ماجد هديب - النجاح الإخباري - منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين والمؤامرات الاستعمارية على الشعب الفلسطيني لم تتوقف ،حيث كانت تأتي بالتتابع وبتخطيط مدروس وتنفيذ محكم وصولا لتذويب هويته وانهاء قضيته ، ولذلك يمكن القول بان صفقة ترامب وما حملته من عناوين ليست هي نهاية تلك المؤامرات على الشعب الفلسطيني ،وانما هي تتويجا لمرحلة من المؤامرات السابقة من اجل الاعداد لتنفيذ المرحلة الأخيرة منها ،وهي مرحلة إقامة المحميات له ليعيش فيها دون عنوان سياسي او دولة على غرار المحميات التي يعيش فيها الهنود الحمر بعد احتلال بلادهم ،ولعل نظرة سريعة الى خريطة فلسطين المستقبلية وفقا لتلك الصفقة وما جاء بها من جيوب ،وما حملته ايضا من معازل تجعلنا في حالة من الوعي والادراك للقول بان المعازل العنصرية المقترحة للفلسطينيين هي فعلا كتلك المحميات التي كانت الإدارة الامريكية قد أعدتها لأصحاب البلاد الأصليين من الهنود الحمر ،حيث يأتي ذلك تحقيقا لرؤية وزير خارجية الإدارة الامريكية الأسبق "هنري كيسنجر" الذي كان قد صرح في مطلع السبعينيات من القرن الماضي بانه سياتي يوما نجعل فيه من الفلسطينيين كالهنود الحمر ،فهل سيقبل الفلسطينيون وهم أصحاب الأرض الأصليين بصفقة القرن والعيش بتلك المحميات لتصبح حياتهم في ظل دولة الاحتلال الإسرائيلي تماما كما هي حياة الهنود الحمر بعد الاحتلال الأمريكي لبلادهم ؟. 

صحيح بان الشعب الفلسطيني بكافة فئاته وشرائحه السياسية والاجتماعية وفي كافة أماكن تواجده قد اعلن صراحة رفضه لما جاء في تلك الصفقة ،كما انه قد نادى بضرورة استعادة وحدته من اجل اسقاطها ،الا انه يجب القول أيضا بان دولة الاحتلال وبمساعدة ومساندة من الكيانات العربية الموالية للإدارة الامريكية غالبا ما كانت تنجح في اختراق هذا التوحد وذلك من خلال بعض الفلسطينيين انفسهم ،وهذا ما كان يجعل دولة الاحتلال نفسها في حالة من الانتقال السريع الى تنفيذ مؤامرتها التالية وصولا لتنفيذ أحلام الصهيونية في الامتداد والتوسع ،فهل تستطيع إسرائيل فعلا افشال توجه الفلسطينيين نحو الوحدة وانهاء الانقسام من خلال دفع البعض منهم ،اما الى قبول تلك الصفقة كمقدمة لتنفيذ المرحلة الأخيرة منها وهي مرحلة العيش كالهنود الحمر بعد سنوات من التفاوض لانتزاع صفة الدولة عن تلك المحميات ،واما الى التزام صمت البعض الاخر خلال تنفيذ تلك الصفقة وعدم الاتجاه نحو تجسيد الوحدة والاندماج في مشروع وطني مقابل استمرارهم كقوة ووجود، ام ان الشعب الفلسطيني وفي ظل ما يتعرض له من اخطار سيعمل على اسقاط هذه المؤامرة من خلال التوحد والانطلاق فعليا بمواجهة صفقة القرن بإجراءات عملية واستراتيجيات وطنية ؟.

ما لم يتوحد الفلسطينيون استنادا الى استراتيجية وطنية شاملة ،وما لم يتم الاتفاق مع كافة قوى وفصائل العمل الوطني وفي مقدمتها حركة حماس على برامج واليات عمل لتنفيذ تلك الاستراتيجيات ،ومنها استراتيجية اعلان الدولة ،وما لم تتوقف حركة حماس ايضا عن حالة الصدام حتى مع نفسها لما تطرحه من استراتيجيات وبرامج ،وما بين ما تقوم به على الأرض ،فان اختراق إسرائيل للموقف الفلسطيني الموحد سيصبح بالنسبة اليها امرا سهلا ويسيرا ،وسيصبح الفلسطينيين اكثر تشرذما وانقساما ،ولذلك فان على حركة حماس ان تعلم بانه إذا ما نجحت باستغلال المواجهة ما بين السلطة واسرائيل خلال الانتفاضة الثانية لتقوية وجودها عسكريا لتنفيذ انقلابها على السلطة في غزة ،فإنها لن تنجح ومن خلال استغلالها مواجهة السلطة لصفقة القرن بتعزيز تمثيلها السياسي على حساب المنظمة والسلطة لأنها ستنتهي حتما بعدما تعمل على انهاء تجربة السلطة الفلسطينية كما انتهى حزب الدفاع بعد نجاحه في تمرير مخططات اعوانه بإنهاء تجرية حكومة عموم فلسطين ،ولكن اذا ما كان حزب الدفاع الفلسطيني قد دفع الفلسطينيين الى انهاء هويتهم بعد اسقاط حكومة عموم فلسطين من خلال الاندماج مع امارة شرقي الأردن ،فان حركة حماس ومن خلال عدم التوحد والاتفاق ستعمل هي الأخرى على دفع الفلسطينيين للعيش بتلك المحميات تحت الاحتلال وفقا لما جاء بصفقة القرن دون هوية وكيان تماما كما يعيش الهنود الحمر الان.