سامي أبو سالم - النجاح الإخباري - صُدم كثيرون من إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، الثلاثاء الماضي 13 آب، عن الاتفاق الثلاثي بين الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات. هذا الاتفاق أسقطها في بئر من الاهانات دفعها إلى قاعه السحيق موجة عارمة من الاستنكار والرفض من قِبل مسؤولين وكتاب وجماهير. وعلى أثره عملت الإمارات جاهدة للتشبث بسُلّم نجاة وضيع؛ فأطلقت اسطولها الاعلامي من فضائيات وصحف وإعلام إليكتروني وكُتاب وكًتبة ونشطاء "الاعلام الاجتماعي" لمحاولة التبرير.

أولى درجات السلّم المشروخ التي وضع الساسة والكُتاب أقدامهم عليها لتبرير التطبيع هي الخداع؛ محاولات بائسة للّعب بالمفردات، فانطلقت وسائل الاعلام الاماراتية- وأخواتها- باصرار سَمِج للترويج على أن الاتفاق يخدم الفلسطينيين لأن إسرائيل "ستوقف" عملية الضم. بيد أن نص البيان الذي أصدره البيت الأبيض لم يترك مجالا لتأويلات "جادة" أو فذلكات صبيانية، فنص على أن "Israel will suspend declaring sovereignty…" إسرائيل "ستعلق إعلان السيادة" (إعلان السيادة مصطلح إسرائيل) ولم يقل ستوقف. وهنا قالت منظمة العفو الدولية "أمنستي" يوم أمس إن الاتفاق لا "يشمل تخلي إسرائيل عن ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية." وهذا ما أكده أيضا رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو شخصيا يوم الاعلان عن الاتفاق فأكد أن خطط "فرض السيادة" قائمة وستنفذ باتفاق مع الولايات المتحدة.

كما أخذ "الانقسام الفلسطيني" (الجيوبوليتيكالي) بين حماس والسلطة الفلسطينية نصيباً لا بأس به في سلم التبريرات، فاتُّكئ على "الانقسام" ككهل أقعده الشلل الرباعي يحاول الاتكاء على عصاً يتيمة نخرها السوس. صحيح أن الانقسام ورقة مخزية وخدمة مجانية للاحتلال، وصحيح أنه يتعين علينا تحقيق الوحدة، لكن لا أعلم ما العلاقة بين الانقسام واعتراف دولة عربية بدولة دخيلة تحتل دولة عربية أخرى تضم ثالث مكان مقدس لدي المسلمين وأول مكان مقدس لدى المسحيين!، هذه الدولة هي نفسها التي خططت وصنعت الانقسام.

وإذا كانت الإمارات حريصة على الوحدة الفلسطينية فكان الأجدر بها العمل على وحدة وتقوية "عامود الخيمة الفلسطيني" المتمثل في حركة فتح و م. ت. ف.، ووقف دعم الانشقاق عن الحركة تحت مسمى "إصلاح"، والتوقف عن محاولاتها باقناع المنشقين بتشكيل جسم سياسي، منفصل عن الحركة، يتمتع بوزن سياسي على الساحة الفلسطينية ليكون عصا غليظة بيدها لتعزيز نفوذها كما في اليمن. وإن كانت حريصة على الوحدة الفلسطينية فللشعب الفلسطيني عنوان واحد أوحد معترف به دوليا وعربيا هو منظمة التحرير الفلسطينية. 

أما مقارنة الاتفاق الاسرئيلي الاماراتي باتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرئيل فهي سُلّمة مثيرة للضحك ومقارنة هزيلة ولا يوجد وجه شبه بين الواقعتين. فبموجب "كامب ديفيد" (1979) استردت مصر شبه جزيرة سيناء (ما يزيد عن 60 ألف كم2) أي أكثر من ضعف مساحة فلسطين التاريخية (27 ألف كم2). ما استرده الرئيس المصري الراحل أنور السادات شكل عمقا استراتيجيا على الأصعدة الأمنية والعسكرية والاقتصادية لمصر، فماذا استردت الإمارات؟!

وإذا كانت الامارات قد هرولت نحو التطبيع بهدف الحفاظ (المزعوم) على الأراضي الفلسطينية من سياسة "الضم" و"لحماية الحلم الفلسطيني بدولة مستقلة"، فكان الأجدر بها أن تهرول لتحقيق حلم الاماراتيين والالتفات لجزرها المحتلة إيرانيا (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) منذ ثلاثين عاما. تلك الجزر التي تقع في أحد أهم مفاصل الملاحة وتجارة النفط العالمية (مضيق هرمز) ما يشكل حجر زاوية رئيس لدولة نفطية، ناهيك عن البعدين العسكري والأمني الاستراتيجيين.

إن (التَّمَجّك) بقضية فلسطين والقدس كمبرر للتطبيع أو لأي حماقة سياسية أخرى هو موضة ليست بالجديدة، فأبو نضال (صبري البنا) نفذ سلسلة اغتيالات في قيادات م ت ف، منها اغتيال صلاح خلف أبو إياد، من أجل القدس، والرئيس العراقي الأسبق صدام حسين احتل الكويت (1990) من أجل فلسطين، وميليشيا المعارضة في سوريا  سيطروا على الرّقة في طريفهم لفلسطين، وشُنت حرب على المخيمات الفلسطينية في لبنان (1985) من أجل فلسطين، وحوّل أردوغان متحف آيا صوفيا إلى مسجد تمهيدا لدخول المسجد الأقصى! والآن تطبع الإمارات علاقتها باسرائيل من أجل "إنقاذ حلم الدولة الفلسطينية"!.

نحن كفلسطينيين لا نطالب الدول العربية بحشد جيوشها وشن حرب على إسرئيل، لكن أيضا "إنقاذ حلم" الدولة الفلسطينية لا يأتي عبر مهرجان التطبيع الذي من المتوقع ان ينضم إليه دولا عربية أخرى، بل بتمسكها بمبادرة السلام العربية (2002) والضغط لتنفيذها، وبتفعيل قرار الجامعة رقم 849 (سنة 1954) القاضي بمقاطعة الشركات التي تتعامل مع إسرائيل، هذا القرار لوحده كفيل بأن تضع الشركات الكبرى ثقلها لانجازات سياسية لا يستهان بها. إنقاذ حلم الدولة الفلسطينية يأتي بتعزيز مكانة م ت ف والايفاء بشبكة الأمان العربية المالية لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني للحفاظ على ما تبقى وليس بالتهرب من الالتزام "بالشبكة"، وليس بإهمال النداءات الفلسطينية وسط تصاعد الاستيطان ومخاطر الضم كما قال وزير الخارجية رياض المالكي على شاشة تلفزين فلسطين (18 يوليو الماضي). إنقاذ حلم الدولة الفلسطينية له أدوات "ناعمة" جمة لا تُحصى، لكن يبدو أن "فلسطين" باتت شماعة لمن أراد أن يحوز على رضى العم سام.