الدكتور محمد كمال - النجاح الإخباري - هناك العديد من المؤشرات التي تدل على أن الشرق الأوسط على وشك الدخول في مرحلة جديدة من حيث أولوية القضايا، والتي سيتم في إطارها إعادة صياغة المنطقة وشبكة الحلفاء والخصوم. ويبدو أن قضيتي إيران وعملية السلام العربي الإسرائيلي سوف تحتلان الأولوية دون ماعداهما من قضايا، و لكن وفقا لرؤى ومعطيات جديدة.

هذا الشكل الجديد للشرق الأوسط لم يطرح بعد بشكل رسمي، ولكن إرهاصاته تبدو واضحة في المناقشات التي تتم في العديد من المؤتمرات العلمية الدولية، وأحدها كان مؤتمر شاركت فيه منذ أيام و نظمه معهد شنغهاي للدراسات الدولية وجامعة شنغهاي بالصين.

وكان عنوانه «التسوية السلمية في سوريا» وهو يوضح الإهتمام الصيني المتزايد بالمنطقة. النقاش في مثل هذه المؤتمرات سواء داخل الجلسات الرسمية او في الحوارات الجانبية كثيرا ما يتفرع الى كل قضايا المنطقة.

قضية إيران أصبحت بؤرة الاهتمام، والأمر لا يرتبط فقط بقرار انسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي مع إيران، فجزء من تفسير هذا القرار يعود الى رغبة الرئيس ترامب في الغاء أي إنجاز حققه سلفه أوباما سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية، و كما ألغى إنجازه الخاص بالتأمين الصحي قام أيضا بإلغاء قراره بشأن الاتفاق مع إيران. القضية أيضا لا تتعلق بموضوع مكافحة الإرهاب، فهذا الموضوع لم يعد يحتل نفس الأهمية لدى ترامب مقارنة بما كان عليه الأمر عند بداية ولايته.

وهو يعتقد أن خطر الإرهاب قد انخفض كثيرا بعد هزيمة «داعش» في العراق و سوريا، وأن الداخل الأمريكي أصبح أكثر أمنا من خطر الإرهاب، أي أنه قد أنجز المهمة المتعلقة بهذا الأمر.المسألة الإيرانية لدى ترامب تتعلق بشيء أكبر وهو رفضه سياسة دمجها في العالم والذي ترتب عليه رفع العقوبات الإقتصادية عنها، ويرى أن الأفضل هو التعامل مع إيران على أنها دولة منبوذة، وتضييق الحصار وفرض المزيد من العقوبات عليها، وأن هذه السياسة الجديدة سوف تحقق المزيد من المصالح الأمريكية، وقد تسهم في النهاية في تغيير النظام الإيراني بأكمله وليس فقط تغيير سياساته. لذلك فإن التصعيد الأمريكي سوف يستمر ضد إيران دون التورط في صدام عسكري مباشر، ولكن هذا لا يمنع من إعطاء إسرائيل ضوءاً أخضر لاستخدام الاداة العسكرية في التعامل مع إيران. ومن الواضح أن الأراضي السورية مرشحة لأن تكون الساحة التي ستشهد التصعيد ضد إيران، ولكن دائرة التوتر والعنف قد تمتد الى دول أخرى، وتجعل من إيران القضية الإقليمية الأولى في الشرق الأوسط.

القضية الثانية تتعلق بعملية السلام العربي - الإسرائيلي، وهنا تشير بعض التحليلات الأميركية الى أن الولايات المتحدة في طريقها لتبني مفهوم جديد بشأن الملف الفلسطيني، يقوم على التعامل مع هذا الملف في إطار تفاهمات إقليمية أكبر بين الدول العربية وإسرائيل، و ليس فقط قضية الدولة الفلسطينية واعتراف هذه الدولة بإسرائيل وترتيبات الأمن بينهما. والفكرة التي تتبناها الولايات المتحدة -وبالتأكيد تؤيدها إسرائيل– هي أن الفلسطينيين ليس لديهم شيء يقدمونه لإسرائيل في مقابل السلام، وأن فكرة الأمن مقابل السلام لم تعد تعني شيئا لإسرائيل في ظل تفوقها العسكري الكبير، وبالتالي فإن الثمن يمكن أن يأتي من الدول العربية، وبالتالي فإن عملية التفاوض قد تشهد خطوات لما يسميه الأمريكيون «بناء الثقة»، مثل قيام إسرائيل بوقف بناء المستوطنات خارج الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية مقابل قيام الدول العربية ببعض الإجراءات التي تتضمن التواصل أو التطبيع مع إسرائيل، أو البدء في تعاون في مجالات محددة. أي الولايات المتحدة وإسرائيل تفضلان أن يكون التعامل عربيا - إسرائيليا وليس فلسطينيا- إسرائيلي فقط. والبعض يرى أن هذا التفكير يمثل عودة الى المنطق الذي كان سائدا في المرحلة من عام 1948 الى عام 1976، عندما كانت الدول العربية مسئولة عن القضية الفلسطينية وتأخذ قرارات بشأنها.

باختصار، فإن الشرق الأوسط على أعتاب مرحلة جديدة يتم فيها طرح أولويات جديدة، و يتم التعامل مع القضايا القديمة بمنطق جديد، و بشكل لم تعتد عليه المنطقة. والأمر يتطلب التروي والحذر والحكمة في التعامل.

...عن «الأهرام» المصرية