وكالات - عبد الغني سلامة - النجاح الإخباري - ضرب زلزال مدمر بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس «ريختر» جنوب شرقي تركيا، وقد امتدت آثاره التدميرية إلى سورية، موقعاً نحو 5000 قتيل وعشرات الآلاف من المصابين، ومن المحتمل أن تتضاعف هذه الأرقام بعد انتهاء عمليات الإنقاذ.
ومع أن الدمار شمل مناطق شاسعة من تركيا وسورية، إلا أن الغريب في موقف المجتمع الدولي والعربي ذلك الفيض من الإنسانية تجاه مأساة تركيا، وتجاهل مأساة سورية! حيث تدفقت معظم المساعدات وعمليات الإغاثة على تركيا، والتي نالت أيضاً تركيزاً إعلامياً أكثر، رغم أن مأساة سورية لا تقل عن مثيلتها التركية، بل إن سورية تزيد عنها بحالة الإنهاك والدمار جراء الحرب الأهلية، وبسبب الحصار الظالم عليها. ومع ذلك، على الأقل يجب أن يتم توزيع المساعدات بالتساوي، لأن المأساة إنسانية قبل أي معيار آخر.
وما زاد من عمق المأساة، موجة البرد والثلج التي ترافقت مع حدوث الزلزال، خاصة أنه ضرب المناطق الشعبية والفقيرة، المكتظة باللاجئين، والهاربين من جحيم الحرب، وهؤلاء يعانون من قسوة الظروف وضنك الحياة في الأحوال العادية، ولم يكن ينقصهم زلزال ليفاقم معاناتهم.
الأمر الثاني المستغرَب ظهور جوقة الوعاظ، الذين ينتهزون كل مأساة إنسانية ليمرروا أفكارهم الغيبية وأيديولوجيتهم المتطرفة، مستغلين نقاط الضعف الإنسانية، والمتمثلة بالموت والمعاناة، ليقولوا لمن هم تحت الأنقاض: هل اتعظتم؟ وليقولوا للمتألمين والموجوعين، ممّن فقدوا أحبتهم، وخسروا بيوتهم، وأغلبهم فقراء: هذا عقاب من الله، على معاصيكم، وقلة إيمانكم! وهذا الموقف إذا لم يكن دلالة على انعدام الضمير، وقلة الذوق الإنساني، فهو على الأقل دليل جهل.
في حقيقة الأمر، الربط بين الكوارث الطبيعية وغضب الإله ليس بالأمر الجديد، فقد شغلت الزلازل أذهان الناس منذ أقدم الأزمنة، وكانت كل تفسيراتهم لها تتمحور حول غضب الرب، حتى فلاسفة اليونان القدماء قالوا: إنها عبارة عن رياح تحتية خفية، بينما أرجعها البعض الآخر إلى نيران في أعماق الأرض، وربما كان ابن سينا أول من قدم وصفاً علمياً للزلازل يقترب من التفسير العلمي الحديث، في كتابه «عيون الحكمة». أما السيوطي فقد تحدث في كتابه «كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة» واصفاً شدتها من خلال وصف آثارها التدميرية، كما حدد درجاتها بتعبيرات، مثل: لطيفة، وعظيمة، وهائلة. وعن مدتها استخدم تعبيراً فريداً: «دامت الزلزلة بقدر ما يقرأ الإنسان سورة الكهف».  
وقد ظل تفسير الزلازل بهذه الطريقة البسيطة حتى ثمانينيات القرن التاسع عشر، حين تمكن العالم الإنجليزي جون ميلن من اختراع آلة تسجيل مقياس الزلازل، مكونة من بندول وإبرة معلقة فوق لوح زجاجي. ثم استخدم العالم الروسي جوليتزين  بندولاً مغناطيسياً معلقاً بين قطبَي مغناطيس كهربائي، ثم جاء العالم الأميركي ريختر وابتكر طريقة جديدة لقياس شدة الزلزال تعتمد على كمية طاقة الإجهاد التي يسبّبها، بجهاز يقيس الطاقة المنبعثة من بؤرته، واضعاً له مقياساً لوغاريتمياً من 1 إلى 9، فيكون الزلزال الذي قوته 7 درجات أقوى عشر مرات من زلزال قوته 6 درجات، وأقوى 100 مرة من زلزال قوته 5 درجات، وهكذا.
أما عن أسبابها، وكيفية حدوثها، فقد شرحها العالم الألماني فيجنر عبر نظرية «الانجراف القاري»، والتي تطورت إلى نظرية «الصفائح التكتونية»، والتي أجمع عليها علماء الجيولوجيا، وتفسر الزلازل على أنها اهتزازات مفاجئة تصيب القشرة الأرضية عندما تهتز الألواح التكتونية أثناء اصطدامها، أو انزلاق طبقة منها تحت الأخرى، خلال تمددها البطيء الذي يستغرق ملايين السنين، وقد تكون هذه الاهتزازات بسيطة ولا تلاحَظ، وقد تكون مدمرة على نحو شديد. وتعتبر الزلازل التكتونية أشد تدميراً من الزلازل البركانية.
والزلازل من أخطر الكوارث الطبيعية التي تهدد الإنسان، بقوتها الرهيبة تجعله يشعر بضآلته وعجزه أمام قوى الطبيعة، فكل ما بناه من عمارات ومنشآت ومنجزات ضخمة تتدمر في لحظات. وهي بسبب قصر مدتها وشدة قوتها لا تترك له سوى ثوان معدودات لا تتيح له الفرصة لفعل شيء، مخلفة وراءها دماراً هائلاً وحرائق وقتلى وانهيارات وخسائر مادية باهظة، فضلاً عن تشريد من نجا من الموت وتركهم في العراء ينتظرون بقلق بالغ الهزات الارتدادية المحتملة، وهم يعدون بحزن ولوعة قتلاهم وأحبتهم، وينظرون بحسرة إلى ما تبقى من أطلال بيوتهم.
في كل يوم يقع حوالى 250 زلزالاً حول العالم، وتحدث معظمها تحت سطح البحر، وهذه عادة تكون قوتها أقل من 4 درجات. أما الزلازل الأقوى فتتسبَّب في قتل 14 ألف شخص تقريباً كل عام.
وأماكن وقوع الزلازل ليست موزعة عشوائياً، إذ إنها تتركز في مناطق تدعى أحزمة الزلازل، والتي تنشط فيها البراكين، وتقع عند التقاء الصفائح التكتونية التي تكوّن قشرة الأرض الخارجية وتفصل بين القارات، لكنها تحدث أحياناً في مناطق خارج الأحزمة، مثلما حدث في زلزال القاهرة (1992)، والذي أودى بحياة نحو 500 شخص.
تقع فلسطين بالقرب من حزام زلزالي يمتدّ من جنوب الأناضول على امتداد البحر الميت حتى خليج العقبة، ثم البحر الأحمر، يسمى الفالق الأفريقي العظيم، ويعتبر من أضعف أحزمة الزلازل. لذا يقول بعض الخبراء: إن فلسطين على موعد مع زلزال يحدث كل مائة سنة، وكانت المرة الأخيرة سنة 1927. وباعتقادي أن هذه الكلام فيه قدر من التهويل والتخويف، ولا يستند إلى إحصائيات علمية موثقة. والأصح القول: إن المنطقة تشهد زلزالاً (قوي نسبياً) كل بضعة مئات من السنين، والله وحده من يعرف موعده، فالعلم بكل ما لديه من أجهزة متطورة لم يستطع حتى الآن التوصل إلى تقنية التنبؤ بميعاد الزلزال، وكل ما يمكن فعله، هو تحديد المناطق المتوقع حدوث زلازل فيها، فزلزال فلسطين يمكن أن يحدث بعد شهر، أو بعد مائتي سنة. ولكن ما يتوجب فعله هو اتخاذ الاحتياطات المسبقة، مثل تجهيز البنية التحتية، وتوفير مستشفيات ومراكز إيواء وتطوير وسائل الإنقاذ، وزيادة الوعي بكيفية التصرف حين وقوع المصيبة.
زلزال تركيا وإن كان الأقوى على مقياس ريختر، إلا أنه ليس الأشد من حيث عدد الضحايا، فقد وقع زلزال في تركيا عام 1999 وقتل فيه حوالى 17.000 شخص.
في العام 1968، قتل زلزال بيرو 30.000 شخص، في العام 1988 قتل زلزال أرمينيا 30.000 شخص. وفي العام 1990 قتل زلزال في إيران نحو 40.000 شخص، والأمثلة كثيرة.
لكن أسوا زلزال في التاريخ حدث في فلسطين يوم النكبة 1948، والذي ما زالت هزاته الارتدادية حتى اليوم، وقد أودى بحياة نحو 100.000 إنسان، والغريب أن المجتمع الدولي لم يفعل تجاهه شيئاً!