عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - غريب أمر العرب.
يحظى نفتالي بينيت بقمة ثلاثية مع مصر والإمارات في وضع يقف فيه العالم كله أمام زلزال لم نشهد بعد سوى هزاته الأولى ليس إلّا.
ليس هذا فقط، وإنما تتحدث أوساط إسرائيلية أن القمة تنطوي على أبعاد أمنية «إقليمية»، ويفهم من هذه الأبعاد تطوير منظومات أمنية متكاملة لمنطقة الخليج، ولما هو أبعد من منطقة الخليج، وتلعب فيها منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي التي تعمل بالليزر، وعلى ما يبدو ستكون المنظومات الإسرائيلية هذه هي الغطاء المطلوب لحماية الأجواء الخليجية، وربما العربية (من يدري؟)، معزّزة بالمنظومات الأخرى الروسية (S300) و(S400)، إضافةً طبعاً للمنظومات الأميركية من طراز «باتريوت».
أما كل هذا فيأتي «تحسّباً» لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي الإيراني الجديد، ولمواجهة «الخطر» الإيراني، والطائرات المسيّرة، والصواريخ التي تملكها إيران، وبعض أدواتها في الإقليم.
أمّا الطّامة الكبرى فإن الولايات المتحدة تبارك القمة كما تقول! ولكنها تعتبر أن «أهمية» هذه القمة تكمن في بحث تداعيات الأزمة الأوكرانية على الإقليم، وخصوصاً في مجال أزمة الغذاء؟!
دعونا نرَ الأسباب الحقيقية لهذه القمة، وما هي «الظروف» التي استدعت انعقادها؟، أو لنقل المعطيات التي «فرضتها»؟
يُقال، إن الإمارات العربية المتحدة لا ترى في الولايات المتحدة الأميركية الحليف الموثوق، ليس فقط لأن الولايات المتحدة اعتادت أن تبيع تابعيها بأبخس الأثمان عند «الضرورة»، وليس لأن أميركا لم تعد أميركا، وأن العالم الجديد قد لا يمكّنها من الدفاع عن أتباعها بالقدر الكافي، والشكل الذي تراه، وليس فقط لأن أميركا يمكن أن تنقل بندقيتها من كتفٍ إلى كتفٍ إذا تغيرت الأحوال، وإذا ما استجد من مصالح، أو تطلّب من استدارات... وإنما (وربما هذا هو الأهم) لأن الولايات المتحدة ليست راضية، وربما ليست راضية بالمطلق عن تقارب الإمارات مع سورية، وليست راضية طبعاً عن «انفتاح» الإمارات على موسكو، خصوصاً في الظروف الحالية، ولهذا يُقال، إن الولايات المتحدة أرادت «لملمة» الطابق الإماراتي أولاً، على طريق لملمة الطابق السعودي لاحقاً، لأن باقي دول الخليج، إما أنها خارج اللعبة الأميركية، أو أنها محايدة وتنأى بنفسها عن الصراع المباشر مع إيران، أو مضمونة بالكامل لصالح الموقف الأميركي وتصنف في البيت الأبيض على أنها الحليف الأقرب من خارج حلف «الناتو»؟!
باختصار، يمكن أن تكون هذه القمة ربما هي محاولة لترميم ما تم من خللٍ في العلاقة الأميركية مع بعض بلدان الخليج، وربما تكون، أيضاً، الثمن الذي طلبته إسرائيل مقابل «تفهمها» لخطوات التقارب الإماراتية مع سورية، على اعتبار أن حلاً سياسياً في سورية سيؤدي حتماً إلى ابتعاد سورية أو «تخلّصها» من «السطوة» الإيرانية، إضافةً إلى ما تطمح له كل من مصر والإمارات في إعادة إعمار سورية.
كما أن من احتمالات عقد هذه القمة من زاوية الأسباب والدوافع يمكن أن تكون «بداية» لإدخال المزيد من الأنظمة العربية إلى دائرة «التحالف» الجديد بين النظام العربي الرسمي بمباركة أميركية على أن يتم التفاهم على «حل» سياسي في جوهره إسرائيلي، أما من حيث بعض الأشكال فهو حل بوصاية عربية وتحكّم إسرائيلي ومباركة أميركية.
باختصار، ليست هذه القمة مجرد لقاء ثلاثي، وليست مجرد اجتماع اقتضته بعض الاعتبارات الطارئة، وإنما على الأغلب هي محاولة جادّة لاستثمار الظروف الإقليمية التي في حالة اهتزاز كبيرة جرّاء الحرب التي تدور على الأرض الأوكرانية لبناء حلف سياسي جديد، أو «الناتو» الشرق أوسطي الجديد، مقابل «تنازل» إسرائيلي عن رفض الحل «والقبول» بمبدأ وجود حل يبقيها في دائرة التحكم والسيطرة، ويحول الوضع الإقليمي برمّته إلى مظلة إسرائيلية بوصاية أميركية.
هذا ما تخطط له الولايات المتحدة، وهذا ما تقوم إسرائيل بتحضيره للمنطقة في الظروف الدولية الجديدة.
باختصار أيضاً، لم يعد العرب على استعداد لتحمّل أعباء القضية الفلسطينية، وهم وصلوا إلى الدرجة التي فقدوا من خلالها كل أوراقهم، وحتى أدواتهم للضغط على الولايات المتحدة، وعلى إسرائيل، ولم يتبقَّ أمامهم سوى الضغط على الجانب الفلسطيني لقبول الحلّ المشوّه، بصرف النظر عن كل ما يمكن أن يسوّق به هذا الحل.
والمصيبة أن القيادة الفلسطينية على طرفيّ المعادلة الفلسطينية أسيرة لهذا الواقع، وهي في ظل هشاشتها ومصالحها لا تملك القدرة ـ حتى ولو أرادت الآن ـ التمرد على هذا المسار، ولم يعد سقفها السياسي يقوى على اختراق غلاف هذا المسار.
والمصيبة الأخرى أن الحالة الفلسطينية إذا ما بقيت القيادات الفلسطينية على حال رؤاها وارتباطاتها وطرائقها في إدارة الصراع الداخلي ستعيد القضية الوطنية إلى الإلحاق والوصاية والتبعية مع أن قرارها الوطني المستقل هو الذي حماها ومكّنها من «الصمود» في كل الظروف التي عصفت بها.
وحتى لو تجردنا عن مصالح طرفي المعادلة السياسية وانحيازاتها الاستقطابية والتجاذبية فإن حال ما يسمى التيار الثالث، أو اليساري أو غيرها من المسمّيات هي أعجز من أن تأخذ زمام المبادرة لا على صعيد إعادة تعريف المشروع الوطني، ولا على مستوى الاستنهاض الوطني، ولا على فرض الحياة الديمقراطية حتى في الحياة الحزبية الداخلية لهذا التيار.
وكما أرى، سيصعب على طرفي معادلة الصراع الداخلية «مقاومة» الواقع الجديد تماماً كما هو حال العجز الذي هو عليه التيار الثالث، والأفضل تسميته التيار البيني.
وحتى نضع الأمور في نصابها فإن هذا لا يلغي أبداً أن الغالبية الساحقة من كوادر الحركة الوطنية وقياداتها هي قيادات وكوادر وطنية وكفاحية، لم تنقصها التجربة النضالية ولا حتى القدرة على إعادة إنهاض الحالة الوطنية في ظروف إعادة بناء الحركة الوطنية الجديدة.
أقصد أن الحركة الوطنية الفلسطينية بما هي عليه من تاريخ كفاحي، وصراع مرير مع ميزان القوى المختلّ بصورة كبيرة لصالح أعداء الشعب الفلسطيني، وبما تنطوي عليه من ثقافة وطنية، وما تمثله من كيانية، هي من أهمّ وأعزّ احتياجات الشعب الفلسطيني، وبما تعكسه وتجسّده من الرواية الفلسطينية الحديثة في صدامها الملحمي مع جبروت المشروع الصهيوني هي حركة مؤهّلة إذا أعادت بناء نفسها على الأسس والمرتكزات التي أتينا عليها من الناحية النظرية المجردة، لكن شروط إعادة البناء مرهونة بتجديد قياداتها على كل الصعد والمستويات بما يوازي ويستجيب للتحديات التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى تحديات وجودية.
وحتى تتمكن الحركة الوطنية الجديدة من أن تعيد بناء نفسها فهي أصبحت موضوعياً تحتاج إلى هذا البناء في إطار عملية كفاحية جادة ومنظمة مشتبكة مع الاحتلال وأدواته ومنظوماته، وتحتاج إلى برنامج وطني جديد قادر على إعادة توحيد الشعب الفلسطيني كله ليس بهدف إقامة دولة واحدة، أو دولتين أو ثلاث، وإنما برنامج عنوانه وهدفه هو إسقاط نظام الفصل العنصري في إسرائيل، وهو البرنامج الذي يعني في المحصّلة إسقاط المشروع الصهيوني بصرف النظر عن شكل حق تقرير المصير الذي سينتج عن تحقيق هذا الهدف.
في زمن تصبح فيه إسرائيل عنواناً للتحالف العربي معها، والتنسيق الخاص مع منظوماتها وأهدافها وطموحاتها سيستحيل على الشعب الفلسطيني التقدم باتجاه أهدافه دون حركة وطنية فاعلة ومتجددة لإعادة ترتيب الزمن في هذا الإقليم وفق التوقيت الفلسطيني.