رامي مهداوي - النجاح الإخباري - عند مدخل الطائرة المتجهة إلى دبي جاءني خبر صادم تمثّل بوفاة صديقي محمود بدر المعروف باسم «جو» بسبب انهيار مبنى قيد الإنشاء في الحي الشمالي لمدينة طولكرم، محمود الذي قاتل اقتصادياً... ثقافياً.. اجتماعيا... وطنياً من أجل إثبات ذاته بأنه مواطن بسبب عدم امتلاكه «هوية». وعندما حصل عليها من الدفعات الأخيرة التي أعلن عنها؛ عاش عدة أشهر سعيداً لكن السعادة لم تمهله وقتا كافيا.

الشباب الفلسطيني يعيش حالة من الأرق والإرهاق والمُنغصات في كافة جوانب الحياة، وفي كل المدن والقرى وجميع المخيمات الفلسطينية في الداخل أو في الشتات، لكن ما يُميز شبابنا الفلسطيني بأنه يستطيع النجاح بمفرده في كافة الميادين التي يتواجد بها، هو بحاجة إلى الفرصة من أجل أن يضع بصمته الناجحة بكل ثقة.
في دبي، تعرفت على المهندس زيد السعداوي ابن رفح، قصة نجاح فلسطينية تؤدي لها تعظيم سلام. حيث خرج بعد الانقلاب مباشرة بطريقة تقشعر لها الأبدان، والآن، هو مدير تنفيذي لواحدة من كبرى شركات البنية التحتية، ليثبت ذاته بذاته دون أي واسطة أو دعم من أي من كان.
بعد غياب عشرين عاما، التقينا ثلاثتنا؛ رامي غانم ابن قرية دير الغصون قضاء طولكرم، وإبراهيم الشنطي ابن مدينة قلقيلية، تذكرنا نهاية مرحلة وبدايات ما بعد الجامعة، ولكل منهما قصة نجاح في مواجهة الغربة وكأنهم يسترجعون رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس» لكن في عالم العولمة وشركات متعددة الجنسيات، وهم، الآن، في مواقع متقدمة، ينشئون عائلة يحافظون على قيمنا الفلسطينية الوطنية كما تربوا عليها في جامعتنا، جامعة بيرزيت.
شبابنا ليسوا متواجدين فقط في القطاع الخاص، وإنما أيضاً في المؤسسات الحكومية، الأهلية، وشبه الحكومية، صادق جرار من شبابنا الذين يسطرون رؤيا عربية ودولية على الصعيد الإعلامي والشبابي من خلال روحه المهنية وبمصداقيته في العطاء ما جعله يتعامل مع كبار قيادات دبي.
وحتى أكون منصفا، هناك أيضاً عدد كبير من النساء الفلسطينيات اللواتي يقتحمن كافة الميادين وبنجاح، وخير مثال سمر الشرفا التي تعرفت عليها مصادفة والتي تشغل منصب المدير التنفيذي لمنصة «هي عربية» التي تهدف إلى أن تكون المنبر الأبرز لإيصال صوت المرأة العربية، ومرجعاً موثوقاً للمساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
يوسف السعدي، سائد أبو جراد، علي أبو خضر، شاكر قباجة، بدر العتيلي .. وغيرهم الكثير الذين يعصف بهم الحنين إلى الوطن، وبين حب الوطن وبين البحث عن الذات يخوض كل منهم صراعه اليومي في مواجهة مستقبله هو وعائلته النووية، وعائلته الممتدة، عين على الوطن وعين على واقعهم في الغربة، يتابعون أخبار الوطن أكثر بكثير ممن هم في الوطن؛ فهو الحنين القاتل بكل التفاصيل اليومية.
بين رحيل صديقي «جو» واغتراب أصدقائي في دبي توجد علاقة جدلية غير مرئية، لكنها أحد أسرار الكينونة الفلسطينية التي أوجدها الله في جينات شعبنا؛ المتمثلة بأن الشاب الفلسطيني طاقة متجددة بذاته، لا ينتظر أحدا بقدر ما ينتظر الفرصة التي سيبرهن بها للجميع بأن كل فرد فينا عبارة عن حكاية، وكل حكاية عبارة عن دروس وعبر. أحد أهم مكامن قوتنا كشعب هو ما قاله الشيخ حسني لحام من باقة الغربية في الداخل الفلسطيني «شبابنا ملاح».

• هذا المقال أكتبه نيابة عن صديقي المرحوم محمود بدر إلى كل شبابنا الفلسطيني في الوطن والمهجر.