وكالات - حسن البطل - النجاح الإخباري - عيدية حب لصغار منحونا، في منافينا، رتبة «عمّو» قبل (أو بعد) أن منحنا أولادنا رتبة «البابا». هؤلاء أولاد رفاق: في السلاح والقلم؛ الدم والدموع؛ الفرح والترح .. هموم آخر الليل، وتحيات الصباح العذبة.
أولاد جيل من «قبيلة المنفى» الفلسطينية، حملناهم من بلد الى بلد، وحملوا جوازات سفر مختلفة عن جوازات الأب والأم. عاش الرفاق قصص حب الرفاق. حضروا زفافاتهم أن استطاعوا. حملنا بواكير نسلهم، وحملوا بواكير نسلنا: ماما. بابا.. و»عمّو»!
العم الحق كان غائباً. الجدّ الحق كان غائباً .. وكانت عائلة المنفى: «بابا، ماما .. وعمّو». كل رفيق للبابا هو «عمّو». كل رفيقة للماما هي «خالة».

1 - براءة
اسمها براءة ابنة حسيب الجاسم، العراقي العربي و»مها» السورية: الكردية لجهة الأب، والعربية لجهة الأم. سألني حسيب في نيقوسيا:
- هل عشت أقصى التعب والرعب؟ كنا نصعد تلال ضفة النهر الشرقية، منسحبين نحو الشرق بعد عملية فدائية، بينما تصلينا الرشاشات نارها من الجهة الغربية.
سألني، أيضاً: ما هو الحب؟
قلت: مها وبراءة. ضحك حسيب، مقاتل «القيادة العامة» والمخرج الفني. الفنان التشكيلي.. ورسام الكاريكاتير.
ولدت «براءة» في بيروت. كبرت في قبرص.. تزقزق مع الأولاد «عمّو» .. ثم كانت الهجرة إلى السويد سبيلاً متاحاً لجواز سفر سويدي لبراءة، ثم لحسيب ومها.
اليوم، بالذات، يوم زفاف براءة، في القاهرة، على شاب مصري تعرفَت إليه في السويد، التي نادتنا «عمو»، آن ان يناديها أولادها غداً: ماما .. سورية - عراقية - سويدية - مصرية؟!

 2- ابن الأصيلة
لا أدري في أي أرض يقيم، الآن، «هادي دانيال» وزوجته «أصيلة بني هلال»، نسيت اسمه الحقيقي في بيروت، وتذكرته في تونس (محمد الوزة).. وفي تونس عاش قصة حب تروى:
 «لا نزوج ابنتنا لغريب، حتى لو كان مسلماً فلسطينياً.. فكيف بغريب مسيحي. ابنتنا أصيلة بني هلال». لم يكن «هادي دانيال» فلسطينياً، كان سورياً.. وكان مسلماً، وكان اسمه حركياً - ابداعياً .. أجبر أن ينتحله إلى آخر عمره.
صديقنا الناقد السينمائي حسان أبو غنيمة، مازح الأصدقاء في الشام: هادي استشهد في بيروت. والد هادي استخرج له شهادة وفاة. لم يعد له رقم بين «الأحياء»!
أثمرت تغريبة الفلسطينيين في تونس عن انتصار حب هادي، الذي تزوج من «أصيلة بني هلال».. شاعرة مثله.. تدعى نجاة العدواني. حاجة ابنهما إلى جواز سفر أوصلتهما إلى بغداد. لعل ابنهما يستعير، في يوم العيد، شفرة حلاقة والده.

3 - «نهاوند»
«هل الوطن فرصة» سأل نصري الحجاج رفاقه في تونس. أهمل اغتنام فرصة «الرقم الوطني».. فبقي متنقلاً بين مخيم عين الحلوة، ومكاتب (م. ت. ف) في تونس.. وابنه «نهاوند» وزوجته «تارا» في لندن.
بعد الأربعين وقع الفلسطيني اللاجئ نصري في حب العراقية الكردية «تارا». انتصر الحب على والدها العنيد .. اللاجئ من كردستان إلى لندن، الذي قال له: أملاكي في كردستان أكبر من مخيمات الفلسطينيين في لبنان، ومن بيروت الغربية أيضاً.
الحب كان أكبر. لكن «نهاوند» باكورة الحب، يحتاج جواز سفر بريطانيا.. تاركا والده يستمتع بوثيقة سفر اللاجئ، غير نادم على رهافة: «هل الوطن فرصة»؟
هل تفهمت «تارا» انحياز الفلسطينيين الى العراق خلال حرب الخليج؟ لا أظن. نسأل نصري، عبر البريد، عن نهاوند. «انه ينمو».. عسى أن يفهمنا «نهاوند» حيث فشلت «تارا» الجميلة. «الوطن ليس فرصة»؟ لعله كذلك، أحياناً يا نصري: كل عام ونهاوند «ينمو» في خير.

 4 - ران
«أخو الحرب أغبرا». ولقد رأيت سليم بركات «مغبراً» في حرب بيروت الحصار.. وهازلاً في قبرص.. وجاداً تماماً مع الورقة والقلم. فلسطيني أكثر من معظم الفلسطينيين، وهو الكردي السوري. في قبرص رفض أن يرافقنا إلى فلسطين.. ربما لتبقى فلسطينه في البال أجمل من فلسطيننا في الواقع.
استمتعت كثيراً بحوار نوري الجراح مع سليم بركات، كما نشرته «الأيام»، وخاصة صداقته الفريدة مع ابنه «ران»: يساعدني في سقاية مزروعات البيت، فيسقي الارض اكثر من الشجر. هددته: سأزرعك. قال: ازرعني»!
صمد سليم وزوجته سينثيا (نصف اليونانية - نصف الفلسطينية) خمس سنوات في قبرص، بعد رحيلنا.. ثم حمل عالمه العائلي البديع، وغادر إلى السويد. كل عام وأنت بخير «عمو ران». هل ستزرع البابا والماما في ثلوج السويد؟
 ***
لجميع الأولاد الذين نادونا في المنفى «عمو»، ولا نراهم في العيد.. لهؤلاء نقول سلاماً يا أولاد «قبيلة المنفى».. عسى أن تكون منافيكم أحلى مما كانت منافينا. كان منفى البابا «وعمو» صعباً.. والوطن أصعب.

حسن البطل