د. صبري صيدم - النجاح الإخباري - وزير التربية والتعليم العالي

إن أردت أن تهزم شعباً فحاصر مناهجه التعليمية.

بهذه الفلسفة القديمة الجديدة تحاول سلطات الاحتلال النيل من المنهاج الفلسطيني واستهدافه، رغم تلقيها ما سمّيناه" أم الصفعات" غداة التصويت التاريخي للبرلمان الأوروبي في تشرين أول الماضي؛ والذي أقر بمواصلة الدعم المالي لفلسطين وفق القيم المحددة دون تأثر ذلك بادعاءات التحريض التي حاولت مؤسسات الاحتلال إلصاقها بالتعليم في فلسطين. شخصياً لم أتوقع يوماً أن يكف الاحتلال عن محاولاته المستميتة لمهاجمة المنهاج الفلسطيني، لم أتوقع إلا أن يستأنف ومؤسساته طلعاتهم التحريضية بهذه السرعة بغرض إشعال حروب جانبية وخطف الأنظار عن القضية المحورية المتمثلة بإنهاء الاحتلال وتبرير اقتلاع المدارس؛ خاصة تلك التي أنشأناها في المناطق المهمشة والمحرومة والتي حملت اسم مدارس التحدي إضافة إلى السعي المحموم لاقتلاع التعليم في القدس.

إن المواقف النبيلة والأصيلة لشعبنا لن تستسلم أمام إرادات المحتل كما أن وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية لا يمكن إلا وأن تخوض ما سمّته اللجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم بالكفاح المقدس الذي تخوضه الوزارة "للحفاظ على عروبة الفكر والذاكرة في أذهان أبنائنا الطلبة، في ظل الحرب الشعواء التي يمارسها الاحتلال تجاه المناهج الفلسطينية".

في هذا الإطار نؤكد أن استهداف المنهاج ليس استهدافاً للوزارة أو للكتب والشعب فحسب بل هو استهداف للتاريخ وللحقائق الدامغة، ولكل مكونات الهوية الوطنية، ومحاولة لوأد كل ما يعزّز الذاكرة المتوقدة والرواية الأصيلة، ولهذا لم يكن غريباً أن يصدر الاحتلال نسخاً مزوّرة من المنهاج لظنّه أن هناك قابلية للترويج للرواية البديلة القائمة على معلومات مغلوطة قصداً. بل أن الاحتلال قد صعّد من عمله من خلال عملاء استخباراته وجنرالاته الاحتياط الذين افتتح لهم مؤسسات مختلفة؛ لتلويث الرواية الفلسطينية عبر مراسلات سياسيين وبرلمانيين حول العالم ونشر مقالات مغرضة في دول العالم. وترافق ذلك مع حملة جديدة للضغط على برلمانيين حول العالم لإدانة هذا المنهاج ووصفه بالمحرض، لقطع المساعدات والدعم عن التعليم الفلسطيني بل استسلم بعض أولئك البرلمانيين لهذا النهج وبدأوا بإساءة استخدام مواقعهم التي انتخبوا فيها ليكونوا أداة للاحتلال في السعي للمس بالحقوق التي حددتها قرارات الشرعية الدولية وثناء الكثيرين على النظام التعليمي الفلسطيني والذي انتصر هو لذاته عبر عديد الإنجازات وشهادات دول ومؤسسات وخبراء حول العالم ناهيكم عن شهادة البنك الدولي التي اعتبرت نظام التعليم الفلسطيني الأسرع نمواً في العالم العربي، وغيرها من الشهادات التي أجمعت على مدى ما يحوزه نظام التعليم الفلسطيني من تميّز؛ نتاج وجود منهاج يؤصل القيم ويواكب الحداثة ويعمق صناعة المعرفة.

في هذا الإطار فإننا لن نلتزم الصمت بعد اليوم ولن نتعامل بمنطق ردات الفعل بل سنوصخ الأمور لجهات العلاقة وسنراسل أصحاب الشأن لفضح الممارسات المدانة للبعض من سياسيين وبرلمانيين وصحفيين وسنخاطب مؤسساتهم ورؤساءهم لاتخاذ الخطوات الرادعة بحقهم بعد أن ارتضوا أن يكونوا أدوات للاحتلال. هنا نسأل: أهي جريمة أن نمارس حقّنا الطبيعي في اختيار مناهج تتناسب مع تاريخنا العريق والفكر العربي الأصيل، والمرتبط بهذه الشواهد والدلائل التي أبت أن تُمحى رغم المحاولات المستمرة للاحتلال لتشويهها وتحريفها؟

إن الحملة الإسرائيلية" الجديدة "محمومة" وهي لم تأت اعتباطاً بل تندرج في إطار متوالية تستهدف ضرب المنهاج الفلسطيني عبر وصمه بالمحرض؛ مسخراً ملايين الشواقل لصالح تهويد التعليم في القدس، ودعم نشاطات مؤسسات صهيونية متخصصة في تنظيم حملات للتهجم على منهاجنا الفلسطيني.

في هذا الصدد، نعلنها وبكل وضوح، قائلين لكل من يحاول النيل من مناهجنا: لن تمرّوا، ولن نكل ولن نملّ في أداء دورنا في حماية مناهجنا وما تحمله من مكنونات الهوية والرواية الفلسطينية. ندرك أنها معركة تتطلب طول النفس لكن هذا النفس لن يكون إلا بالتفاف الكل الفلسطيني حول المناهج الوطنية الجديدة إذ نعول على مواقف القيادة والفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية ومجالس أولياء الأمور وأبناء الشعب الفلسطيني أينما كانوا. نعتمد عليكم يا أبناء شعبنا في إسناد جهودنا للدفاع عن منهاجنا، فنحن واثقون من أن الإصرار الفلسطيني لحماية الرواية الوطنية وتأصيل الهوية وتاريخ النضال الفلسطيني في عقول الطلبة سيتوّج جهدنا بالانتصار، ويصون آمالنا، ويبقي على مواقف الشرفاء الداعمين بمنأى عن محاولات الاحتلال.

لن تمرّوا .. نقولها مجددين استعدادنا لما أبديناه للاتحاد الأوروبي للعمل مع لجنة أوروبية محايدة لإجراء دراسة مقارنة بين المنهاج المدرسي الفلسطيني والإسرائيلي؛ شريطة أن تحتكم اللجنة لمعايير موضوعية وعلمية، ومحايدة، رغم رفض الاحتلال لذلك لأنه يعلم علم اليقين بأنه قد رسخ العنصرية في مناهجه وحرض على الكراهية وهي ما نراه في الشوارع من أقوال وأفعال. الاحتلال بالواقع يخشى نتيجة يعرف تماماً فحواها، فهو ماضٍ في محاولاته التشويهية التي أبعد ما تكون عن العلميّة.

حين صوّت الاتحاد الأوروبي معبرّاً عن ثقته بالمنهاج الفلسطيني قبل ثلاثة أشهر؛ لم تمرّ محاولات الاحتلال، ومع تجدّد مساعيه "المستميتة" اليوم نقول: لن تمرّوا، وسيبقى الموقف المشرّف للبرلمان الأوروبي المساند لقطاع التعليم في فلسطين؛ ودعم الاتحاد الأوروبي ودول العالم ومؤسساته ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين للتعليم، علامات فارقة على جبين المشهد التعليمي المشرف بغرض الانتصار الواضح للحق الفلسطيني في التعليم والحياة، وبما يدحض مزاعم الاحتلال وروايته واتهاماته المغرضة بحق نظامنا التعليمي.

لن تمرّوا ... وهي فرصة سانحة لتجديد الآمال بأن يواصل كافة الأحرار في العالم الوقوف وقفة مشرفة معنا؛ للجم ممارسات الاحتلال وانتهاكاته المستمرة بحق القطاع التعليمي، والانتصار لحق أطفال فلسطين في تلقي التعليم النوعي في ظل بيئة آمنة ومستقرة.

استهداف المنهاج، والحملة على التعليم في القدس، وعلى مدارس التحدي.. حملة لم يسبق لها مثيل اليوم، وهي حملة لم يتورّع الاحتلال فيها عن توظيف أدواته كلها، أما نحن فواثقون من قدرتنا على تأكيد الحق لأن الحق سينتصر، ومنطق القوة سيتقهقر أمام "قوة المنطق"، وتأسيساً على وعي الشركاء ومهنيتهم، وعلى الروح الكبيرة لأبناء شعبنا ومؤسساته، نقول للاحتلال: لن تمرّوا، ولن يلامس النجاح مخططكم الهادف إلى وأد نجاحنا في بلورة منهاج نباهي به الدنيا، ونعتز به أمام أنفسنا؛ لأننا انتصرنا لهويتنا ولتاريخنا وهو ما أثار حفيظتكم، ونعرف إلى أين نسير، وندرك تماماً أنكم لن تمروا ... لن تمروا.

عن القدس الفلسطينية