وكالات - صادق الشافعي - النجاح الإخباري - الفارق الزمني بين البيان الذي صدر عن مجلس الأمن وبين بيان العقبة لا يذكر، أما الروحية والتوجه العام الذي صدر عنهما فقد كانا متقاربَين تماماً، في التركيز على التفاهم والتعاطي الإيجابي بين طرفي الصراع: الفلسطينيون ودولة الاحتلال، لكن دون تحديد أسس وقواعد مقبولة يقوم عليها ذلك. الفارق الجوهري الذي ميز لقاء العقبة أنه جاء بدعوة ومشاركة فاعلة من بلدين عربيين لهما موقف مؤيد ومناصر للنضال الوطني الفلسطيني ومتبنٍ للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ومدافع عنها.
جوهر بيان مجلس الأمن وكذلك بيان العقبة كان الدعوة الى الهدوء ووقف التصعيد. وكلا البيانين، وبشكل خاص العقبة، لم يجدا أي تجاوب وبالذات من قوى اليمين الصهيوني وبشكل خاص تلك التي تسيطر على الحكم في دولة الاحتلال.
لقد جاء الجواب على بيان مجلس الامن في مذبحة مدينة نابلس التي استشهد فيها 11 مقاوماً وجرح فيها أكثر من مئتين كلهم من المدنيين.
وجاء الجواب على بيان العقبة على شكل " تسونامي" قام به المستوطنون المتطرفون اجتاح حوارة وما حولها من هجمات وقتل وحرق وتدمير. ووصل الأمر الى مناداة وزير في حكومة الاحتلال إلى مسح حوارة من الوجود وهو ما وصل حد الاستفزاز المعلن للمبعوث الأميركي.
من ناحية دولة الاحتلال لم يعد هناك مكان لوهم مهما كان صغيراً انها يمكن ان تذهب باتجاه حل سياسي وتهدئة. تأكد ذلك من وزرائها وقوى أقصى اليمين والتطرف التي جاؤوا منها ومن برامجها المعلنة ومن مشاريع وزرائها التنفيذية التفصيلية المعلنة بكل وضوح ووقاحة، وكلها تقوم على فكر يميني صهيوني عميق شديد التعصب والعدوانية والصلابة.
إن العنوان العام والأشمل والأكثر عمقاً ووضوحاً لبرنامج الحكومة والذي تنحكم له العناوين التفصيلية والتنفيذية هو عنوان "الاستيطان". والتوسع به بأقصى ما يمكن سواء كان ذلك ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في المستوطنات القائمة، او في تشريع مستوطنات قائمة بالفرض والأمر الواقع وغير معترف فيها، او في بناء مستوطنات جديدة. بدون أي تقيد باي اتفاقات او شروط، وكل ذلك على حساب حقوق أهل الوطن الفلسطيني واولها حقهم التاريخي في وطنهم وأراضيهم.
ان هذا العنوان بكل عدوانيته يأتي منسجماً مع توجه يميني عام لحكومة دولة الاحتلال القائمة يمتد ويتسع -إضافة الى الاستيطان- ليطال بمنطق يميني سلطوي رجعي كثيراً من مرتكزات وقواعد الحكم في دولة الاحتلال ذاتها ومع مواطنيها ومكوناتها المجتمعية والسياسية.
وهو ما ينذر بمشاكل وصراعات داخلية تطل برأسها، مقدماتها وبداياتها حول عناوين سياسية وقضائية ومجتمعية تصل حد التظاهر في ساحات وشوارع بعض المدن، ولكنها تقابل بعدم التجاوب وتصل بالأمور الى مستوى الرفض والتصادم في بعض الحالات.
ويبقى العنوان الأبرز لهذه الحالة هو اتجاه الحكومة وتصميمها على ادخال تعديلات أساسية على النظام القضائي لصالح الحكومة، وعلى حساب صلاحيات الهيئات القضائية كما ظلت قائمة لسنوات طوال، وبما يجيّر لصالح الحكومة وبما يوفر مخارج لأعضاء فيها اولهم رئيسها من ملاحقات قضائية أولية.
اما على الطرف الفلسطيني فإن مواقف الحكومة ومعالجتها لموضوع بيان مجلس الامن ثم مشاركتها في لقاء العقبة وما صدر عنه قد لاقى درجة اعلى من النقد من عدد من القوى والتنظيمات السياسية والمجتمعية، وهو ما صب في خانة تعميق حال الانقسام القائم.
خصوصاً وان السلطة الفلسطينية لم تبادر بحماس وإيجابية الى تدارك هذا الحال وتفتح باباً واسعاً للحوار والتوضيح لا قبل ولا حتى بعد صدور بيان مجلس الأمن وانعقاد لقاء العقبة وما صدر عنه. وهذا ما فتح باباً واسعاً من النقد والتساؤلات والتوقعات معها بعض الشكوك والمخاوف.
لكن الوقت لم يفت بعد، ولم تصل الأمور الى درجة من السلبية والتعقيد، ما يعيق او يمنع المبادرة الى التواصل بين الكل الوطني الفلسطيني بكل اشكاله وبكل مستوياته لتدارك هذا الأمر.
والأهم المبادرة الى محاولات مخلصة صادقة وجدية للخروج من حال الانقسام الذي استطال واسترخى وتغلغل في مؤسساتنا الوطنية والجامعة بأكثر مما يمكن التحمل وبأكثر مما يمكن القبول والتعايش.
إن الهمجية والوحشية التي يمارسها العدو، سواء جاءت من أدوات القمع الرسمية لدولة الاحتلال او من قطعان المستوطنين الذين أفلت عقالهم، تستهدف القرى والمدن الفلسطينية والأهم الإنسان الفلسطيني. وهنا نجد هذا الإنسان يتخطى حدود التنظيمات والحسابات الفئوية ويستنفر للدفاع عن نفسه وبيته وعائلته وقريته او مدينته. ولعل لجان الحراسة تكون أحد بدايات ونماذج عمل وطني شعبي موحد. ولعل العمل الميداني اليومي في مقاومة سياسات العدو ستفرض نفسها وتجبر من هم في موقع القيادة للعمل على إنهاء حال الانقسام.
إن الائتلاف الذي يسيطر على مقاليد الحكم والسلطة في دولة الاحتلال لا يتوانى عن أي عمل أو سياسة أو ممارسة او سن قوانين تهدف إلى تثبيت سيطرتهم التامة على كامل الأرض والإنسان، وقد نجد أنفسنا أمام وضع لا نجد فيه ما نتصارع عليه، وحينها نقول: ماذا بعد؟