نبيل عمرو - النجاح الإخباري - تابع أهل فلسطين الأحداث الأخيرة التي مر بها الأردن. ورغم القلق الذي يشعر به الفلسطيني ولو من شكة دبوس تصيب الجسد الأردني، الا أن اعجابا جماعيا أظهره الفلسطينيون تجاه المنحى والأسلوب الذي اتخذه الحراك الشعبي المنظم والمستنير، ومعه اعجاب بالمعالجة المسؤولة التي قام بها رأس الدولة "الملك" الذي يصنف مخضرما بفعل الزمن والتجربة.

تابع أهل فلسطين ما كان يجري في الاردن بشغف يوازي وعيهم لمكانة الأردن في حاضرهم ومستقبلهم، فالاردن والاردنيون ليسوا مجرد شعب وكيان مجاور، او بلد سخي الضيافة لكل من اضطر للجوء اليه، بل انه احد مقومات الوجود الفلسطيني كمجتمع وقضية وكيان، ثم أن الأردن والهاشميين بالذات، امتلكوا ميزة نادرة وربما متفردة في عالمنا العربي، وهي إنجاح وأدامة اقوى وأعمق وحدة بين شعبين، ولقد صمدت هذه الوحدة رغم ما تعرضت له من عواصف وأنواء منذ اليوم الأول لولادتها والى ما لا نهاية، وذلك بفعل اليقين الشعبي الفلسطيني والأردني، باستحالة الحياة دون ذلك الاندماج الإيجابي بين مجتمعين، عرفا كيف يواصلا عيشا مشتركا في بقعة جغرافية هي الأضيق والأكثر تعقيدا، وفي خضم بيئة تشكل القضية الفلسطينية فيها بؤرة دائمة الاشتعال، ومفاعلا نشطا لانتاج أزمات متتالية تهدد الاستقرار بحدوده الدنيا، وتعيق التنمية وفق مسار منتظم .

واذا كان الأردن هكذا بالنسبة للفلسطينيين، فهو كذلك وان بصور مختلفة بالنسبة لدول وشعوب الإقليم، فالاردن أيقونة استقرار يستفيد منها كل من يعيشون على أرض الشرق الأوسط المضطرب، ووفق وقائع التاريخ منذ منتصف القرن الماضي، فكل من يحيط بالأردن محاذيا أو بعيدا الى حد ما، شكّل هذا البلد النوعي بالنسبة له إمّا درعا قويا يصد عنه إخطارا راهنة أو كامنة، أو ملاذا لموجات بشرية غادرت بلادها تلمسا للأمن والأمان، فما من بلد ابتلي بحرب أهلية أو إقليمية، الا ووجد النازحون بفعل هذه الحرب مكانا على ارض هذا البلد، وفي زمن الربيع العربي، حيث الملايين الذين تدفقوا على الأردن ولا أحد يعرف كيف استطاع هذا البلد محدود الإمكانيات في استيعاب ضيوفه وتنقيتهم من بذور وامتدادات الإرهاب الذي زرعت بعض خلاياه في ثناياه.

وفي الحكاية الأكبر وعنوانها تسوية الصراع العربي الإسرائيلي الذي يجري الحديث عنه أكثر بكثير من الجهد الجدي المبذول لمعالجته، فالأردن الذي هو طرف أساسي فيه، جازف باختيار نهج الاعتدال، وانتهج سياسة الطرق المفتوحة لتقوية تأهيله الذاتي والموضوعي للعب دور بناء في هذا الاتجاه دون ان يبتعد عن ضوابط الموقف العربي المشترك الذي كرسته القمم المتعاقبة، وشكل من خلال المشروع العربي للسلام، أساس المواقف الواقعية تجاه هذا الصراع المزمن.

وإذا كان الأردن وفق كل ما تقدم هو بالفعل عامل الاستقرار الأهم للمنطقة وفي المنطقة، فإن دعمه والالتفاف حوله لم يعد مجرد سياسة تضامنية مع بلد وشعب شقيق، بقدر ما هو في واقع الأمر حاجة ضرورية وسياسة دفاعية رئيسية لكل المحيطين بهذا البلد.

خلاصة القول ... لإن نجت الدولة الأردنية نظاما وشعبا ومؤسسات، في تجاوز اثار مخاوف كل محبي هذا البلد والمستفيدين من استقراره، فبقي عليه أن ينطلق الذين نجحوا في معالجة الأحداث الأخيرة الى عملية أوسع للنجاح فيما هو اهم وأعمق وأطول مدىً وهو توليد اردن جديد وعدت به حكومته، من اجل توفير ضمان أطول مدى لتفادي الأزمات وسد المنافذ أمام المتربصين بهذا البلد وما اكثرهم.

إنني أشعر بتفاؤل بإمكانية نجاح على هذا الصعيد، وذلك بحكم نجاح التجربة الأردنية منذ تأسيسها في أمر البقاء، ما يجعل النجاح فيما هو أفضل من ذلك أمرا ممكناً.

نقلا عن صحيفة القدس