محمد علي طه - النجاح الإخباري - لم يترحّم عليه أحد، ولم يأسف عليه أحد، ولم يبكه أحد، ولم يرثه أحد، ولم يسر في جنازته أحد حتّى الّذين تفاءلوا ساعة ميلاده وتوسّموا فيه الخير، (وأعترف بأنّني كنت واحدًا منهم) لم يذكروا محاسن الميّت، عملًا بالسّنّة النّبويّة، على الرّغم من أنّ له محاسن جليلة (لا ينكرها شانئ) توارت خجلًا من عينيّ طفلة أسيرة وزيتونة مقلوعة وكرمة مبتورة وحاكورة مسبيّة.
وما جلس أبوه في بيت عزاء، ولم ترتدِ أمّه السّواد وأمّا القابلة فغسلت يديها، وأمّا أبناء الحارّة فقالوا: "لا ردّه الله!" وكأنّ الله تعالى ينوي إعادة اليعازر مرّةً ثانية بعد عشرين قرنًا.
 قبل أن يُطفئ الشّمعة الأولى من عمره القصير تقدّم اليه من سجى الظّلام طبيبٌ رضع حليب الطّفولة من أثداء الذّئبة مقلّدًا أجداده سفّاحي الهنود الحمر وأطلق عليه عدّة رصاصات فما حدث خسوفٌ ولا كسوف ولكنّ الوالدين والقابلة أعلنوا عودته الى الحيّاة بعد سبت النّور. ونحن الّذين ننتظر أنهارًا من الخمر وجداول من الشّهد وسبعين حوريّة صدّقنا ذلك وتناولنا كسرات الخبز عن الرّصيف وقبّلناها ووضعناها على رؤوسنا لأنّها نعمة الله.
ماذا يفعل الرّجل الغريق إذا رأى قشّة في الموجة أو تراءت لعينيه حبال الهواء!!؟
كم محزن موت الأطفال وكم مؤلم اغتيال طفلة سمراء!
شربنا السّراب الّذي تراءى لنا في سيناء والرّبع الخالي ونيفادا فنهض الطّبيب القاتل من مزاره الرّخاميّ في احتفال الشّمعة الثّانيّة وأطلق ثلاث رصاصات أردت الحلم الجميل. ولم نصدّق أنّه مات ولا نريد أن نصدّق أنّه مات على الرّغم من أنّه مات وشبع موتًا. يا لله من أيّ بحرٍ غرف شعبنا هذا التعبير الموحي "شبع موتًا!" 
وبعد خمسة وعشرين خريفًا على ميلاده صدرت شهادة الوفاة الرسميّة فلم يتفاجأ أحد، لا الأهل ولا الغرباء. تُرى هل سنحيي ذكراه كلّ عامٍ وماذا سوف نصلّي؟ وهل سيندم العراقيّون الّذين شاهدوا القتلة يطعنون الحسين فتعاموا وصمتوا؟
لا أدري. وأمّا الّذي أدريه فهو أنّ  أوسلو مات مرّتين. مات في المرّة الأولى في الحرم الإبراهيميّ في الخليل، ومات في المرّة الثانيّة في "كيكار همديناه" التّي صار أسمها ميدان رابين في تل أبيب.
صلّوا عليه "قاديش" وقرأوا عليه "أبانا الّذي في السّماوات" ورّتلنا "الفاتحة". آمين آمين. وعظّم الله أجركم.