باسم برهوم - النجاح الإخباري - العرب الفلسطينيون داخل مناطق عام 1948 يشكلون ما نسبته 20% من السكان،  وبالتالي فإن تمثيلهم الحقيقي في الكنيست، يجب أن يتراوح بين ما بين 20 إلى 22 مقعدا من أصل 120 مقعدا. هذا الحجم من التمثيل هو القادر على قلب معادلات اللعبة السياسية في اسرائيل، والقادر على البدء في تغيير واقع التمييز العنصري والتهميش للجماهير العربية في الداخل.
ولكن تحقيق هذا الهدف يبدو أنه صعب المنال في هذه المرحلة، أولا: بسبب التدني التقليدي لنسبة التصويت في المدن والبلدات والقرى العربية، وثانيا: بسبب تأثير انشقاق الحركة الاسلامية الجنوبية عن القائمة العربية المشتركة، التي سجلت أهم انتصار لها وللجماهير العربية، في انتخابات العام الماضي بحصولها على 15 مقعدا. وتتوقع استطلاعات الرأي أن لا تحصل هذه القائمة في الانتخابات القادمة على أكثر من عشرة مقاعد، لأن المتوقع، مع الأسف، تدني نسبة التصويت في الوسط العربي، كما ستذهب أصوات المقترعين للحركة الإسلامية سدى لأن هذه القائمة لن تتجاوز نسبة الحسم، حسب معظم التوقعات، وأن نتنياهو قد يكون هو المستفيد من هذه الأصوات الضائعة، باعتبار انه صاحب الحزب الأكبر في الانتخابات.
إن نسبة التصويت هي العامل الحاسم في جعل الصوت العربي مؤثرا وقادرا على التغيير. بهذا الشأن يمكن أن نلاحظ كيف لعبت نسبة التصويت لصالح التمثيل العربي، ففي انتخابات نيسان/ ابريل عام 2019 بلغت نسبة التصويت في الوسط العربي أقل بقليل من 50% ونلاحظ عنما ارتفعت هذه النسبة في انتخابات أيلول/ سبتمبر من العام نفسه إلى أكثر من 59% حصلت القائمة المشتركة بموجبها على 14 مقعدا، وعندما صوت العرب بنسبة تزيد عن 65% في انتخابات عام 2020 حصلت هذه القائمة على 15 مقعدا، ويمكن تخيل حجم التمثيل لو تجاوزت نسبة التصويت الـ 75%، فالأمر المهم هنا اقتناع الناخب العربي أن لصوته تأثيرا كبيرا.
وكل مراقب كان بامكانه أن يلمس بسهولة حجم خوف اليمين الإسرائيلي من تعاظم التمثيل العربي الفلسطيني في الكنيست، وعندما حققت القائمة المشتركة الفوز الكبير بـ 15 مقعدا حيث بدأ نتتياهو بالتفكير عمليا كيف يمكن أن ينهي ظاهرة القائمة العربية المشتركة، ومما يؤسف له أنه نجح مع العضو منصور عباس ممثل الحركة الاسلامية في القائمة، ما أدى إلى انشقاقها. 
صحيح أن الواقع صعب، حيث تشير معظم استطلاعات الرأي أن أحزاب وتكتلات اليمين واليمين المتطرف مع الأحزاب الدينية المتشددة ستحصل على ما يقارب من 79 مقعدا، ولكن هذه الأحزاب ليست متفقة تماما فيما بينها، خصوصا فيما يتعلق  بترؤس نتنياهو الحكومة القادمة، فهناك من بين هذه الأحزاب اليمينية والدينية من يؤيد، وهناك من يرفض القبول بنتنياهو بسب فساده، وتفرده في القرار،  لذلك، هناك هوامش كثيرة للمناورة أمام التمثيل العربي، خصوصا إذا كان حجمه كبيرا وإذا اتقن النواب العرب المناورة.
وفي نظرة تاريخية، نلاحظ أن التمثيل العربي في أول كنيست عام 1949 كان 3 نواب اثنان من الحزب الشيوعي وواحد قريب من أحزاب السلطة. في الدورة الأولى تلك وفي الدورات اللاحقة حتى منتصف الثمانينيات كان دور النواب العرب خاصة الشيوعيين منهم ولاحقا من القوائم العربية القومية، كان دورهم إيصال صوت الجماهير العربية للرأي العام الإسرائيلي والعربي والعالمي، وكان دورهم الدفاع عن مصالح هذه الجماهير، وكشف ما تتعرض له من ظلم وتمييز عنصري وتهميش، بالإضافة إلى كشف السياسات العدوانية الإسرائيلية على الدول العربية  الشقيقة، ولاحقا ممارسات سلطة الاحتلال في الضفة وغزة والقدس الشرقية وفي الجولان السوري المحتل. ويمكن هنا العودة إلى خطب ومداخلات النواب توفيق طوبي، واميل حبيبي، وتوفيق زياد، وهاشم  محاميد، وغيرهم، وكيف كانت صلابة هؤلاء في مواجهة السياسات الصهيونية العنصرية، وكيف كان دورهم في تثبيت وتعزيز الهوية الوطنية لجماهير الشعب الفلسطيني  في الداخل.
وفي العقود الثلاثة الاخيرة اتسع دور وتأثير ممثلي الجماهير العربية، إلى أن ظهرت القائمة العربية المشتركة، والتي أخافت بظهورها بالفعل اليمين الإسرائيلي،  خصوصا عندما حصدت 15 مقعدا، والأهم نجاحها في رفع نسبة المصوتين العرب إلى أكثر من 65 %، وحصول القائمة على ما يقارب 82% من التأييد، وهي أمور هزت أركان المؤسسة الصهيونية واليمين الصهيوني  خصوصا.
إن بإمكان الصوت العربي أن يقلب كل الموازين، إذا ارتفعت نسبة التصويت إلى أكثر من 75%، وإذا صوت العرب الفلسطينيون في الداخل بكثافة لممثليهم الحقيقيين في القائمة المشتركة، بمعنى أن نصوت أكثر وأن يكون صوتنا في المكان الصحيح.
قبل أيام رأيت شريط فيديو لرئيس القائمة العربية المشتركة أيمن عودة، أعجبني كثيرا الخطاب الهادئ الموضوعي الذي استخدمه، وخصوصا عندما قال، ليس لنا أعداء في الوسط العربي العدو هو السياسات العنصرية، وأضاف أن النقاش والحوار الداخلي أمر مهم وضروري، ولكن لن ننجر إلى مهاترات من شأنها شق الصف وإضعاف موقف الجماهير العربية وقدرتها على التأثير.
منذ متى كان النضال الفلسطيني سهلا، منذ متى لم يكن هدف اسرائيل إدخال اليأس والإحباط إلى نفوسنا، بهدف تهميشنا وتهميش قضيتنا!
 أمام الجماهير العربية الفلسطينية فرصة للتغيير، لنجعل صوتنا مؤثرا.

 

عن الحياة الجديدة