بلال النتشة - النجاح الإخباري - ثمة مخزون هائل من الطاقة الوطنية غير المتوقعة، انفجر بشكل لافت ومبهر من داخل الشباب المقدسي في وجه الاحتلال الذي اعتقد واهما ان مروءة وشهامة الجيل القديم قد اندثرت وان الجيل الشاب الجديد فاقد لهذه السمات وانه فقط يبحث عن مصالحه الفردية ولا تعنيه قضيته الوطنية . لكن ما جرى كان عكس ما تشتهيه سفن المؤسسة الاسرائيلية ، فجاءت الهبة من شباب بعمر الورد، فكانت المفاجأة التي حطمت اسطورة ” الكبار يموتون والصغار ينسون”. ولم يقف الامر عند هذا الحد، فقد توسعت رقعة المواجهات لتشمل كل الوطن الفلسطيني ” الضفة الغربية ، قطاع غزة- حالة استثنائية – عدوان دموي – ومدن وقرى الداخل المحتل عام 48 ” ولتصل ذروة التضامن الى جنبات الدنيا الاربع فتعرى الاحتلال واصبحت روايته مكشوفة وعاد الخبر الفلسطيني في مقدمة نشرات الاخبار في كل فضائيات العالم العربي والاسلامي والغربي.
هذه هي فلسطين تقول كلمتها في اللحظة التاريخية الدقيقة وتلفظ كل المتآمرين على قضيتها العادلة سواء كانوا من الداخل او الخارج ،فيما المقدسيون على وجه الخصوص هم سنان الرمح في مواجهة سيف المحتل الذي بات لزاما عليه ان يلجم شهيته نحو التهام الهوية العربية للمدينة منكرا وجود الاخر وحقه بالعيش بامن وسلام وهدوء .
لقد اثبتت القدس ان الحق الفلسطيني لا يسقط بالتقادم، فها هي عائلات الشيخ جراح وبطن الهوى في سلوان تقاتل بالكلمة والوثيقة والوقفة والاعتصام والهتاف والاغنية والشعار والاعلام المجتمعي .وما الاخت الفاضلة الفلسطينية المقدسية حتى النخاع “منى الكرد” الا نموذجا صارخا على قدرة الشباب الفلسطيني العظيم في ايصال الرسالة الانسانية والسياسية العادلة للمجتمع الدولي الذي لم يعد قادرا على محاباة اسرائيل والتسليم بروايتها المزيفة.وكل ذلك يعود الفضل فيه اضافة لما ذكر، لصمود الاهل على ارضهم وتمسكهم ببيوتهم لانها حقهم المقدس الذي لن يتنازلوا عنه الا على جثثهم كما صرحوا بذلك لكل وسائل الاعلام ومنها العبرية التي نقلت مرغمة، المشهد بواقعية لادراكها ان نتنياهو يقحم المجتمع الاسرائيلي في حالة اشتباك دائم لن يكون ثمنه الا دماء ودموعا والما من كلا الجانبين ، وهذا كله فقط من اجل استرضاء غلاة المستوطنين لضمان اصواتهم وبقائه في الحكم .
ان المشهد العظيم لحالة التضامن التي حققها المقدسيون في كل بقاع الارض وتحديدا في الاردن وتركيا وتونس وصولا الى الدول الاسلامية والغربية واميركا ايضا،لكفيلة بتغيير المشهد القاتم واعادة عقارب الساعة الاحتلالية الى الوراء، فما كان قبل الهبة ليس كما بعدها. فاليوم لايمكنهم استعطاف الشعوب وان مازالوا متمكنين من ذلك مع بعض الزعماء والحكومات وصناع القرار. ولكن في هذا السياق لا بد من الاشارة الى تصريحات وزير الخارجية الاميركي الاخيرة انتوني بلينكن الذي التقى الرئيس محمود عباس الاسبوع الماضي في رام الله وكذلك العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عندما قال:” ان اميركا لن تسمح باستمرار ما يحصل في الشيخ” جراح وهي رسالة واضحة الى اسرائيل” كفاكم احراجا لنا دعو الناس تعيش بامن وسلام واستقرار في منازلها.”
وجاء الرد الاردني على ما تمارسه اسرائيل من عملية تطهير عرقي في الشيخ جراح وسلوان عندما اكد الملك عبد الله الثاني بأن القدس خط احمر وان الاردن لن يصمت على ما يجري في الحيين ، بينما انتصر الرئيس المصري لقطاع غزة وخصص نصف مليون دولار لاعادة اعماره، عدا عن فتح المجال واسعا لعلاج جرحى العدوان الاسرائيلي في المشافي المصرية، في الوقت الذي صرح فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن “حماية شرف وعزة مدينة القدس دين في رقبة كل مسلم”. وهذا بمجمله يعني ان القدس قضيتها عادلة وبالتالي توحد الجميع، وفي المقابل تبقي اسرائيل عارية امام المجتمع الدولي وكل شعوب المنطقة وتفضح روايتها المضللة والمزيفة وخاصة عندما نعلم ان المحاميين حسني أبو حسين وحاتم أبو أحمد، قد عثرا على وثيقة من أرشيف الأمبراطورية العثمانية السابقة في أنقرة, من شأنها منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي إجلاء العائلات الفلسطينية من بيوتها في القدس.وقد صرحا بأنهما عثرا في الأرشيف على وثيقة تثبت ملكية العائلات الفلسطينية لبيوتها في حي الشيخ جراح وتنفي مزاعم منظمة استيطانية تدعى “لجنة الطائفة السفاردية” بملكيتها تلك المنازل.
وكان المحامي أبو حسين قد سافر في كانون الثاني الماضي إلى تركيا وعثر في أرشيف الإمبراطورية في أنقرة على وثيقة، قال إن بإمكانها وضع نهاية لصراع مستمر منذ ثلاثين عاما على ملكية أكثر من ثلاثين بيتا في حي الشيخ جراح.
وبحسب المحاميين أبو حسين وأبو أحمد فأن بحوزتهما تصديقا من الأرشيف العثماني يثبت أن وثيقة الملكية التي عرضتها اللجنة الاستيطانية أمام المحاكم الإسرائيلية طوال السنوات الماضية كانت وثيقة مزورة. وأكد أبو حسين “بحوزتي وثيقة تثبت أنه لا يوجد ذكر للوثيقة اليهودية في الأرشيف”. وبناء على الوثائق التي بحوزته قدم إلى المحكمة الإسرائيلية طلبا بوقف إخلاء بيوت عائلات فلسطينية أخرى استنادا إلى الوثيقة العثمانية التي تعتمدها المحاكم الإسرائيلية.” وفق ما ورد في اكثر من موقع اخباري الكتروني” .
هذه النذر المبشرة ، تشير الى ان المقدسيين عامة وفي الشيخ جراح على وجه الخصوص باتوا قاب قوسين او ادنى من تحقيق النصر الذي سيضاف الى انتصارات باب العمود وباب الرحمة ومنع مسيرة الاعلام الاستيطانية واستباحة المسجد الاقصى من قبل غلاة المتطرفين، حيث حمته السيول البشرية الجارفة التي هتفت بصوت موحد ” الاقصى لنا”.
ان هبة الشارع المقدسي المستمرة وما يرافقها من حملة اعلامية مجتمعية منظمة يدعمها الاعلام الفلسطيني الحر، توصل رسالة القدس السياسية والانسانية والتاريخية العادلة بكل بلاغة ووضوح.وهي بلا شك قلبت ظهر المجن للرواية الاسرائيلية المزورة والمشوهة للحقائق، واكدت على ان القدس ستبقى عربية التراب والحجر والبشر والمياه والهواء والسماء وان كل محاولات التخلص من المقدسيين من خلال “ابتكار” سياسات عنصرية جديدة والتي كان آخرها سحب الامتيازات الصحية من نحو “16” اسيرا محررا وعائلاتهم ،لن تثني الناس عن الاستبسال في الدفاع عن حقوقهم المشروعة والمكفولة بالقانون الدولي الذي لا تحترمه اسرائيل. كما ان هذه الممارسات ستزيدهم عنادا واصرارا على التمسك باملاكهم الموروثة عن الاباء والاجداد وكل ذلك بالتأكيد سيتحقق بدعم اخواننا في الداخل الفلسطيني وفي كافة بقاع الوطن المحتل وفي الشتات حيث يقبع اكثر من ستة ملايين فلسطيني جلهم يرفعون شعار العودة ومفتاح الدار المسلوبة .
ان القدس وحدت الشعب الفلسطيني “من المية للمية” فالاضراب الاخير الذي شهدته كل الاراضي المحتلة في العامين 67 و48 لم تشهد مثله الا في العام 36 . وهاهو التاريخ يعيد نفسه منتفضا في وجه الظلم والقهر معلنا ميلاد حقبة جيدة عنوانها الوحدة الوطنية ووحدة القرار والدم والمصير ، وهي التي حتما ستحسم الصراع بالنصر المؤزر لاصحاب الحق الشرعيين مهما بلغت غطرسة الاحتلال وممارسته المرفوضة من كل احرار العالم والتي عبثا لن تستبدل الوجه العربي الكنعاني للقدس العاصمة .