وكالات - صادق الشافعي - النجاح الإخباري - هل هو قدر أهل السودان أن يعيشوا باستمرار تحت حكم العسكر؟
فمنذ الاستقلال تقريباً يعيش السودان في حال من الانقلابات العسكرية.
أولها: كان انقلاب الفريق عبود سنة 1958.
ثم جاء ما سُمي بانقلاب الضباط الأحرار، تيمناً بما حصل في مصر، بقيادة جعفر النميري في أيار 1969.
وحصل خلال فترة النميري الصراع مع الحزب الشيوعي السوداني وما قيل عن محاولة انقلاب فاشلة قام بها الحزب، وكانت النتيجة إعدام بعض من أعضاء القيادة التاريخية للحزب الشيوعي.
ثم نجحت الحركة الشعبية بالإطاحة بحكم النميري في العام 1985.
ثم في تموز عام 1989 تمكن الفريق البشير من الاستيلاء على السلطة بانقلاب عسكري متحالفاً مع الجبهة الإسلامية القومية برئاسة حسن الترابي.
وفي العام 2019، تمت الإطاحة بحكم البشير في الانقلاب العسكري الأخير الذي قام به الجيش بقيادة الفريق البرهان الذي جاء بعد تحركات شعبية واسعة، وتم إيداع البشير وأركان حكمه السجون.
في المحصلة والنتيجة، فإن العسكر ظلوا هم من يحكم السودان منذ الاستقلال حتى ولو تستروا بأغطية وشخصيات مدنية لفترات قصيرة المدى.
انقلاب البرهان الأخير لا يخرج عن الصورة العامة المذكورة.
ما حمله من جديد هو مشاركة قوة عسكرية رديفة مستقلة وموازية للجيش معه في تنفيذ الانقلاب والتحكم في مساره العام بعد نجاحه.
لا يغير من هذه الحقيقة أن انقلاب التغيير قبل الحالي كما جاء ذكره، قام به العسكر وهم في حال اتفاق/ائتلاف مع حزب المؤتمر «الإخوان المسلمين» بقيادة حسن الترابي.
لكن الائتلاف الحكومي المذكور لم يستمر طويلاً، وقام العسكر بانقلاب داخلي تمثل في إخراج حزب المؤتمر من الحكم وهيئاته وأودع عدداً من قياداته ورموزه في السجون ومنهم الترابي نفسه.
وحقق العسكر بذلك الانفراد بالحكم بكافة مراكزه ومؤسساته، ومعهم قلة من الموالين لهم من رموز مدنية لا يمثل أي منهم حزباً مدنياً أو مجموعة مدنية منظمة.
ومنذ نيسان 2019 والسودان يعاني من عدم الاستقرار ومن التجاذبات بين المكوّنين للمجلس الانتقالي المدني والعسكري، الى أن قام العسكر في عام 2021 بالتخلص من الشق المدني في المجلس، ثم في 2023 انفجر الصراع بين الجيش النظامي بقيادة الفريق البرهان وقوات الدعم السريع.
وهذه القوات هي تشكيل عسكري خارج عن تركيبة الجيش النظامي ومستقل عنه وموازٍ له، وكان البشير قد قرر ترسيمه، وعيّن لقيادته محمد حمدان دقلو المعروف بـ «حميدتي». وهو ايضا من خارج تشكيلات ورُتب الجيش النظامي.
قبل الوصول الى حال الصراع المسلح- بين المكوّنين العسكريين المذكورين جرت محاولات جادة من قبل القوى السياسية وقوى المجتمع المدني في السودان مع هذين المكونين، للاتفاق على رؤيا مشتركة وتشكيلات سياسية ومجتمعية تضم الكل الوطني، لإدارة البلاد ومؤسساتها دون ان تكلل هذه المحاولات بالنجاح. حتى وصلت الأمور الى حال الاشتباك المسلح الدائر حالياً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
أما كيف ولماذا حصل أن تواجد في السودان تشكيلان عسكريان رسميان متعارضان؟ فذلك يعود لحسابات البشير الذاتية في الحفاظ على حكمه ولو بتفتيت مؤسسات الدولة.
وكيف ولماذا تم القبول بهما والتعامل معهما كحقيقتين قائمتين، من قبل قوى المجتمع المدني على اتساعها وتنوعها، والى متى يستمر ذلك؟ فهو برسم الإجابة من القوى المدنية.
صحيح أن المسؤولية في الوضع القائم حالياً تقع بالأساس على المكوّنين العسكريين المذكورين - حتى ولو بتفاوت- لكن ذلك لا يعفي من المسؤولية تماماً قوى وأحزاب المجتمع المدني السوداني بتشكيلاتها الحزبية والمجتمعية العريقة، حيث لم تنجح في الاتفاق فيما بينها على رؤيا شاملة وموحدة ومواقف وترتيبات تنفيذية واقعية وموحدة أيضاً، تقتنع بها وتتفق عليها وتتعامل بهديها بعد ذلك مع المكون العسكري بتشكيليه المعروفين.
وما يزيد الأمر غرابةً أن السودان تميز بوجود قوى وأحزاب سياسية عريقة وذات حضور سياسي فاعل، يضاف لها ومعها قوى وهيئات مجتمعية منظمة وعريقة ومعها أيضا اتحادات شعبية ومجتمعية ذات حضور قوي، ليس على المستوى الوطني فقط بل على المستوى الدولي أيضاً.
ومع ذلك فقد تم التعايش- وربما القبول – بهذا الواقع لحسابات هي في الأغلب ذاتية وتنظيمية.
لم يكن ممكناً أن يستمر التعايش مع الحال الشاذ الموصوف وبشكل خاص وضع الازدواجية في القوى العسكرية النظامية وتشكيلاتها وهيئاتها وقيادتها.
ولم يكن بالتالي مفاجئاً تفجر الموقف ومن مدخل صراع المصالح المسؤوليات والنفوذ بين طرفَي العسكر ليمتد ويشمل بآثاره وأذاه كل القوى السياسية وكل المجتمع السوداني بكل ناسه، وبكافة تعبيراته وتشكيلاته وقواه.
الآن يواجه أهل السودان حالة استثنائية من القلق والخوف الأكثر عمقاً من أي تجربة سابقة ربما.
فهذه المرة إضافة الى التخوف العادي من التغيير في الحكم الذي يحمله أي حكم جديد، فإن التغيير يأتي هذه المرة محمولاً على انقلاب عسكري بتشكيلين عسكريين منقسمين ومتحاربين الى درجة تصل إلى الاشتباك بالأسلحة التي لا يشكو أي طرف منهما من قلتها أو ضعفها لديه.
ومما يزيد القلق هو أن لكل طرف منهما ارتباطات إقليمية ودولية، وإذا لم يتم احتواء الصراع قريباً فقد تتفاقم الأمور ويصبح السودان ملعباً للقوى الخارجية تتصارع على حساب الدم والوطن السوداني ونصبح أمام ليبيا ثانية.