نابلس - عبد الغني سلامة - النجاح الإخباري - تتفاقم أزمة سد النهضة يوماً بعد يوم، دون بوادر لحلها سلمياً، وقد تتطور الأمور إلى نشوب صراع عسكري، إذا ما اضطرت مصر إلى استخدام القوة، بالرغم من الجوانب الخطيرة لهذه الخطوة، والتي على ما يبدو ستكون أقل ضرراً من الخطر الحقيقي المتمثل بتعطيش المصريين.
وفي الجهة المقابلة قد تذهب إثيوبيا في التحدي إلى آخر مدى، في الدفاع عمّا تعتبره مصالحها الحيوية.
والخلاف حول نهر النيل ليس جديداً، ولم ينشأ بعد البدء ببناء السد؛ بل إنه يرجع لأكثر من قرن، حين كان حوض النيل بأكمله يخضع للاستعمار الأوروبي، والذي كان همه الرئيس الهيمنة على مياه النيل، بما يخدم مصالحه في القارة، دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح دول الحوض، وقد رأت إثيوبيا أن الاتفاقيات التي عقدت بشأن تقاسم المياه لم تكن عادلة، وأنها سلبت دول المنبع (إثيوبيا وأوغندا) حقها في المياه لصالح دولتَيْ المصب (مصر والسودان)، فيما ترى مصر أن حصتها من المياه أقل من احتياجاتها الفعلية، وبناء السد سيؤثر عليها سلبا.
يقع السد على النيل الأزرق على بعد 40 كلم من الحدود السودانية الإثيوبية. وتقدر تكلفته الفعلية بحوالى خمسة مليارات دولار، بتمويل غربي وأميركي (البنك الدولي، وبنك الاستثمار الأوروبي، وبنك التنمية الإفريقي)، والصين، وإسرائيل.
وعند اكتمال عمليات الإنشاء سيكون أكبر سد كهرومائي في القارة الإفريقية (والعاشر عالمياً) بطاقة توليد تصل إلى 6 آلاف ميغاوات.
وتخشى مصر بشكل كبير من تراجع حصتها من مياه النيل على ضوء ضخامة المياه اللازمة لتعبئة البحيرة الاصطناعية المتشكلة بمساحة 246 كيلومتراً مربعاً وتتسع إلى أكثر من 74 مليار متر مكعب، وهي كمية تزيد على حصتي مصر والسودان مجتمعتين.
لا تعاني إثيوبيا من خطر الجفاف، فلديها 9 أنهار و12 بحيرة، لذا فإن حاجتها للسد ليست لتخزين المياه، بل لتوليد الطاقة الكهربائية، حيث 70% من البلاد لا تصلها الكهرباء، وبالتالي فهي تعول على السد لإحداث تنمية كبيرة في البلاد، وتحقيق عائدات سنوية تقدر بنحو ملياري دولار.
ولا تعترف إثيوبيا باتفاقية «أديس أبابا» للعام 1902، وتقول إنها أُجبرت عليها، والتي تنص على عدم قيام إثيوبيا بأي مشاريع أو سدود على النهر قد تُؤثِّر على حصة مصر من المياه، ولا تعترف باتفاقية 1929، التي تعطي لمصر حق الاعتراض على أي مشروع مائي على نهر النيل، ولا باتفاقية 1959، التي تعتبرها مجرد اتفاقية ثنائية بين مصر والسودان.. وكبديل عن هذه الاتفاقيات، وقع ست من دول الحوض (عددها 11 دولة) «اتفاقية عنتيبي» العام 2010، لإعادة توزيع حصص المياه، وقد رفضتها خمس دول وأهمها مصر والسودان.
بدأ التفكير العلني ببناء سد النهضة في العام 2001، أما حجر الأساس فقد تم وضعه في العام 2011، ومن الواضح أن توقيت الإعلان قد جاء متأثراً بالتغيرات السياسية الإقليمية التي حدثت آنذاك؛ انفصال جنوب السودان، حيث دولة الجنوب ضعيفة ومتخلفة، ولن يكون بمقدورها التأثير في المحيط، أما الخرطوم فكانت غارقة في أزمات اقتصادية وسياسية بسبب قرار المحكمة الدولية لمحاكمة البشير، وتداعيات أزمة دارفور، أما في مصر فقد اندلعت ثورة يناير، التي أدخلت البلاد في مرحلة اضطرابات سياسية وقلاقل داخلية، أدت إلى تراجع نفوذها الإقليمي؛ بل تراجع الدور العربي عامة.
كان موقف السودان معارضاً للسد، ثم تغير، وفي تصريح لمعتز موسى وزير المياه والسدود السوداني قال: إن السد لن يؤثر على حصة السودان من المياه، بل سيحميه من الفيضانات والجفاف، وسيزوده بمصادر إضافية من الكهرباء، لذا فهو غير معارض تماماً.
أما مصر، فهي معارضة منذ زمن بعيد، وقد سبق لها قصف منشآت تتعلق بالسد العام 1976، لكن الموقف اليوم مختلف، وعلى ما يبدو أن الوقت قد فات على إمكانية إيقاف بناء السد، فقد وصل المشروع إلى نقطة اللاعودة، وما هو مطروح حالياً في المفاوضات هو فترة ملء السد، حيث تريد إثيوبيا ملأه في ثلاث سنوات، فيما تطالب مصر بخمس سنوات على الأقل، ومن الواضح أن إثيوبيا تعطل المفاوضات كسباً للوقت، إلى حين اكتمال البناء، ويصبح السد أمراً واقعاً.
تخشى مصر من خطر العطش، في حال انخفاض حصتها من مياه الشرب، التي لم تعد كافية بعد الزيادة الكبيرة في تعداد السكان، وحيث سيتأثر معظم الأراضي الزراعية.
وهناك دراسات بحثية عبرت عن مخاوفها من آثار بيئية مدمرة للسد؛ فالأرض المقام فوقها قلقة زلزالياً، ومع الأوزان الهائلة للمياه المحتجزة قد ينهار السد مع أول زلزال، خاصة أن تصميمه الهندسي فيه عيوب، وبالتالي سيغرق السودان في الفيضان، والطمي، فيما يشكك الإثيوبيون في دقة تلك الدراسات.
هل يمكن لأزمة خطيرة من هذا المستوى أن تكون بمعزل عن إسرائيل؟
إسرائيل ومنذ بداية الستينيات وهي تولي اهتماماً كبيراً بإفريقيا، وبالذات منطقة حوض النيل والقرن الإفريقي، لأسباب إستراتيجية وسياسية وأمنية، ولم يعد خافياً دعم إسرائيل لإثيوبيا في بناء السد (تقنياً، ومادياً، وأمنياً)، إذْ أكد وزير الري والمياه المصري السابق محمد علام وجود طابق كامل في مبنى وزارة المياه والكهرباء الإثيوبية يقيم فيه خبراء إسرائيليون، يقدمون الخبرة التفاوضية والفنية للفرق الإثيوبية، وتحدث نائب رئيس الأركان المصري محمد بلال عن وجود إسرائيليين يعملون في السد، وعن شركات إسرائيلية لها علاقة باحتياجات السدّ، كما أكد النائب المصري أحمد العوضي وجود عشر مؤسسات إسرائيلية تعمل في إثيوبيا، وأن الدعم الإسرائيلي لإثيوبيا يستهدف التأثير على المصالح المصرية وأبرزها حصة مصر من النيل.
وفي 2019، نصبت إسرائيل منظومة دفاع جوي من نوع سبايدر حول السدّ، يمكنها إسقاط الطائرات الحربية على بعد 5 - 50 كلم. ما يعني أن مصر ستقاتل عملياً إسرائيل في حال شنت هجوماً على سد النهضة في إثيوبيا.
مع تعثر المفاوضات، باتت المنطقة تترقب بأعصاب مشدودة اندلاع حرب، وإذا لم تندلع، سننتظر سنوات ثقيلة حتى يمتلئ السد، وخلالها سيترقب المصريون كيف ستؤمّن الدولة حصتهم من المياه، وكيف ستجنّبهم العطش. فيما سينتظر الإثيوبيون الكهرباء، وسيختبرون جدية وعود الدولة بشأن التنمية، وسنعرف لمصلحة من كان بناء السد؟ .