وكالات - مهند عبد الحميد - النجاح الإخباري - مضى خمسة عشر عاماً على حكم حركة حماس لقطاع غزة، وهي فترة كافية لتقييم التجربة والخيار الذي قدمته بديلاً لاتفاق أوسلو وأهم عناوينه، البرنامج السياسي، وأسلوب النضال، والديمقراطية، والوضع الاقتصادي.  
في التجارب الديمقراطية، تصعد قوى سياسية وتفشل أُخرى ويحدث التبادل السلمي للسلطة أو لمركز القرار. وفي تجربتنا الفلسطينية فشلت العملية السياسية وفشل اتفاق أوسلو كنموذج للحل السياسي. بالمعنى الافتراضي يمكن أن تتراجع حركة فتح صاحبة الاتفاق وأن يصعد البديل السياسي الذي قدمته حركة حماس، الداعي الى التحرير عبر المقاومة المسلحة وعدم تقديم أي تنازلات كالاعتراف بإسرائيل او التنازل عن أي جزء من أراضي فلسطين التاريخية، كما فعلت منظمة التحرير. كان التناقض الأول في موقف حركة حماس هو الإقرار العملي بقواعد «أوسلو» المُعرّفة والمؤيدة دولياً وعربياً. من خلال مشاركتها في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 وتشكيل الحكومة الفلسطينية بعد فوزها في الانتخابات. وفي الوقت نفسه ترفض حركة حماس اتفاق أوسلو. كان انتقال الحركة الى سدة الحكم بختم أوسلو يعني الافتراق عن «استراتيجية المقاومة» حيث لا يمكن الجمع بينهما. فقد سبق وأن حاول ياسر عرفات الجمع بينهما وسرعان ما جرى تقويض سلطته واعتبرته دولة الاحتلال «غير ذي صلة» فضلاً عن اغتياله، ولم يسعفه حصوله على جائزة نوبل للسلام من الصمود طويلاً في الجمع بين المقاومة والسلطة.
وثيقة «حماس» في العام 2017 تبنت موقف إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 (الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة). في محاولة لاكتساب الشرعية، غير أن هذه المحاولة أخفقت. الخلط السياسي الذي مارسته حركة حماس، قد يُفسر بأنه مناورة أو تكتيك لتجاوز حالة الحصار والعزلة، ولكن ممارسة «حماس» للسلطة وفقاً لمسمى وأنظمة «أوسلو» دفعها الى مقايضة وجودها بإعلان هدنة متجددة قد تتحول الى هدنة طويلة الأمد. وحتى عندما خرجت حركة حماس من السلطة الرسمية استمرت سلطتها كأمر واقع في قطاع غزة، باعتماد قواعد الحكم التي أسسها اتفاق أوسلو، وأهم قاعدة فيه هي الحفاظ على الهدوء وضبط المسلحين مقابل البقاء في الحكم.
وهذا يذكرنا بصعود الإخوان المسلمين للحكم في مصر وانتقالهم الدراماتيكي من تحريم التعاطي باتفاقات كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية عبر فتوى دينية قاطعة، الى الالتزام بها لحظة استلامهم الحكم. وبالمثل جرى تغيير الإفتاء حول إجازة العمليات الاستشهادية الفلسطينية، الى إفتاء بعدم إجازتها للحيلولة دون تدفيع سلطة «حماس» ثمن استمرارها.
ما تقدم يشير الى أن تجربة حركة حماس لا تملك مشروعا للتحرر الوطني بديلاً لاتفاق أوسلو، بل عززت فكرة أوسلو ورغبت وعملت على وراثة سلطته.
عندما نفذت حركة حماس انقلابها في العام 2007، كان المبرر الذي سوغته للرأي العام هو إزالة العقبة الممثلة بأجهزة أمن السلطة التي حالت وتحول دون مقاومتها للاحتلال، ودون شروعها بتحرير فلسطين. خلال 15 عاماً - 180 شهراً من سيطرتها الكاملة على قطاع غزة خاضت الحركة أربع مواجهات مع دولة الاحتلال استمرت جميعها 91 يوماً من اصل 5400 يوم، خسرت فيها دولة الاحتلال 117 قتيلاً عسكرياً ومدنياً، مقابل 4150 شهيداً وشهيدة اكثريتهم الساحقة من المدنيين. وخلال الاعتداءات دمرت دولة الاحتلال البنية التحتية للقطاع وشردت آلاف العائلات بعد تدمير بيوتها. لم تنجح حركة حماس في تغيير او تعديل قواعد الاشتباك لمصلحة المقاومة كما ورد في خطاب حماس اثناء الحرب. ولم تنجح في فك الحصار عن قطاع غزة إلا عبر الانفاق التي تقلصت في السنوات الاخيرة بنسبة كبيرة، ولم تَحدّ المقاومة من التغول الاستيطاني والاستباحة الإسرائيلية لمنطقة الاغوار والخليل وجنين في الضفة الغربية، ولم تَحدّ من تهويد القدس الذي تصاعد ايضاً. لكنها ساهمت في خلق متضامنين دوليين مع مقاومة الاحتلال وضد دولته الاستعمارية وجرائمها وضد نظام الابارتهايد الساري المفعول، برغم اتساع عدد الدول التي وضعت حركة حماس في قوائم المنظمات الارهابية.
ما هو جدير بالقول ان دولة الاحتلال تقايض بقاء سيطرة «حماس» مقابل تخفيف الخنق الاقتصادي وفصل القطاع عن الضفة الغربية لمنع الحل السياسي الذي يعزز الكيان الفلسطيني وتقرير المصير. حاولت حركة حماس في معركة أيار العام 2021 استخدام سلاح المقاومة لمنع الاعتداءات الإسرائيلية على مدينة القدس والمسجد الأقصى في مسعى ذكي لتعزيز نفوذها في الضفة الغربية. لكن الربط بين سلاح المقاومة وما يجري في القدس وجنين من تطهير عرقي وتصفية للشبان حدث مرة واحدة خلال الخمسة عشر عاماً وتوقف رغم التأييد الجماهيري الكبير لمبادرة «حماس». توقفت مؤازرة السلاح للاحتجاجات الشعبية في القدس والضفة واستمرت الاعتداءات الإسرائيلية واستمر الخطاب الشعبوي. لا شك في أن «حماس» تمتلك السلاح والخبرة في استخدامه وتستطيع التهديد به مستوطنات ومدن الغلاف والعمق الإسرائيلي، تستطيع الحصول على المنح المالية مقابل الهدوء، وتستطيع ارسال آلاف العمال داخل الخط الأخضر مقابل صمت السلاح، وتستطيع الدخول في الألعاب الإقليمية كورقة مهمة في تحسين الشروط. ويستطيع السلاح الإبقاء على ازدواجية السلطة والتشكيك في تمثيل المنظمة والسلطة او الدولة الفلسطينية لعموم الشعب. ويظل كل هذا الاستخدام في حدود المكاسب التنظيمية الفئوية، بعيداً عن عملية انتزاع حق الشعب الفلسطيني في الخلاص من الاحتلال وتقرير مصيره. بعيداً عن المسعى المفترض للانتقال من مسار أوسلو الى مسار تحرري بديل. لم تتمكن الثورة الفلسطينية منذ عام 65 من تحرير شبر من الأرض الفلسطينية المحتلة، لكنها ومن خلال سلاحها بلورت الهوية الوطنية وأعادت توحيد الشعب في إطار التعدد السياسي والثقافي والديني، ونقلت القضية الفلسطينية من كونها قضية لاجئين الى قضية حق تقرير مصير وتحرر، ووضعتها على الخريطة السياسية في الإقليم. كان المشترك في سلاح المنظمة وسلاح «حماس» العجز عن تحرير أجزاء من الوطن، وهو عجز ناجم عن شروط موضوعية. ولكن من قال ان ثورات الشعوب تنتصر عسكرياً على الضواري الاستعمارية، الشعوب تنتصر سياسياً ومن خلال تضامن ودعم شعوب العالم، ومن خلال تفاقم التناقضات الداخلية في صفوف المستعمرين المحتلين. ومن خلال إعادة بناء الشعب على قيم الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان.  وللحديث بقية.