وكالات - عبد الغني سلامة - النجاح الإخباري - منذ العام 1977 واليمين الديني والقومي في صعود مستمر، وهو اليوم يوشك على الاستيلاء على إسرائيل وتحويلها إلى دولة دينية ثيوقراطية، وهدم ما بنته الصهيونية العلمانية، وفضح الصورة التي حرصت على إظهارها بقالب ديمقراطي حداثي. وبالتالي ستفقد إسرائيل سمعتها، ومبرر دعمها، وتلك ابرز أركان قوتها.
وعلى الصعيد الداخلي، وبعد صعود اليمين للسلطة، بدأت إسرائيل تتحول نحو النيوليبرالية، ما أدى إلى حدوث منعطف كبير في الاقتصاد الإسرائيلي، عنوانه سقوط «دولة الرفاه»، والتحول إلى نمط الاقتصاد النيوليبرالي. حيث أخذت الحكومة تخفّض الإنفاق الحكومي في المجال العام والخدمي، وتخصخص القطاعات الحكومية، ما أدى إلى إفقار الفقراء وإغناء الأغنياء، وتعميق الفجوات بين الطبقات. «دولة الرفاه» كانت ضرورية في بدايات نشوء الدولة، لتعزيز علاقة المهاجرين الجدد بالأرض، وتعميق انتمائهم للدولة.. في ظل النيوليبرالية سيهتز هذا الانتماء، وسيتحول إلى نقمة على الدولة. مع أن الحكومات اليمينية عملت على تعويض دولة الرفاه بدولة الاستيطان، إلا أن هذا أحد أهم عناوين أزمتها، والتي ستتعمق مع تغول الاستيطان، واستقوائه على الدولة وعلى الجيش، وتحوله إلى ميليشيات غير منضبطة، ستتحول إلى دولة داخل الدولة، وستكون عامل انقسام، وفتيل حرب أهلية.
حالياً، إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي يتعرض وجودها وبقاؤها لتحديات خطيرة، وهي الدولة الوحيدة التي لا يعترف العالم بعاصمتها (باستثناء أميركا ودول قليلة جدا)، وهي الدولة التي تتم مقارنتها بالفاشية، وقد سبق أن اعتبرت الجمعية العامة أن الحركة الصهيونية شكل من العنصرية، وهي التي تتم مقارنتها بجنوب أفريقيا العنصرية، ووصفُها بأنها نظام أبارتهايد، وتتعرض دوماً لانتقادات منظمات حقوق الإنسان، وطالما أصدرت الأمم المتحدة قرارات تندد بسياساتها وجرائمها ضد الفلسطينيين.. وهناك العديد من المؤشرات التي تؤكد أن إسرائيل لم تعد تتمتع بتلك السمعة التي حظيت بها لسنوات طويلة، من حيث كونها الدولة المستضعفة المحاطة بالأعداء، أو أنها الديمقراطية الوحيدة.
لن يكون بوسع إسرائيل أن تكون دولة يهودية/ دينية، وعلمانية/ ديمقراطية في الوقت ذاته. ولا دولة قومية عصرية، ودولة أبارتهايد.. ولا تستطيع أن تكون دولة احتلال وضم واستيطان وتهويد، ودولة سلام في آن معاً.. ودولة تقول إنها تريد التطبيع مع العرب، ونصفها يهتف «الموت للعرب».. ودولة تدعي التسامح والحريات الدينية وتمنع وصول الفلسطينيين إلى القدس، وفي مسيراتها الشعبوية تشتم نبي الإسلام ونبيّ المسيحية.. ولا تستطيع الاستمرار في خداع العالم والإقليم وفي خداع نفسها.. وقد وصلت الأزمة إلى وضع لم يعد بمقدور إسرائيل أن تتقدم إلى الأمام (إلّا بشكل طفيف ومؤقت) وصار من المتعذر عليها التعايش بهذا الخليط أكثر مما تعايشت حتى الآن. (عبد المجيد سويلم).
وبعد اعتماد قانون القومية اليهودية، توضحت الصورة بما لا يدع مجالاً للتأويل. وبالتالي يستطيع العالم تقييم النظام الإسرائيلي بالاستناد لهذا القانون كنظام أبارتهايد. ومع تزايد وتوضح الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وتعديها على القانون الدولي، لم يعد بمقدور الغرب تحمل سلوكها أكثر، رغم انحيازه الكامل لها الآن، إلا أن هذا لن يدوم، خاصة مع يقظة شعوب العالم، وبسبب عولمة الميديا.
إسرائيل غريبة عن المنطقة، ومتعالية عليها، وجميع الشعوب من حولها ترفضها (أو على الأقل ترفض سياساتها العدوانية)، وهي تعيش في منطقة مضطربة، دائمة التغييرات العميقة والجذرية، فإذا كانت أغلب تلك المتغيرات في العقود السابقة أتت لصالح إسرائيل، فهذا لا يعني استمرارها كذلك وإلى الأبد. ومن المحتمل، أو شبه المؤكد أن تأتي تلك المتغيرات في غير صالحها. فإذا كانت تراهن على ضعف وتفكك العالم العربي، وتخلف مجتمعاته، وعلى التطبيع.. فهذا الوضع لا بد أن يتغير.
إسرائيل تمثل آخر احتلال في العالم، وهي بذلك في عكس مسار حركة الاستعمار الذي أتى بها، فالحقبة الاستعمارية برمتها انقضت، وصارت عارا في التاريخ، مع قناعتنا بأن الاستعمار إنما غيّر من أشكاله، لكن الاستعمار الإحلالي الإجلائي صار مرفوضاً ومداناً، خاصة بعد حرب أوكرانيا.
ولأن إسرائيل تستمد قوتها من ترسانتها العسكرية، فإن هذا لن يدوم، فلا يمكن لدولة أن تظل معتمدة على قوتها العسكرية فقط. ولأن إسرائيل تعتمد في وجودها وأسباب استمرارها على دعم الدول الكبرى لها، فهذه بالذات نقطة ضعفها، لأنها ستظل مرتهنة لدول المركز الإمبريالي، ولأن هذا الدعم غير مضمون بشكل مطلق.
وإذا كانت إسرائيل تعتمد على عنصرها البشري «اليهودي»، فهذا العنصر إن بدا الآن كتلة متناسقة فإنه في حقيقته هش، وقد أشرنا إلى العديد من التناقضات والتصدعات والصراعات التي تعتمل في مرجله، ومؤشرات الهجرة العكسية التي تقول إن نحو 700 ألف يهودي غادروا إسرائيل دون رجعة، ومثلهم تقريباً ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية، لكنهم يقيمون في الخارج.. فضلاً عن خسارة هذا العنصر المعركة مع الفلسطينيين في موضوع التوازن الديمغرافي، وهذه القضية تشكل أهم مأزق لإسرائيل؛ كيف تتعامل مع الفلسطينيين، دون أن تخسر صورتها «الديمقراطية»، التي بنتها زوراً وبهتاناً، وهي صورة مهمة جداً لضمان استمرار الدعم الخارجي، ودون أن تخسر هويتها الدينية اليهودية، وهي مسألة مهمة لضمان نقاء الدولة، وتحقيق الوعد الذي قامت لأجله «دولة لليهود»، ومن أجل حل المسألة اليهودية. (ماجد كيالي).
اليوم، من يحكم إسرائيل هم المستوطنون وقوى التعصب والتطرف اليميني، المثقلون بخرافات التاريخ، وعلى أيديهم ستكون نهايتها، فقد صارت إسرائيل خطراً على نفسها، وخطراً على العالم، والسلم العالمي.. وما لم تسارع الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل والدخول بكل ثقلها في عملية السلام وبمنتهى الجدية، ستجد نفسها غارقة تماما في وحل الشرق الأوسط، ولن تكون قدرتها على الصمود طويلة، سيما وأن مشروعها في العراق وأفغانستان قد كلفها الكثير، والضربات الاقتصادية أنهكتها.
ويخبرنا التاريخ أنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح، وأنّ إرادة الشعوب أقوى بكثير من الدبابات.