ماجد هديب - النجاح الإخباري - منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وتولي كتائب القسام  مقاليد الأمور فيها تحت عناوين  ومسميات لا مرجعية دستورية لها ولا قانون متفق عليه لتنظيمها ،فان الفلسطينيين  كانوا وما زالوا في حالة من الانقسام ،بين مؤيد لهذه السيطرة  ومعارضا لاستمرارها   ،ولكن ما يجب قوله هنا جهرة ودون خجل بان حالة التأييد لهذه السيطرة قد تجاوزت في أسبابها  الخلاف السياسي والصدام في البرامج ،حيث اصبح   الانحدار بالأخلاق وانعدام القيم  هو سبب دعم هذه السيطرة ،وهذا ما ظهر بشكل لا لبس فيه ولا  غموض عقب واقعة اعتداء أجهزة حماس الأمنية على المرأة التي اجمع الشعب على ما تمثله من رمزية لنضال المرأة الفلسطينية ،حيث ذهب  البعض    الى تبرير الاعتداء على المرأة التسعينية   بذريعة   اهمية انفاذ القانون وتحقيق الامن   ،فعن أي قانون يتحدث هؤلاء   في ظل ممارستهم  للكذب   والتشويه والتضليل لصالح الحركة التي انقلبت على القانون نفسه الذي يدعي هؤلاء حرصهم على أهمية تطبيقه ،و عن أي امن  يتحدث هؤلاء في ظل غياب الوئام والاستقرار ،وفي ظل غياب الشعور بالطمأنينة ،ام ان الامن الذي يدعو هؤلاء الى فرضه بالقوة  هو حماية التنظيم الذي ينتمون اليه  دون اعتبار لأمن الوطن والمواطن، وهذا ما نلمسه وما نعيشه واقعا ،وهومن اهم الإشكاليات امام تحقيق الامن في غزة ،ومن اهم المعيقات أيضا امام الاستقرار لمن فيها .

كثيرة هي تلك الإشكاليات والمعيقات التي تقف حائلا امام  تحقيق الامن في غزة ،وكثيرة هي أيضا تلك الحقائق المؤلمة التي يعيشها اهل غزة بفعل غياب هذا الامن ،ليس بسبب غياب العقيدة الأمنية لأجهزة حماس الأمنية وعدم استنادها  الى المهنية والاحترافية فقط ، وانما بسبب تصاعد حدة الانقسام وغياب الوحدة وبالتالي الى غياب  الاستراتيجيات والبرامج الى جانب أسباب كثيرة لا يمكن حصرها في مقال ،ولكن يمكن الإشارة اليها من خلال بعض الأسئلة من اجل تسليط الضوء على حقائق كثيرة يجب الوقوف امامها بكل امانة ومسؤولية للتفكير بها والاجابة عليها  وصولا لوضع الاليات  والاستراتيجيات والبرامج لتحقيقها عمليا   من اجل انقاذ الشعب الفلسطيني من هذا الانحدار في الاخلاق والانعدام بالقيم .

لست هنا بصدد توجيه التحذير من باب الترف، ولا حتى من باب فلسفة التنظير، وانما من باب ضرورة قرع جرس الانذار بان حالة صبر   اهل   غزة على واقعهم الصعب لن تطول، ولذلك لا بد من الاتجاه فورا نحو الوفاق والاتفاق، ولا بد أيضا من الالتزام بما نص عليه الدستور حفاظا على الهوية والمشروع، فلماذا لا تلتزم حركة حماس بما نص عليه الدستور من    ضمان للحقوق والحريات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي تسهم في بناء النظام السياسي وفي تحقيق الاستقرار الوطني؟ ،ولماذا لا تذهب حركة حماس باتجاه الوحدة والاتفاق من اجل  صياغة الاستراتيجيات السياسية والأمنية والاعلامية  مع باقي مكونات الشعب  وفي ظل الدستور ومحدداته ومرتكزاته ،مع مراعاة اسس هذه الاستراتيجيات وأساليب التطبيق الفاعلة لها؟ ، وهل يجوز ان تصبح منطلقات حركة حماس وسلوكيات اجهزتها وبياناتها بديلا عن دستور كانت قد وضعته السلطة وقد كان علينا ان نسعى جميعا للالتزام به من اجل الوصول الى الدولة   ؟،وهل يمكن تحقيق الامن في غزة في ظل انعدام أدني مقومات الامن الداخلية     اعتمادا على قوة الردع وقسوة العقوبة في الوقت الذي نجد فيه اتساع نطاق الجريمة وتعدد أنواعها؟، وهل هناك أي تكامل وتبادل بين الأجهزة الأمنية التي تتبع لحركة حماس وما بين المواطن، ام ان هناك نفور وعدم احترام ما بين المواطن وهذه الأجهزة بسبب غياب القانون وعدم الالتزام والتقيد  بالدستور والإصرار على عدم تحقيق الوحدة الوطنية بذرائع واهية؟.

لا يغيب عن ذهن المتتبع للشأن الفلسطيني ،ولا حتى عن ذهن المواطن الفلسطيني البسيط بان حماس تسيطر على مقرات الامن في قطاع غزة كما تسيطر على القضاء ،وان قيادة حماس السياسية هي المرجعية  الوحيدة للأمن والقضاء ومرجعية للإعلام ،ولا مكان عندهم للدستور  ، ولا حتى التزام منهم بما جاء فيه   من ضوابط ، وعليه كان الاعتقال والضرب لكل من اعترض على سيطرة القوة  ،ولكل من خالفهم بالراي ،فكم من كاتب اعتقلوه ،وكم من صحفي سحلوه، وكم من مناضل اهانوه ، وكم من معارض اختطفوه ،وكم من كبير في السن شتموه ،وكم من شاب امام زوجته ضربوه والذريعة جاهزة وهي انفاذ القانون ،ولكن بطبيعة الحال ليس هو ذلك     القانون الذي ندعو الجميع الى أهمية التقيد بما جاء في نصوصه ،وانما هو القانون  الدي يسعى هؤلاء الى فرضه بالقوة ،وهو قانون سيطرة التنظيم ،وقانون فرض الولاء له ،والخنوع لما يصدر عنه من قرارات ؟ .

على الجميع الوقوف امام مسؤولياته ،حيث اكدت واقعة الاعتداء الأخيرة، وما سبقها أيضا من اعتداءات على المواطنين بذريعة انفاذ القانون ،وما جاء من ردات فعل شعبية على تلك الاعتداءات، بان الشعب الفلسطيني في قطاع غزة قد وصل الى مرحلة الانفجار ،وعليه  لا بد من التأكيد هنا على بعض الحقائق التي يجب على حركة حماس الوقوف امامها عدم تجاهل انعكاساتها   لاستخلاص العبر والدروس منها وتجاوز ما هو قادم من أخطار نتيجة هذه الانعكاسات،ليس عليها فقط ،وانما على الشعب والقضية ايضا،ومن هذه الحقائق ان الاعتماد على قوة الردع وقسوة العقوبة لتحقيق الأمن بمفهومه الضيق في ظل اتساع نطاق الجريمة وتعدد أنواعها بفعل العولمة والتطور بعيدا عن   الاستراتيجيات الأمنية، وبعيدا أيضا عن التخطيط التنموي الشامل لا تؤدي الى الامن ، فهل يمكن تحقيق الأمن في غزة في ظل انعدام أدني مقومات الامن الداخلية والخارجية اعتمادا على قوة الردع وقسوة العقوبة ، وفي ظل عدم مواكبة شرطة غزة للفكر الأمني الشرطي ،وعدم الاتجاه   نحو تحقيق التكامل ما بين الأجهزة الأمنية والاعلام والمواطن ؟.

ان انشغال حركة حماس في تعزيز استراتيجية أمن وجودها وتعزيز أركان استمرار سيطرتها على غزة، وذلك بإبقاء الجبهة الداخلية في حالة من الخضوع لأجهزتها الأمنية والخوف من سطوتها في ظل تنامي الجريمة وتعدد أنواعها قد أدى الى الاخلال بالتوازن بالعلاقة بين اطراف العلاقة في المسؤولية عن استتباب الامن ،وهي السلطات الثلاث ،بالإضافة الى تأرجح سلطة الاعلام بين هذه السلطات لما تعيشه هي الأخرى نتيجة الانقلاب والانقسام من ازمة في الاخلاق ،فكيف لمجتمع اذا  ان يتجه نحو الاستقرار في ظل غياب الانسجام بين هؤلاء بسبب غياب  العمل بالدستور ،وبسبب عدم الالتزام بما جاء فيه من ضوابط لعمل هذه السلطات وما فيه من قواعد أيضا لتنظيم العلاقة  ما بين هذه السلطات؟.

على حركة  حماس ان تدرك وقبل فوات الأوان  ان الإصرار على  سياسة نهج التفرد والاستئصال وتكريس سياسة الحزب الواحد ، والاتجاه نحو تامين  مصالحها المادية والمعنوية على حساب مصالح الناس لا تسهم  في  تحقيق امال الشعب الفلسطيني بالتحرر والاستقلال  وتحقيق الامن الشامل،بل ستدفع به نحو الاندثار   ، وعلى حماس ان تدرك أيضا بان   هراوة التنظيم وسطوة سلاحه  مع  نفاق الكثير من المراكز الحقوقية وبعض الفصائل  لن تنفعها في حالة انفجار الشعب ، لان هذا الانفجار الذي بات وشيكا في ظل انعدام مقومات الحياة ،وفي ظل ازدياد الشعور بالخوف، وفي ظل تصاعد التوتر أيضا سيجعل اعتراف المنافقين من الفصائل والمراكز الحقوقية   بالانقلاب او التعايش معه بلا قيمة  ، فما هو المطلوب اذاً من أجل تعزيز التكامل والتبادل بين هذه الأجهزة الأمنية والمواطن من اجل تلافي الانفجار والصدام؟ . 

المطلوب هو الوفاق والاتفاق بين كافة قوى وفصائل العمل الوطني والإسلامي والاتجاه  أيضا نحو تحقيق   استراتيجية سياسية وامنية وإعلامية ، مع التقيد بما جاء بالدستور من ضوابط لحماية النظام السياسي،لان  الوحدة الوطنية وتحقيق الاستراتيجيات الأمنية والسياسية والالتزام بالدستور هي من   تحقق الأمن والاستقرار والتنمية ،وهي من تعمل أيضا على تلافي الانفجار وتجنب الصدام ،وان استمرار الاعتماد على فرض القوة لحماية امن التنظيم بعيدا عن امن الوطن والمواطن هي بمثابة القنبلة القابلة للانفجار، وهي  من اهم الإشكاليات  أيضا امام تحقيق الامن في غزة وامام انعدام الاستقرار لمن فيها،فهل وصلت الرسالة؟.