د. أمجد أبو العز - النجاح الإخباري - هل نملك هوية وطنية موحدة ، هل صورتنا عن انفسنا تتطابق مع صورة الناس عنا أم هناك فجوة بين الصورتين؟ هل نحن مسلوبي الإرادة ؟  سواء كانت نظرتنا لانفسنا سلبية أم إيجابية ، اليست نظرة الشعب الفلسطيني لنفسه هي نتاج وثمرة لمراحل كان للعامل السياسي والاقتصادي اثر في تشكيلها؟ بمعنى آخر، هل ساهمت أوسلو في خلق ما يسمى "المواطن الفلسطيني الجديد". هل ساهمت سنوات الجزر والانكسار التي نعيشها الان  في اخراج اسوء ما فينا الان واصبحنا متوترين مستوزرين نسعى للكسب السريع  بأي ثمن مع عدم تقديرنا لأي قيم؟ ما أشعر به ان فلسطين التي تركتها قبل عشرين عام ليست فلسطين التي اراها الان. لا شك ان  الخمس وعشرين سنة الماضة وهي عهد اوسلو التي اقترن فيها النظام السياسي الفلسطيني بعدة صفات مثل الاستبداد والفساد والمحسوبية والمحاصصة والحزبية  والانقسام والتششت في البرامج  والجمود السياسي، القت بظلالها على طبائع وهوية اطباع الجيل الفلسطيني الجديد، وانقلابا على منظومة القيم  التي كانت سائدة. مما ادى الى انتشار السلبية والانتهازية والأنانية بين المثقفين والسياسيين، وخلق ثقافة غوغائية الشارع التي نعيشها الان، وبروز منتهزي الفرص وتجار الازمات..... وتراجعت قيم الانضباط  والاستقامة في أوساط العاملين ، كما اهتزت الكثير من القيم الأخلاقية والسلوكية الفلسطينية. التساؤل الاخر، هل الصورة المرسومة فى الفضاء الإعلامى والسياسى الفلسطيني الراهن تعبر حقا عن المستوى الحضارى للشعب الفلسطيني؟ هل صدقت نبوءة  عبد الرحمن الكواكبي  الذي ربط في كتابه "طبائع الاستبداد" بين الاستبداد وفساد الاخلاق.

الإنجليز مشهورون ببرودة دمِّهم واخفائهم لمشاعرهم واعتزازهم بانهم من رواد الثورة الصناعية الاولى، وإن الفرنسيين يتسمون بالعقلانية الديكارتية، وانهم رواد الثقافة والادب والفن، فى حين أن الروس معروفون بخوفهم من السلطة ومن الأجنبى مع اعتزازهم بوطنيتهم وتاريخهم . هذه الصفات دفعتني للتساؤل كيف يرى الفلسطيني نفسه؟ ماذا يعني ان تكون فلسطينيا؟ والتساؤل ايضا عما إذا كان للفلسطينيين طبعاً وطنياً واحداً متميزاً. هل نظرتنا لانفسنا هي نفسها قبل اوسلو وبعد أوسلو ؟ 
كيف يرى الفلسطيني نفسه الان ؟ ماذا يعني ان تكون فلسطينيا؟ سؤال اكرر طرحه دائما على طلابي في مساق الدراسات الفلسطينية، للاسف، اجابات الطلبة دائما تشعرني بالألم والحزن .لماذا؟ لان الاجابات اظهرت ان الجيل الجديد من الشباب الفلسطني يحمل صورة سلبية عن نفسه، وعن مجتمعه عن قدراته. ونلاحظ مصطلحات وصفية لهذا المجتمع لا تطباق مع صورتنا عن انفسنا وعن مجتمعنا؟ فبالاضافة الى صورة كون الفلسطيني "ضحية" وهي الصفة التي سادت على مدار الثلاث سنوات، برزت صور اخر ى لا شك انها موجودة في اي شعب اخر، ولا تقتصر هذه الصفات على الشعب الفلسطيني مثل "منافق، متملق ، فهلوي، وللاسف "خانع" ولكن ما اثار استغرابي وصف بعض الطلبة الشعب بالمترد على القيم وفي نفس الوقت "المتاقلم مع الظلم والاحتلال. يضاف الى ذلك ووقوفه مع مصلحته الشخصية وليس مع الحق. وابرز دليل على ذلك تاقلمه مع 24 قوة احتلال احتلت ارضه. يوميا نرى ظلما ، يوميا نرى اعتداء على الحريات العامة ، يوميا نرى ونسمع تحرشا، يوميا نرى زعران يغلقون شوراعنا ولا نحرك ساكنا، يوميا نرى تردي في الخدمات وبلدياتنا تدار بمعادلات بعيدا عن الشفافية والنزاهة والرقابة، شوارعنا مهدمة والخدمات بأقل مستوى ولا نحرك ساكنا، غوغائية الشارع ومنتهزي الفرص وتجار الازمات هم المسيطرين الان!!!. لماذا اصبحنا مسلوبي الإرادة هل تم تدجين المواطن الفلسطينيلكن السنا  شعب الجبارين ؟السنا الشعب المتضامن؟ السنا من وقف في وجه الاحتلال؟ السنا والسنا ؟ لماذا هذا التراجع في احترامنا لقيما ولصورتنا الذاتية؟ هل اتفاقية اوسلوا غيرت من الهوية الفلسطينية ومن صورة الفلسطيني عن نفسه واحترامه لذاته ولقيمه. كما اشرت سابقا هذه صفات بشرية موجودة في اي شعب ولكن المحزن ان الصفات السلبية التي عبر عنها طلابي في المحاضرات تفوق الصور الايجابية مما يعني ان صورتنا عن انفسنا كفلسطينين سلبية. في المقابل صورة الفلسطيني في الخارج ما زالت ايجابي عقلي الباطن في بعض الاحيان يطمئنني باستحضار المثل العربي " لكل جواد كبوة" ولا سيما  ان من مميزات  الطبع الوطني  يمكن أن يتغير من مرحلة إلى أخرى، وان الانغلاق الفكري والحصار الذي نعيشه الان هو سبب هذه الصورة، ويوما ما سيستعيد الشباب الفسطيني صورته الايجابية عن نفسه، ولكن حينما تتوحد مصلحته الوطنية مع قدراته الوطنية. فالرؤية الاستراتيجية لكل بلد هى ثمرة تفاعل بين المصلحة الوطنية من جهة والقدرات الوطنية من جهة ثانية.

من المسؤول عن فقدان شبابنا رؤيتهم الايجابية لمجتمعهم وقيمهم. لا اعلم هل هذه الصورة الدخيلة هي نتيجة الظروف السياسية القائمة؟ في ظل شح المصادر وغلبة المصلحة الشخصية على العامة؟ هل فقدان حلم الوطن الكبير هو الذي دفع الشباب الحرص على حديقة منزلهم ومصالحهم الشخصية على حساب المصلحةالعامة؟ وكيف نعرف المصلحة الوطنية العليا؟ هل هي مصلحة النخبة ام مصلحة الشعب؟ ولماذا يتمسك الشباب بقيم التضحية في الوقت الذي يرون فيه مجتمعهم يقدر المال اكثر من العلم ، والخاص على العام؟ وان تضحياتهم ستذهب هباء منثورا. هل فقدانهم الامل في التغيير؟ هل هو نتيجة فقدان القدوة او بالاحرى انهيار القدوة امامهم ؟ هل هو نتيجة الازمات والنكسات وغياب بصيص امل في تحقيقنا اي نوع من الانتصار او الانجاز؟ هل التراجع الديني والاخلاقي و القيمي الذي نشهده الان " من زراعتنا لاشتال المخدرات في اراضينا ، وقتلنا لأبنائنا وبناتنا وممارسة الابتزاز الالكتروني، واعتدائنا على المدرسين، والواسطة والمحسبوية والعنصرية وغيرها من المممارسات الدخلية على مجتمع يرضخ تحت الاحتلالسالت يوما احد الطلاب لماذا تنافق؟ كان جوابه صادما !بالقول يا دكتور في ظل غياب الشفافية والعدالة في التوظيف فإلنفاق وتبجيل المسؤول هي طريقتي الوحيدة للحصول على فرصة ووظيفة، فانا لا امل واسطة ؟ ومتاكد ان لكل مخطئ تبريره المقنع لعمله . فالاكاديمي الفاسد والاكاديمي المتحرش وهم كثر، لديه من التبريرات لاقناعك بانه اعتداله لن يغير شيئا في المجتمع، ونرى بعضهم يغير توجهاته السياسية كما يغير حذائه ،والتاجر الفاسد يستغل الثغرات في المنظومة لتبرير افعاله ايضا. هل المشكلة في المنظومة ام الثقافة ام كلاهما؟

هناك حاج لإنشاء مؤسسة وطنية تعيد لنا اعتزازنا بهويتنا وقيمنا لاننا بلا هوية، الان نحن بحاجةالى مؤسسة تساهم في تعزيز البعد الاخلاقي في ظل الازمات الاخلاقية التي نعيشها الان، نحتاج  الى ثقافة التسامح ونبذ العنف في المدارس  والجامعات. نحتاج الى ثقافة الاختلاف بأدب بدون حمل  السلاح. نحتاج لمصارحة شعبنا  بما يجري حولنا وحول مصيرنا.
وحتى ذلك الوقت يجب علينا الترحم على شاعرنا وصانع هويتنا القديمة محمود درويش الذي قال " هل كان علينا أن نسقط من عُلُوّ شاهق، ونرى ‏دمنا على أيدينا... لنُدْرك أننا لسنا ملائكة.. كما كنا نظن؟ وهل كان ‏علينا أيضاً أن نكشف عن عوراتنا أمام الملأ، كي لا تبقى حقيقتنا عذراء؟ كم ‏كَذَبنا حين قلنا: نحن استثناء! أن تصدِّق نفسك أسوأُ من أن تكذب على ‏غيرك!"