وكالات - عقل أبو قرع - النجاح الإخباري - بعد تدخل طبي ما مع آثار سلبية غير متوقعة، يثور الجدل بين الفينة والأخرى، سواء في الأحاديث الجانبية الضيقة بين الأصدقاء أم المعارف أم داخل أفراد العائلة، أم على المستوى العام حين يتدخل الإعلام والجهات ذات العلاقة ويصبح الموضوع قضية رأي عام، حول حدوث أخطاء طبية، أو الادعاء أو ربط تداعيات التدخل الطبي بحدوث أخطاء طبية، سواء كانت مضاعفاتها شكلية مرحلية أم أن هذه التداعيات أدت إلى نتائج خطيرة على شكل إعاقات دائمة أو ربما الوفاة.    
وحين يأخذ موضوع الأخطاء الطبية حيزا واسعا ويصبح قضية رأي عام تتداولها وسائل الإعلام والجهات المختلفة سواء أكانت جهات رسمية أم غير رسمية، يتم في العادة وكرد فعل سريع يتبع بروز هذا الموضوع في الحيز العام، اتخاذ إجراءات من الوزارة لإجراء تحقيق ومن ثم توقيف أو نقل أو فصل أطباء وممرضين عن العمل أو إجراءات سريعة عاطفية لامتصاص ردة الفعل أو الغضب والتذمر.  
ومع الانتهاء من متابعة هذا الخطأ الطبي يعود الحديث مرة أخرى عن الخوف من وقوعها، وما يرافق ذلك من ألم ومن خوف وقلق عند الناس، سواء أكانت هذه الأخطاء الطبية تحدث في المستشفيات الخاصة، أم في داخل المستشفيات الحكومية، وأصبح واضحا أن تشكيل لجان التحقيق وبصرف النظر عن طبيعتها أو حجمها أو عن أهميتها لا يشكل رادعا أمام الخطأ الطبي القادم، ولا يشكل عاملا لإقناع المواطن أو المريض بمدى جدية تطبيق توصياتها وإجراءات الوقاية التي من الممكن أن تحد من الخطأ الطبي القادم.  
وبصرف النظر عن نتائج لجان التحقيق التي يتم تشكيلها، أو عن وجهات النظر التي يبديها البعض من هنا وهناك، إلا أن موضوع الأخطاء الطبية في القطاع الصحي الفلسطيني، أو بالتحديد نظرة الناس إلى هذا الموضوع، إذا حدث أمر غير متوقع أو غير مفهوم، سواء أكان حالة وفاة أم حدوث عاهة أو إعاقة، هو موضوع جدير بالاهتمام ويتطلب تسخير وزارة الصحة أو الحكومة حيزا مهما له، سواء من حيث النقاش العلمي الموضوعي، أم من ناحية مراجعة السياسات والبروتوكولات التي تعمل على التقليل منه أو التعرف عليه إن حدث، أم من ناحية طبيعة التوجه الإعلامي إلى الناس، وتبيان أن الأخطاء الطبية من الممكن أن تحدث في أي مكان طبي عادي أو مرموق في العالم، وأن هناك فرقا كبيرا بين الخطأ الطبي الذي يحدث وفي احسن الظروف وبين الإهمال الطبي المقصود أو غير المقصود.     
وكما حدث في الماضي، تثير القضايا المستجدة من الأخطاء الطبية، سواء في القطاع الخاص أم العام، جدلا متكررا وبدون نهاية حول الأنظمة المتبعة أو الموجودة حاليا، للتعامل مع الأخطاء الطبية في حال حدوثها، أو حول إجراءات المتابعة والمراقبة والمساءلة والتعلم والتقييم المتبعة، هذا إذا كانت هناك إجراءات محددة موثقة على شكل بروتوكول، للتأكد من عدم حدوث الأخطاء الطبية من الأساس.
وللعمل من اجل عدم حدوثها مرة أخرى إن حدثت، ورغم مأساوية نتائج الأخطاء الطبية إن حدثت، وبصرف النظر عن الأسباب الحقيقية لها، إلا انه من المتوقع أن يؤدي إلى العمل من اجل التركيز اكثر، على منع حدوث مثل أمور كهذه في المستقبل من الأساس، بعيدا عن تشكيل اللجان وعن الاجتماعات والتصريحات الإعلامية، وبعيدا عن تبادل الاتهامات بين الأطراف المختلفة، وعن إلقاء اللوم هنا أو هناك، والذي لن يساهم إيجابيا، في منع حصول أخطاء طبية أخرى، أو في مواصلة تطور وتقدم القطاع الصحي.     
ورغم الإقرار أن هناك تحسنا وتطويرا متواصلا في خدمات وأجهزة وكوادر القطاع الصحي في بلادنا، سواء أكان القطاع الحكومي أم الخاص، وسواء من حيث الكوادر أم الأجهزة أم الأدوات وطرق التعامل، إلا أن هناك الكثير الذي ما زلنا نحتاجه وبالأخص لمنع تكرار الأخطاء الطبية، والذي وفي ظل الإمكانيات المحدودة، والظروف المعقدة، يمكن القيام به، من خلال إقرار والالتزام بسياسات وإجراءات وأمور إدارية، ومن خلال تغيير في ثقافة عمل وتعامل، ومن خلال تطبيق إجراءات محددة تمنع وقوع الخطأ الطبي القادم، ومن خلال تعديل في فلسفة الإدارة، وإعادة تسخير المصادر حسب احتياجات المواطن الفلسطيني، وحتى الحاجة إلى إعادة ترتيب أولويات، والى تبني أنظمة إدارية اكثر كفاءة واكثر وضوحا واكثر نجاعة.
ومع تكرار الجدل حول معضلة احتمال حدوث أخطاء طبية، وبالتالي تصاعد القلق والإرباك والخوف، عند المريض وأفراد العائلة والناس بشكل عام، أو عند المرضى الذين يمكن أن يكونوا في أوضاع مماثلة لتلك التي حدثت فيها هذه الحادثة، فإن معالجة قضية الأخطاء الطبية بشكل خاص، والواقع الصحي في بلادنا بشكل عام، تحتاج إلى المزيد من الإجراءات الواضحة، وبالأخص إلى تبني وتطبيق فلسفة محددة على المستويات الإدارية العليا، نحو المزيد من المتابعة والمساءلة والتعلم والتقييم، والى التركيز على التخطيط لاستراتيجيات بعيدة المدى، تعتمد على مبدأ الوقاية ومنع حدوث الخطأ كأولوية للحفاظ على الصحة العامة، وفي حال موضوع الأخطاء الطبية، الحاجة الماسة، إلى وجود إجراءات وأنظمة عملية يتم الالتزام بها وتكون مقنعة للناس، وتركز على منع حدوث الخطأ الطبي من الأساس.