ماجد هديب - النجاح الإخباري - رغم  ما تتعرض له الأراضي الفلسطينية من أزمات متصاعدة في كافة مناحي الحياة السياسية منها والاقتصادية والبيئية والاجتماعية أيضا ،وعلى الرغم من تطور وسائل الاتصالات وانتشار الفضائيات واشتداد التنافس بين وسائل الاعلام المختلفة، إلا أن موضوع الإعلام والأزمات عند الإعلاميين الفلسطينيين لم يرق بعد إلى المستوى المطلوب ،حيث ما زال رجال الإعلام يتجاهلون بأن  مهنتهم هي ركن أساسي من أركان مواجهة الأزمات واحتوائها ،وبان مهمتهم أيضا هي إدارة هذه الأزمات إعلاميًا كونها عملية تخصصية لها قواعدها وأسسها وآلياتها واستراتيجيتها ،وهذا ما أدى الى الفوضوية الإعلامية في التعامل مع تفشي الوباء العالمي كورونا نظرا لما صدر من تقارير عن الوضع الصحي  في الأراضي الفلسطينية لا ترقى إلى المهنية والاحترافية وافتقاد هذه التقارير  للأليات اللازمة والقواعد المتبعة لإعلام المواجهة وإعلام الطوارئ.

لقد اصبح إعلام المواجهة أو إعلام الطوارئ محط اهتمام المؤسسات الأكاديمية والبحثية العربية، حيث تعتبر جامعة الأمير نايف العربية للعلوم الأمنية في مقدمة تلك المؤسسات التي استقبلت الكثير من الطلبة والضباط الفلسطينيين، إما للدراسات العليا في مجال الامن والاعلام ،وإما لحضور المؤتمرات وورشات عمل  مجلسي وزراء الداخلية والاعلام العرب ،ولكن وعلى ما يبدو ،فان جميع هؤلاء الذين ابتعثتهم السلطة، إما للدراسة أو لتمثيلها في المؤتمرات، قد استسهلوا الحصول على الرواتب والمكافئات دون أية محاولة لتطبيق ما استفادوا منه ،وذلك إما  لغياب تحمل المسئولية المهنية والأخلاقية والمجتمعية في مواجهة الأزمات ومعالجتها عند هؤلاء أنفسهم ،وإما لعدم اهتمام السلطة الفلسطينية نفسها بإيجاد استراتيجية إعلامية لمواجهة مثل هذه الازمات وما يستجد عنها ،وهذا ما أدى باعتقادي إلى غياب المعالجة الإعلامية للانقسام وما نتج عنه  من أزمات على المجتمع الفلسطيني ،ومن بينها غياب المعالجة الإعلامية في ظل البطالة لجرائم القتل بدافع السرقة ،وغياب المعالجة أيضا  لظاهرة جرائم الانتحار.

إن التطور الهائل لإمكانيات وسائل الإعلام الفلسطينية على اختلاف أنواعها واتجاهاتها يقتضي تعاظم دور الإعلاميين الفلسطينيين  في التعامل مع الأزمات من حيث ضرورة استنادهم في المعالجات الإعلامية للأزمات على  القواعد والأسس العلمية لإدارة الأزمة، أيًا كان نوعها، على أن تكون تلك المعالجات في إطار المشاركة والتنسيق مع جهات الاختصاص المسئولة عن طبيعة الأزمة ،كما أن هذا التطور نفسه يقتضي أيضا تعاظم دور الاعلام الحكومي  في التعامل مع الأزمات وفقا لنفس القواعد والأسس العلمية لإدارة الأزمة ،ومن هذه الأسس والركائز ،بل وفي مقدمتها عدم  المبالغة في الازمة أو التقليل من شأنها ،أو التعتيم عليها مهما تفاوتت في حدتها وحجمها.

إن مصداقية وسائل الاعلام الرسمية أثناء الأزمات لا تتوافر إلا من خلال الالتزام بعدد من الضوابط التي تحكم دوره في إدارة الأزمات ،وبما يوفر هذا الدور حق المعرفة الشاملة والكاملة والمتعمقة ، ومنها   التعامل بحذر شديد في نقل المعلومات، والتعريف بها وإمداد المواطنين من خلال كافة وسائل الاعلام بالحقائق التفصيلية ،عنها دون إرباك في المشهد الداخلي ،حيث تعتبر هذه المصداقية في النقل من القواعد الأساسية لإدارة الازمات وصولا لإنهائها ، كما ان زيف  الاعلام الحزبي  لا  ينكشف إلا في ظل هذه الازمات نظرا لما يصدر عن هذا الاعلام من مناكفات  وكذب وتضليل  لدفع هذه الازمات نحو التصاعد وصولا الى  ادامتها ، وهذا ما يؤكد ما ذكرناه في مقالات سابقة بان الاعلام الفلسطيني الحزبي هو  إعلام  أزمة لا إعلام مواجهة لتلك الازمة ،وهو إعلام لا قاعدة له أيضا، ولا اتجاه ،ولا حتى له قانون يحكمه.

على الحكومة الفلسطينية التي بادرت بتشكيل اللجنة الوطنية لمواجهة أزمة كورونا  التي لا أهداف سياسية لها ،ولا منافع فصائلية منها ،وإنما هي لجنة تخصصية للحد من انتشار الوباء ،أن لا تغفل بان مثل هذه اللجنة بحاجة إلى ناطق اعلامي يجب أن يكون بعلمه واختصاصه بمثابة  العنوان الأبرز لعمل هذه اللجنة وتنوع اختصاصاتها  ،وهو انعكاس أيضا لأدائها ،مع ضرورة الفصل بين ما يتمتع به هذا الناطق من صلاحيات ،وما بين اختصاصات الناطق الرسمي باسم الحكومة وإن اقتضى التنسيق والتشاور فيما بينهما وقت الضرورة ،وذلك لما ينتظر هذا الناطق في مواجهة الازمة من مهام جسام، ومن قضايا شائكة ومعقدة ،وذلك إما من خلال المؤتمرات كلما اقتضت الحاجة  لظهوره فيها ،وإما من خلال موقعه الالكتروني، وبما يتضمنه هذا الموقع من قاعدة للبيانات والاحداث عن وباء الكورونا والاستعدادات للتعامل معه، وحالات الحجر الاحترازي، وحالات العزل إن تفاقمت بسبب انتشاره.

كما ان على حركة حماس أن تعلم أيضا بان المناكفات في الازمات او محاولة تسيس وقائع هذه الازمات لمصالحها الحزبية هي بمثابة دفع تلك الازمات نحو التصاعد، وبان خضوع اعلامها والتزامه بما يصدر عن الناطق الرسمي للجنة الوطنية لمواجهة ازمة كورونا من إرشادات وتعليمات هو بمثابة المساهمة منها، ليس فقط بالحفاظ على صحة المواطن الفلسطيني ومنع انتشار الوباء، وإنما في الحفاظ أيضا على آخر ما تبقى لنا من معالم وطن وقضية وقت اشتداد الازمات.