة وملف الاستيطان وملف الأسرى، والذي تشدد على أن تقوم المحكمة بفتح تحقيق في الأراضي الفلسطينية ضد جرائم الاحتلال وقياداتهم "مجرمي الحرب" كما وصفهم عريقات.

التطبيع مع الاحتلال

وما أن بدأ التطبيع العربي الإسرائيلي حتى خرج الدكتور عريقات بتصريحات عديدة واتصالات دولية ومحلية من أجل الحد من تطبيع العرب مع "إسرائيل".

ومما قاله عريقات عن التطبيع "إن التطبيع العربي يعني القبول بالسيادة الإسرائيلية على الاقصى والقدس"، وأن الهدف منه انشاء تحالف ناتو عربي إسرائيلي عسكري، سيكون له توابع على قضيتنا الفلسطينية، ورفع كلمته للجامعة العربية حينما دعاها لسد ثغرة التطبيع.

مهاجمة عريقات

هاجم العديد من المسؤولين د. صائب لما يحمله من مواقف ثابتة لم تتبدل بشأن قضيته الفلسطينية، خصوصاً في العقد الأخير التي توالت عليه هذه المهاجمات وكان منها ما هجوم مستشار الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر الذي شنه على عريقات قائلا: "إنه كبير مفاوضات منذ 25 عاما، ولم يصل لأي اتفاق، هذا الرجل لديه رقم قياسي من الفشل في عقد صفقات السلام".

كما شن عليه هجوماً أيضأ سفير الولايات المتحدة الامريكية في "إسرائيل"، وغيرهم وكان آخر هذا الهجوم ما قاله الأمير السعودي بندر بن سلطان مؤخراً عبر "قناة العربية"، بأن القضية الفلسطينية عادلة ولكن محاموها فاشلون، في إشارة إلى عريقات ومسؤولي السلطة.، وكان رد د. عريقات للأمير بندر وللعرب بأن " مهدوا للتطبيع دون التشهير بالشعب الفلسطيني ونضاله الأسطوري".

مرضه

أصيب بمرض تليف رئتين منذ عام، 2012 وسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية نهاية سبتمبر 2017 لإجراء عملية زراعة رئة، ونجح الاطباء في مستشفى إنوفا بولاية فيرجينا الأميركية بزراعة الرئة منتصف أكتوبر من العام ذاته.

وفي الثامن من أكتوبر لعام 2020 أعلن عن إصابة د. صائب عريقات بفيروس كورونا، وبعد أيام تم نقله إلى مستشفى داخل أراضي الـ48 المحتلة، وبعدها تم نقله لمستشفى "هداسا" بعد تدهور حالته الصحية جراء تأثره بفيروس كورونا "كوفيد 19"، ليعلن عن وفاته صباح اليوم الثلاثاء، العاشر من نوفمبر لعام 2020.