نابلس - النجاح الإخباري - كشفت دراسة علمية أن منصات الميديا الجديدة تعدّ إطار جامعّ للفلسطينيين رغم الثقافات المتنوعّة، وأن هناك قضية تجمع الفلسطيني وهي"العودة"، و" فلسطين التاريخية،"و" ثقافة المخيّم"، وهي جزء مكوّن من الهوية الفلسطينية تتحدث عن ثقافة جامعّة.

جاء ذلك في إطار أشغال الملتقى العلميّ الدولي السنويّ الذي نظمه معهد الصحافة وعلوم الإخبار بتاريخ 5-4 أفريل   2019 بنزل فندق توليب بالعاصمة تونس، حيث شارك الأستاذ والباحث في الإعلام والاتصال أحمد يونس حمودة في دراسة علمية موسومة بعنوْان " أيّة أدوار للميديا الجديدة في تكريس التنوع الثقافي الفلسطيني؟ وبيّنت الدراسة بأنه قديماً كانت مقاربة التبادل الثقافي تستعينُ بـ" وسائل اتصالية بطيئة" كتبادل زيارات شخصية وكتب ثقافية وأعمال فنيّة وتخاطبُ النخبّ منتظرةً مردودّ التثمير الثقافي على المدى البعيد. لكنّ تطورات الاتصال الرقمية أظهرت  منصات الميديا الجديدة فرصّا غير مسبوقة لتطوير ممارسات التبادل والتفاعل الثقافي بين الأفراد والمجتمعات، و التي أتاحت الفرصة أمام الأقليات للتعبير  عن تراثها وهوياتها الثقافية في فلسطين.رصّد الباحث منها: الأرمن– الأقباط –البهائيون- التركمّان -الجالية الإفريقية -الجالية المغاربية- الجماعة الأحمديّة" القاديانية"– الدروز-الدوم أو"الغجر"-السامريون-السريان-الشركس- البشناق- المورانة.

وتحددت  إشكالية الدراسة في السؤال الرئيس التالي: إلى أيّ مدى تعكس مضامين الصفحات الثقافية الفلسطينية في منصات الميديا الجديدة واقع التنوع الثقافي في فلسطين؟

اعتمدت الدراسة عينة "الصفحات الثقافية الفلسطينية عبر منصات الميديا الجديدة، بأسلوب العينة العمديّة وتم تصميم  أداة " استمارة تحليل المحتوى" عرضّت على مجموعة من المحكين والخبراء في علوم الإعلام والاتصال:من خلال رصد طبيعةّ محتوى المضامين  وتفاعل المستخدمين نحوها، على أن تكون هذه الصفحات متقاربة ومتنوعة ما بين صفحات رسمية وأخرى شبابيّة وثالثة مدنية، وتم اختيار منصة فيسبوك كونها المنصة الأعلى استخداما وتفاعلية من قبل الجمهور الفلسطيني وفق تقرير المركز الإعلامي الفلسطيني الصادر  بتاريخ 9 جانفي 2019

وفي إطارها النظريّ اعتمدت الدراسة على نظرية ثراء الوسيلة الإعلامية التي تفترض بأن الاتصال الثري هو الذي  يتم من خلال التفاعلية والنقاشات لتحقيق رجع صدى سريع للمضامين المقدمة  عبر  منصات الميديا الجديدة. إذ أن الاتصال يعد أكثر ثراءً كلما استطاع توضيح الأفكار المستحدثة والمسائل الغامضة، فبعد تطورات التكنولوجيا الرقمية، ساهمت الميديا الجديدة  في" دمقرطة" المجال العمومي لأنها  حولت الجمهور من مسّتهلك إلى  مستخدم نشطّ  متفاعل منتج للمضمون الإعلامي، مما ساهم بالتعرف أكثر على  التنوع العرقي والديني في فلسطين. لذا فإن استيعاب الممارسات الثقافية الجديدة والتلاؤم مع معطياتها يعّد امتدادا جوهرياً حول علاقة الميديا الجديدة بالتنوع الثقافي من المجال العام إلى "مجال ميديا الثقافات".

ومن أبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة .

كرست الصفحات المسيحية التنوع الثقافي من خلال المضامين التي تظهر التعايش مع المسلمين (وتفاعل المستخدمين  لمضمون فيديو منتشر على الصفحات الثقافية المدنية عينة الدراسة لعائلة فلسطينية مسّلمة تحمل مفاتيح كنيسة القيامة في القدس، تضمّن الفيديو بأنه وفي كل صباح يتكرر مشهد فتح باب  كنيسة القيامة صباحا وإغلاقها في المساء مهّمة توارثتها عائلتين (مسلمتيّن) منذ 830 عاماً إلى أن وصلّت حالياً إلى  عائلة الفلسطيني  أديب جودة الحسيني" ويعتبر حمل عائلة مسلمة لمفاتيح أقدس كنيسة فى العالم خير   مثال على التسامح الدينى بمدينة القدس.

تبين للباحث من خلال رصده لتفاعلات وتعليقات الجمهورّ الجديّة على مضامين الصفحات الثقافية عينة الدراسة ما يلي: "وجد الفلسطينيون أن منصات الميديا الجديدة تعدّ إطار جامعّ رغم الثقافات المتنوعّة، فهناك قضية تجمع الفلسطيني وهي"العودة"، و" فلسطين التاريخية،"و" ثقافة المخيّم"، وهي جزء مكوّن من الهوية الفلسطينية تتحدث عن ثقافة جامعّة.

كما ومثلت حمّلات التبرع بالدمّ التي تم الإعلان عنها عبر صفحات الميديا الاجتماعية عينة الدراسة بالتبرع للمصابين الفلسطينيين المدافعين عن اغلاق باب الرحمة في يوم الجمّعة 1- مارس 2019، بالمسجد الأقصى المبارك، تكريسّ التمازج والتقارب بين عديد الطوائف والثقافات المختلفة  داخل فلسطين. نظراً لطبيعة الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني من احتلال.

تبين للباحث من خلال الرصد لطبيعة التفاعل عبر مضامين الميديا الجديدة أنه في بعض التعليقات عبر صفحات عينة الدراسة حمّلت فكرا طائفيا تمثل اللون الواحد، ويبرر الباحث هذا الأمر  لأن هناك تراجع للهمّ الوطني الفلسطيني بسبب الانقسامات السياسية الواقعة وبالتالي تنتعش الهويّات الطائفية المحدودة، وهذا من شأنه أن يخلق حساسية ما عند الأديان الأخرى.

بيّن الباحث أن  تكريس التنوّع الثقافي برز بشكل جليّ في الأنشطة الرياضية التي أقيمت لغايات ثقافية من خلال تعزيز "الانتماء والهوية" لمواجهة كل أشكال الطمس والتهميش والتهويد للمعالم الفلسطينية كمارثون الركض الذي حمل شعار"القدس عربية فلسطينية"، عبر صفحة أنا فلسطيني. وتمظهرّ دور الميديا في تفعيل وإشهار ذلك النشاط في المجتمع الفلسطيني بهدف الوصول إلى تجانس تام للثقافات رغم الاختلافات الثقافية بين المتسابقين المشاركين  من خلال تفاعل النشطاءّ  للفيديو والصور المنتشرة لهذا المارثون. وكذلك تفاعل المستخدمين ومشاركتهم  لصورة اللاعب الفلسطيني  "سعيد البس" 27 عاما من مدينة الخليل المصابّ بمتلازمة داون في بطولة العالم  للأولمبياد الخاص لرفع الأثقال كذلك رصّد  صفحات عينة الدراسة لأنشطة المسّارات  والمشيْ في الجبال، وكانت فرصّة لانضمام مختلف الجنسيات للتعرف والاقتراب من المناطق الأثرية، والقرى الفلسطينية والتعرف على اللهجات الفلسطينية والعادات والتقاليد الثقافية المتنوْعة.

وفي ختام الدراسة أوصت الدراسة: بأن المشروع الثقافي الفلسطيني يتطلب سياسة ثقافية داخل الوطن وخارجه، تتعامل مع مفردات الثقافة التي تتعدد وتتنوع، وتغطي كافة نواحي الحياة، بحيث يتم الربط بين الموروث الثقافي والتاريخي والحياة المعاصرة التي تفرض تغيراً ثقافياً مستمراً، فالثقافة ليست وراثية ، وإنما يتم تعلمّها واكتسابها بما يضمن إعادة إنتاجها وتطويرها بشكل مستمر للتعامل مع الظروف المتغيرة بشكل متسارع فلا أداة غير الثقافة تضمن تكيّف الإنسان مع  الواقع ، وتربطه بالهوية والتاريخ بسمّاته الثقافية المختلفة، لذا يتوجب إدراج  مساقات  التربية على احترام التنوع الثقافي في المناهج التعليمية الفلسطينية، وأوصت الدراسّة وزارة الثقافة الفلسطينية  بوضع سياسة ثقافية رقمية تعزز  مزيد التنوع الثقافي الفلسطيني.

ويختتم الباحث الدراسة بالقولّ: احتضنت الذاكرة الفلسطينية الثقافية والفكرية والدينية على امتداد سنواتها جيلاً بعد جيل واستطاعت صياغة تجاربها الإنسانية بثراءٍ رمزيّ عميق لانعكاس واقع شديد التمايزّ شديد التجانس بعيداً عن الخلاف .ففلسطين لا تتسع للخلاف بل تتسع  للتنوع الثقافي والاختلاف .