وكالات - عاطف أبو سيف - النجاح الإخباري - إحدى أبرز تبعات الحرب الروسية الأوكرانية هي تغير شكل المعادلة الدولية في اليوم الثاني لانتهاء الحرب.
لا يمكن الجزم بالترتيبات التي ستلي الحرب ولكن المؤكد أن التغيرات ستشمل مواقع بعض الدول بجانب تغير موازين القوى والمعادلات.
لقد أثار تصريح الرئيس الروسي فلادمير بوتين قبل أيام حول انتهاء عصر القطب الواحد التساؤلات حول هذا المستقبل وكشف عن فهم روسي لما يجري في أوكرانيا أبعد من لحظات الحرب.
وفيما كان واضحاً منذ البداية أن التوجهات الروسية أبعد من حدود أوكرانيا إلا أنه لم يسبق الإشارة إلى النوايا الحقيقة للحرب إلا ضمن حدود تقزيم النظام في كييف أو الإطاحة به أو ما أطلق عليه النظام النازي هناك.
ولكن بات مؤكداً أن التوجهات الروسية المعلنة تشمل أيضاً تغير شكل العلاقات مع الدول الخارجية. فالعالم لن يبقى كما كان بعد انتهاء الحرب الباردة تقوده واشنطن.
ثمة بحث عن عالم مختلف لا تنفرد فيه واشنطن بتقرير مصير الكوكب. يصعب الجزم بأن هذا قد يحدث، ولكن الذي سيحدث أن هذا العالم سيتغير بطريقة أو بأخرى حسب نتائج الحرب، فإذا نجحت موسكو بحسم المعركة وفرض إرادتها في القارة فإن ما قال عنه بوتين قد يتحقق، ولكن إذ لم يحدث ذلك فإن موسكو ستدفع أثماناً باهظة وستتعرض لعملية تقزيم مؤلمة.
الثابت الوحيد في السياسة هو التغيير، فلا يوجد واقع لا يمكن تغيره.
لقد شهدت نهايات الحرب العالمية الثانية صعود قوتين على سلم الهيمنة تمثلت في مشهد التقاء الدبابات الروسية والأميركية في «بوت تشك شارلي» في منتصف برلين، إنه الموضع الذي سيبنى على حده الفاصل جدار برلين الذي سيقسم ليس قط ألمانيا إلى شرقية وغربية بل أيضاً سيقسم القارة كلها والعالم من خلفها.
تلا ذلك ما عرف بالحرب البادرة تعبيراً عن عدم وجود استقرار وتصالح بين الدولتين العظميين دون وجود حرب حقيقية.
لقد ظل العالم محكوماً لهذه الثنائية في كل زواياه ومواقعه، وشهد توترات كادت تقود إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة، ربما أقرب تلك اللحظات كان أزمة خليج الخنازير وغيرها. ولكن التوازن الذي فرضته القوة والقوة المضادة خلق نوعاً من الردع الذي قضى بالخوف من المواجهة.
مع انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي بات واضحاً أن موسكو جلست في مقعد المتفرجين.
جروح كثيرة كان يجب تطبيبها بعد فقدانها لزعامة المعسكر الشرقي، بل إن هذا المعسكر لم يعد موجوداً من الأساس.
هيمنت واشنطن على العالم وفرضت إرادتها في كل اتجاه وخرجت مقاتلاتها تقصف في كل مكان من صربيا إلى كابول إلى بغداد وتمددت قواعدها العسكرية في اتجاهات الأرض الأربعة، وصار العالم حقاً أحادي القطب وصار الشرطي الأميركي ضابط الحي الوحيد الذي يفرض إرادته على جميع السكان.
في ظل ذلك ظهرت دعوات لعالم متعدد الأقطاب، وظهرت نظريات مختلفة تقول بصعود أكثر من قوة ومطالب بتوسيع العضوية الدائمة في مجلس الأمن، لكن الحقيقة ظلت أن العالم يقبع أسفل السلم الذي تعتليه واشنطن.
لا يمكن الجزم بالآلية التي يمكن أن تنتهي بها الحرب، لكن المؤكد أن الحرب التي كان يمكن وضع أهداف متواضعة لها ولكن تكون نتيجتها مؤلمة امتدت إلى أشهر وبدأت تأخذ شكل الحروب التقليدية طويلة الأمد.
أوكرانيا لا تقاتل وحدها، بل تقاتل بالوكالة عن الولايات المتحدة وعن أوروبا بشكل علني. فواشنطن وعواصم أوروبا المختلفة هي من تمد كييف بالسلاح والعتاد وتتعهد لها بكل شيء من أجل الصمود.
المطلوب أن تظل أوكرانيا تقاتل حتى لا تنتصر موسكو. شعار واضح يتم القتال من أجله مهما كلف الثمن. فالسلاح لا يتوقف والدعم المالي لا ينضب من أجل أن تواصل كييف الصمود ولا تسقط فتجد أوروبا الدبابات الروسية على التخوم.
السؤال المرتبط بذلك هو إلى أي مدى يمكن أن يستمر هذا الوضع.
ثمة ملاحظات واجبة. الأولى تتعلق بمقدرة كييف الحقيقية على الصمود.
لا يبدو الوقت لصالح أوكرانيا فكلما مر الوقت أكثر تعرضت للدمار أكثر.
في كل الأحوال لا يمكن المقارنة بين قدرة موسكو على الاستمرار في الحرب وقدرة كييف على الصمود.
صحيح أن كييف تحارب بالوكالة عن كل الدول الغربية ولكنها في نهاية المحصلة تدفع ثمن الحرب وحدها، فالحرب ليس السلاح الذي تمتلك بل أيضاً مقدرتك على تجنب الخسائر.
من الواضح أن هذه القدرات لن تنفع كييف على المدى البعيد. الملاحظة الأخرى تتعلق بالمستقبل أيضاً. لاحظوا تعليق أمين حلف الناتو قبل أسبوع حين قال إن على كييف أن تفكر بالثمن الذي ستدفعه من أجل السلام.
وكان أحد المواقع قد وصف تعليقه بالقول «الشيطان يعظ»، فالموعظة التي قالها قالت أيضاً إن على كييف أن تفكر في التنازل عن بعض أراضيها من أجل السلام.
هذا يعني أن الناتو لن يستطيع أن يفعل لأوكرانيا أكثر من ذلك وأن إمدادات السلاح لن تزيد على الذي تم تقديمه.
ببساطة تذكروا فموسكو لم تتورع مؤخراً عن قصف مخازن السلاح التي ترسلها أوروبا و»لأن من يدعم عدوي في الحرب يصبح هدفاً». هذا أحد قوانين الحروب. والناتو لا يريد أن يصبح طرفاً مباشراً في الحرب الدائرة.
أيضاً فإن لدافع الضرائب في أوروبا كلمة في نهاية المطاف. يوم أمس خرجت تظاهرة في روما ضد إرسال السلاح للحرب. لأن هناك من يعارض فكرة الحرب من الأساس ولأن هناك من لا يريد أن يدفع من جيبه فاتورة الحرب.
هذه التظاهرة لن تكون الوحيدة فكلما مر الوقت سيخرج المزيد من الأصوات التي تسأل: لماذا ندفع لهم بسبب خلاف حدودي.
لا يمكن التنبؤ بنهاية الحرب لكن يمكن اليقين بأن شكل العالم لن يظل كما هو.
ملاحظة، الرئيس الصيني قبل يومين صرح أيضاً بأن عصر القطب الواحد في طريقه إلى النهاية.