ماجد هديب - النجاح الإخباري - قالوا، وما أكثر قولهم، ان الله معهم ،وبأنه لا صلح او تصالح مع العلمانيين ،كما انه لا سياسة منهم دون ثوابت ،ولا اعتراف بالاحتلال ، او حتى هدنة معه قبل رحيل  اخر يهودي من تل الربيع ،ولعل ما يردده ذلك الناطق باسم حركتهم الذي يصلح لقبه عنوانا للحياة التي يعيشها اهل غزة ،وهي "البرد والويل"  ،هو المثال الأبرز على استمرار قيادة حركة حماس  الاستخفاف بعقول الشعب الفلسطيني من حيث محاولاتها في الاثبات ان كل ما يصدر عنهم من قول او فعل لا يخرج عما خطه الله في لوح ادخله الله في صدورهم ،ومنها الايعاز لهم بالسيطرة على غزة من باب الانتخابات التي حللها الله لهم بعد تحريمها عليهم  وتخوين كل من يمارسها ، وكأن الله الذي معهم ليس مع غيرهم من الفلسطينيين .ان اكثر ما يثير القرف والاشمئزاز من هؤلاء ان يصبح من كان بالأمس مطاردا لهم بتهمة الخيانة للوطن والدين ،وفجأة ،ودون سابق انذار، وطنيا لا خيانة منه او ردة ، ووحدويا لا خوف من طموحه ، فهل أوحى الله لهم  بالتحالف مع  محمد دحلان مثلا خدمة للإسلام والمسلمين  بعد ان نفخ الله في ماله ليصبح طاهرا لا نجاسة فيه   ،ام ان الماء النجس الذي كان قد قصده  احدهم هو المال الذي لا صفقة تجيز لهم ومن خلال بنودها الوضوء فيه ؟.

في تعليق سابق لأحد قيادات حركة حماس حول مدى التحالف الذي بصدد اعلان حركته عنه مع السيد  محمد دحلان لما يمتلكه من دعم ومال، واذا ما كان هذا التحالف هو بمثابة المدخل لحركته  لإقامة علاقات مع دول الجوار وتحسين العلاقة مع دول أخرى ،فان هذا القيادي كان قد أكد في حينه  بانه لا يمكن لحركة  حماس ان تتوضأ بماء نجس ،وذلك في إشارة منه الى مال محمد دحلان ،الا ان العلاقات فيما بين دحلان وحركة حماس ومنذ ذلك الحين قد بدأت بالتصاعد  على قاعدة عدائهما المشترك ،ليس للرئيس الفلسطيني فقط ،وانما للتنظيم الأساسي لحركة فتح والسلطة الوطنية أيضا الى درجة انه يمكن القول فيها ان حماس لم تصل في تلك التفاهمات مع محمد دحلان  الى مرحلة التيمم بماله فقط ،وانما الى مرحلة الاستحمام للتطهر من كل ما اقترفوه بحق محمد دحلان وصحبه قولا وفعلا  ،ولكن  السؤال الذي يطرح نفسه هو إذا ما أراد محمد دحلان ومن خلال هذه التفاهمات العودة القوية إلى قلب العمل السياسي في غزة لإعادة بناء ذاته تنظيميا وجماهيريا، والتحول مجددا إلى قوة هامة في مواجهة الرئيس الفلسطيني والتنظيم الأساسي لحركة فتح، فما هو الذي تطمح اليه حركة حماس من ابرام تلك التفاهمات في ظل استمرار بعض قيادييها التحريم الصامت لإعادة العلاقة مع محمد دحلان او الاستفادة من ماله؟.  

صحيح بان حركة حماس تعوّل كثيرا على تلك التفاهمات لاختراق الحصار المفروض عليها بفعل عدم الاعتراف عربيا ودوليا بسيطرتها عل غزة، باستثناء الانفراجه القطرية التركية المدروسة بين الحين والاخر، الا ان حركة حماس قد وجدت في العلاقة مع محمد دحلان الملاذ الامن والأمثل لتفكيك أزماتها المستعصية، بعيدا عن مطالب واشتراطات الرئيس محمود عباس، وبعيدا أيضا عن التخلي عن حكمها وسيطرتها على غزة، وهذا ما يقودنا الى طرح تساؤل اخر حول ماهية ومدى هذه التفاهمات وانعكاساتها وهي القائمة على قاعدة الوضوء بالمال النجس لتنفيذ هذه التفاهمات.

تعلم حركة حماس ،كما يعلم محمد دحلان نفسه، بان التفاهمات فيما بينهما تحتوي على العديد من السلبيات والمخاطر التي تمس جوهر القضية الفلسطينية ، والنظام السياسي الفلسطيني، إذ إن هذه التفاهمات تقضي تماما على فرص استعادة الوحدة السياسية والجغرافية بين شقيْ الوطن ، وتجعل غزة كيانا مستقلا، وهذا ما يدفعنا الى إعادة التفكير مجددا فيما قاله البعض مع البدايات الأولى لسيطرة حماس على غزة وهو ان ما جرى من اقتتال في مرحلة ما قبل الانقسام ، وهي مرحلة مجللة بالقتل والتخريب كان تنفيذا لسيناريو تم الاتفاق عليه عربيا ودوليا ، وان ما جرى من فلتان منظم كان بمثابة المقدمات المشروعة لتنفيذ هذا الاتفاق الذي يقضي بسيطرة حماس على غزة لإنهاء السلطة الوطنية ،والقضاء على حلم مشروع الدولة ،وعزل غزة عن هذا المشروع وذلك من خلال الدفع بها نحو العزلة والانفصال حتى تستطيع إسرائيل الانفراد بأسرلة الضفة وتهويد القدس ،في الوقت الذي تعمل فيه أيضا على تطويع اهل غزة ،فاذا ما كان السيد محمد دحلان قد بدا بوعي منه او بدون وعي بتهديد حركة حماس بالإنهاء او التقزيم لإثارتها ضده ،فان حركة حماس قد أكملت هذا المخطط نفسه ،وبوعي منها هي الاخرى او بدون وعي ،من خلال دفعها نحو القتال والصدام  مع السلطة والمشروع الوطني  بدعوى القضاء على محمد دحلان وجماعته لشروعه في تنفيذ انقلاب عسكري على حكومتها .

نعم علينا ان نعيد التفكير بما جرى لاستخلاص الدروس والعبر ،وذلك من خلال استقراء الوقائع والأحداث الحالية بطريقة صحيحة ،فهي القاعدة السليمة لاستنباط المستقبل ،وخاصة اذا ما أكدت الوقائع والاحداث أيضا بان حركة حماس لا تريد العلاقة مع السلطة ،لأن مفاد تلك العلاقة تسليم غزة  الى هذه السلطة لإتمام  المشروع الوطني ،فيما تريدها مع دحلان لمساعدتها في تثبيت سيطرتها على غزة ،ومساندتها أيضا في عدم اجبارها على هذا التسليم ،ولذلك كانت التفاهمات فيما بين محمد دحلان وحماس والاتفاق على اليات تنفيذها، الا انه يمكن القول بأن ما يعيق إتمام كافة هذه التفاهمات  هو الغضب "القطري والتركي"، والذي لولاه لكانت حركة حماس قد سارعت ومنذ زمن في إنهاء وجود التنظيم الأساسي لحركة فتح  في غزة ، ليس من اجل الوضوء فقط بماء محمد دحلان ، بل والاستحمام فيه أيضا من خلال اشراكه معها بإدارة قطاع غزة اتماما لصفقة اقل ما يمكن أن نطلق عليها بصفقة الوضوء النجس.