ماجد هديب - النجاح الإخباري - ثلاثة وثلاثون عاما على انطلاقة حركة حماس وما زال السياسيون والمحللون والمفكرون ،والكثير من النخب العربية والفلسطينية أيضا يتساءلون عن الاتجاه التي تسير نحوه هذه الحركة ،على الرغم من المحطات الكثيرة التي مرت بها ،والمحطات المختلفة التي توقفت عندها ،وكـأن ثلاثة عشر عاما من سيطرة حركة حماس على قطاع غزة ،وما رافق هذه السيطرة  من إخفاقات بالحكم والمقاومة ،وما تسببت به أيضا من آلام وعذابات  لمن يعيش فيها لا تكفي هؤلاء لفهم طبيعة هذه الحركة  واتجاهاتها ولا تكفي حركة حماس أيضا من اجل ان تتقدم بمراجعة  لسياساتها وتقييم لأدائها ، في الوقت الذي كان عليها فيه ان  تتقدم كل عام الى  الشعب الفلسطيني في ذكرى انطلاقتها بجردة حساب ،لا ان تتقدم له بمجموعة من الشعارات والجمل التجميلية التي اوهنت عزيمتنا وحرفت بوصلتنا كتلك التي تقدم بها رئيس مكتبها السياسي في خطابه اليوم ،والتي ساهم مثلها في اعادتنا الى مرحلة ما قبل انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة  بكل ما كان فيها من تناقض وتعارض بالمواقف والاقوال ،وانحطاط بالكرامة ،ومن تسول أيضا على اعتاب مراكز التموين ،وعرض البندقية الفلسطينية للإيجار .

ان استقراء  مرتكزات الفكر السياسي لحركة حماس وفقا لما جاء في ميثاق انطلاقتها ومقارنتها بما جاء في وثيقتها الجديدة الصادرة في الدوحة عام 2017"المبادىء والسياسات العامة" ،والاستدلال أيضا بما تعقده من مؤتمرات ،وما يصدر عنها بين الفينة والأخرى من تصريحات وبيانات  يؤكد لنا وبشكل لا لبس فيه او غموض ،ودون حاجة الى تحليل او استنباط أيضا ، بان حركة حماس باتت تعيش حالة من التناقض بالمواقف والافعال فعلا ،بل وباتت تتقن لعبة الشعارات التي لم تخدم الا العدو لتدمير كل ما راكمه الشعب الفلسطيني عبر سنوات نضاله من إنجازات وطنية ،وهذا ما يقودنا الى معرفة الاتجاه  التي تسير فيه  هذه الحركة ودون مساعدة  من هؤلاء المفكرين والساسة ،حيث لم تعد تلك التناقضات بالمواقف والتعارض بالأفعال تنحصر فقط في القواعد المسلكية لهذه الحركة ،ولا حتى بالمرجعية  والامتداد او الارتباطات ،وانما في رؤيتها أيضا للكثير من القضايا المحورية  ،وفي مقدمتها ما  يتعلق برؤيتها لطبيعة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي وفي موضوع الدولة الفلسطينية.

كانت حركة حماس وما زالت ومنذ انطلاقتها حريصة على ابراز وحدها دون غيرها بالتعارض مع باقي قوى وفصائل العمل الوطني ،بل ان انطلاقتها كانت على قاعدة العداء مع منظمة التحرير الفلسطينية التي تنضوي تحت لوائها تلك القوى والفصائل    وفقا لما كان قد اوضحه الشيخ المؤسس "احمد ياسين "بنفسه وذلك بتصريحه في أولى جلسات محاكمته عقب اعتقاله "بان ما يجمعه من سلاح ليس لإسرائيل ،وانما لمنظمة التحرير الفلسطينية"، وبذلك فان هذه الحركة ومنذ انطلاقتها قد ناصبت  العداء لمنظمة التحرير  في الوقت الذي تكن فيه هذه الفصائل قد اتجهت بعد نحو الحلول السلمية  في اطار ممارسة حقها بالمناورة والتكتيك ،وانما كان هذا العداء لها في ظل  ممارسة حقها  بالكفاح المسلح ،  ولعل نظرة سريعة الى ما جاء في ميثاق انطلاق حركة حماس من منطلقات واهداف ومقارنتها  بما تمارسه هذه الحركة على الأرض من سلوكيات ومواقف  ،وبما حملته أيضا وثيقتها الجديدة من بنود ما يثبت هذا التعارض والتناقض ،وهذا ما جعلها في صدام ،ليس مع الشعب الفلسطيني فقط ،وانما في حالة صدام أيضا مع نفسها في ظل ما تطرحه من استراتيجيات وبرامج.

في ميثاق انطلاقتها ،وفي اطار التعريف عن نفسها، كانت حركة حماس قد أعلنت بانها حركة إسلامية، وبانها احد اجنحة الإخوان المسلمين ،الا انها حرصت في وثيقتها الجديدة وبكل ما اعقب إعلان هذه الوثيقة  من بيانات وتصريحات على التبرؤ من هذه العلاقة مع الاخوان المسلمين ،وذلك في اطار تأكيدها  التخلي عن الطابع الديني للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ،واستعدادها ايضا للقبول  بدولة على حدود الرابع من حزيران  ،وذلك في محاولة جديدة منها  لتقديم أوراق  اعتمادها لدى دول العالم والاقليم كبديل عن منظمة التحرير الفلسطينية التي سبقت حركة حماس بالتمييز بين اليهودية ،حيث لم يكن لدى حركة حماس ومنذ انطلاقتها اي تمييز بين اليهودية والصهيونية ،وانما كانت قد عرفت الصراع في ميثاق انطلاقتها بانه "صراع إسلامي مع اليهود"، الا انها حرصت وعبر وثيقتها الجديدة على حذف  كل ما يتعلق بدعوتها الصريحة الى تدمير دولة اليهود ووجوب القضاء عليها ،مع الاعلان بان صراعها مع الصهيونية كاحتلال ،وليس مع اليهودية كديانة، بل وقد وذهبت حركة حماس الى ابعد من ذلك حينما أعلنت استعدادها لحل الصراع مع هذا الاحتلال والقبول بدولة فلسطينية في اطار مبادئ القانون الدولي ،وهو القانون الذي كانت تتنكر له  ،وترفض الالتزام به ،او التعويل عليه ،بل وقد كان الالتزام بهذا القانون والتعويل عليه لبناء دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران بالنسبة اليها خيانة وتفريط ، وهو نفس القانون الذي استندت عليه بما قدمته من  تبريرات انقلابها ،وبما تسببت  به  أيضا من  الام وعذابات للشعب ومن سيل للدم جراء هذا الانقلاب على السلطة الوطنية في قطاع غزة.

رفضت حركة حماس ومنذ انطلاقتها فكرة الدولة الوطنية، بل وعملت على اجهاض كل محاولة لتجسيدها، الا انه ووفقا لما جاء في وثيقتها الجديدة قد أعلنت قبولها بإقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من حزيران يونيو 1967 بشكل منفصل عن موافقة منظمة التحرير ودون التنسيق او الاتفاق معها، وذلك في إطار محاولاتها طرح نفسها بديلا عن منظمة التحرير، وهذا هو الأساس في طرح هذه الوثيقة وبكل ما جاء فيها من بنود.

على الرغم من أهمية وثيقة حماس الجديدة  لما طرحته فيها من بنود تتوافق مع برنامج منظمة التحرير ،الا ان ما جاء في هذه الوثيقة  من رؤى في القضايا الجوهرية للقضية الفلسطينية لم تأتي في اطار الاتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية على استراتيجية وطنية جامعة ، وانما كانت على قاعدة  محاولاتها في استئصال منظمة التحرير وعرض نفسها بديلا عنها والقبول بها إقليميا ودوليا  ، للانخراط بالتسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي مع تثبيت اركان حكمها في قطاع غزة وفقا لما نادى به احمد يوسف في وثيقته  الاقدم "اقتراحات لخلق ظروف مناسبة لإنهاء الصراع" ،والتي قامت  على تصور للحل يقوم على حل مرحلي وهدنة طويلة الأمد تنتهي بقيام دولة على حدود ال67، وبالاعتراف بإسرائيل كواقع ،وهي نفس الوثيقة التي استند اليها أيضا وقبل وثيقته الجديدة السيد  خالد مشعل في طرح نفسه بديلا عن السيد الرئيس محمود عباس في الكثير من المؤتمرات والحوارات الصحفية التي أعقبت الترويج لهذه الوثيقة ،لقوله في كثير من هذه الحوارات الصحفية بان حركته قد باتت الأكثر قوة وتأثيرا من منظمة التحرير الفلسطينية .

في نهاية المقال لا بد من القول بأن استقراء الفكر السياسي لحركة حماس ، سواء الذي جاء به "ميثاق انطلاقتها" الذي غلب عليه الطابع الديني، أو الذي حملته "وثيقة المبادئ والسياسات العامة "،والذي غلب  عليها الطابع البراغماتي  يؤكد  أن ذلك التغيير في هذا الفكر لم يأتي في اطار الاتفاق على برنامج واستراتيجيات مع باقي قوى وفصائل العمل الوطني ،ولا حتى من باب اسناد منظمة التحرير في تحقيق الدولة المستقلة رغم عدم التعارض فيما بينمها حول الكثير من القضايا الجوهرية ومنها رؤيتهما في موضوع الدولة الفلسطينية  ،وانما  جاء هذا التغيير في اطار صراع حركة حماس  مع منظمة التحرير على قاعدة محاولات انتزاع الشرعية عنها ،وهي محاولة  جديدة  أيضا في اطار نفس محاولاتها السابقة لتقديم أوراق اعتمادها إقليميا ودوليا من خلال اعلان استعدادها الانتقال من فكرة التحرير الكامل غير قابل للتنازل أو التفريط، إلى فكرة قبول الحركة بدولة فلسطينية في حدود 1967،ولذلك كان سعي حركة حماس الدؤوب عبر وثيقتها لمخاطبة العالم والمجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية بعيدا عن الشعارات والجمل التجميلية التي اتقنتها حركة حماس في مخاطبة الشعب وبرع بتقديمها رئيس مكتبها السياسي في كل مؤتمر او بيان بعيدا عن جردة الحساب الذي كان يجب ان تقدمه هذه الحركة للشعب الذي التف حولها في ظل احلك ظروفها رغم ما يعانيه الشعب نفسه منها في ظل ما تسببت به له من انعدام ادنى مقومات المعيشة ،وارتفاع معدلات البطالة ،وتصاعد نسبة الجريمة ،ناهيك عن الانقسام الاجتماعي بفعل ما احدثه الانقلاب  من انحدار بالأخلاق والذي يجب علي حركة حماس وفي ذكرى انطلاقتها ان تتراجع عنه  مع وجوب تقديم اعتذارها عن كل اثاره  .