الدكتور ناجي صادق شراب - النجاح الإخباري - استاذ علوم سياسية-غزة

ثمة إتفاق بين الباحثين والدارسين للشأن الإيراني الإسرائيلي ان الحرب باتت قريبه بينهما، وذلك في أعقاب تطور المواجهات المباشرة، و التصريحات القوية بقدرة كل طرف على إبادة القدرات العسكرية للطرف الآخر، ولعل اخطرها تصريحات قائد فيلق القدس الإيراني حول قدرة إيران على محو إسرائيل من على خريطة العالم.

رغم ان هذه التصريحات ليست المؤشر الذي يمكن ان نبني عليه إحتمالات الحرب، فقبل ذلك صدرت العديد من هذه التصريحات. وتقدم إيران وإسرائيل نموذجا مغايرا في العلاقات بين دول القوة ، ورغم الحالة العدائية التي تحكم العلاقات بينهما، فهناك العديد من المصالح المشتركة التي تجمع بينهما. وكما يقول الكاتب الأمريكي تريتا بارسي انهما ليستا في صراع أيديولوجي كما يعتقد الكثيرون، كون المصالح الإستراتيجية بينهما تتقاطع في كثير من المجالات، وان العلاقات تحكمها البرغماتية والواقعية اكثر من الأيديولوجية الطاغية على العلاقات.

فتاريخيا كانت إيران من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل بعد عامين على إنشائها في زمن الشاه. ورغم إغلاق القنصلية الإيرانية في القدس في عهد حكومة مصدق إلا أن العلاقات إستمرت بينهما في العديد من المجالات الإستراتيجية وخصوصا العسكرية، حيث شكلت إسرائيل مصدرا للسلاح، وفي مجال التطوير الزراعي، وحكمت العلاقات بينهما العدو المشترك يومها الإتحاد السوفيتي والعرب.

وإستمرت العلاقات على هذه الدرجة من التحالف إلى ان دخلت مرحلة جديدة من العداء في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، رغم انها لم تتخل عن براجميتها، لكن الذي بات يحكم العلاقات حالة من العداء، بمعنى إعتبار كل منهما الآخر هو العدو.

ومع ذلك وقد يبدو هذا فيه قدر من التناقض فقد استمرت العلاقات بينهما في وقت الحرب العراقية لما شكلته من مصلحة مشتركة، بل إن البعض مثل الكاتب بارسي يذهب أن هذه الحرب كانت سببا في ضرب إسرائيل المفاعل النووي العراقي. واستمرت بعض العلاقات قائمة بطريقة غير معلنة لوجود حالة من العداء المشترك للعرب. والسؤال هنا كيف يمكن فهم العلاقات بينهما؟ وما هي إحتمالات الحرب؟ وهل يشكل هذا الصيف صيفا حارا؟

وغالبا ما يلجأ لمفهوم توازن القوة لتفسير حالة الصراع والحرب بين الدول، وخصوصا دول القوة. وهذا المبدأ يمكن أن يطبق على حالة الصراع بين إيران وإسرائيل، وكما وصفه الرئيس الأمريكي وودر ويلسون بالمبدأ الشرير في العلاقات بين الدول. وهو الذي يقف وراء إندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية، والعديد من الحروب بين الدول. وهناك من يرى ان هذا المبدأ قد يقف وراء حالة الإستقرار في القوة بين الدول. وهذا الفهم مرفوض في العلاقات بين الدول لأنه يقوم على تحقيق مبدأ السلام والتوازن في المصالح بين الدول، والتي تقوم على مبدأ واحد وهو هيمنة مصالح الدولة الأقوى في المنطقة، وهو ما ينطبق على العلاقات بين إيران وإسرائيل كما سنرى لاحقا، ما يؤكد صدقية هذا الفرضية أنه على مدار خمسة قرون من النظام الأوروبي إندلعت 119 حربا، ونادرا ما تحقق السلام، لأن الأساس في مفهوم القوة لا يقوم على التوازن بقدر ما يقوم على فرض مصالح الدول الأقوى. ولذا يستخدم هذا المفهوم من منظور توزيع القوة بين الدول. وحرص القوى الإقليمية والدولية التي تتصارع أولا على تغيير نمط هذا التوزيع، بالسيطرة على موارد القوة أو بحرمان الدولة المنافسة من إمتلاكها، أو بتوسيع مجالها الحيوي بما يعنى إختزال وتراجع المجال الحيوي للدولة الأخرى وهنا هي إسرائيل.

وقد يستخدم المفهوم أيضا كسياسة بمعنى حرمان أي دولة منافسه لإمتلاك مصادر القوة، أو حتى تغيير نمط توزيع القوة، وهذا التفسير ينطبق على العلاقة بين إيران التي تسعى لتغيير نمط توزيع القوة القائم والذي تتحكم فيه إسرائيل، بإمتلاكها لمصادر القوة كالقوة النووية أو بتوسيع مجالها الحيوي بتواجدها على الحدود مع إسرائيل في سوريا، وهو ما يجعل البعض يذهب الى التأكيد بأن الحرب باتت وشيكة، لأن إسرائيل وكنموذج لدولة القوة المهيمنة والمسيطرة لن تسمح لإيران أولا بتغيير نمط توزيع القوة بإمتلاكها القدرات النووية ، ولن تسمح بتواجدها على الحدود في سوريا، وهذا ما يفسر لنا الرسالة المباشرة لضربها اهدافاً ايرانية في سوريا بشكل مباشر ، بما يعني تحول وسيلة الحرب من الحرب بالوكالة بينهما للحرب المباشرة.

ومما يؤكد هذا الرأي ان حالة العداء المشترك هي التي تحكم العلاقات بين الدولتين بمعنى ان هناك عاملان يقويان من خيار الحرب رغبة إيران وسعيها الحثيث لإمتلاك عناصر القوة، وتغيير نمط توزيع القوة السائد والذي تتحكم فيه إسرائيل، وإستبداله لحالة التحالف أو الإختلاف إلى حالة عدائية.

وهناك العديد من الخبراء يرون ان فرصة الحرب بينهما لا تتجاوز ثلاثين في المائة، ومع ذلك فهي نسبة ليست قليلة، لأنه في ادبيات الحرب نسبة الواحد في المائة قد تغلب على اي خيار آخر, وهو ما يؤكد مصداقية الفرضية التي يثيرها مبدأ توازن القوة في تفسير السلوك السياسي لكل من إيران وإسرائيل.

ولعل البيئة الإقليمية والدولية قد تشكل بيئتان دافعتان لدفع إسرائيل للتسريع بقرار الحرب ، فتزايد المخاطر الإيرانية في المنطقة العربية، وما تقوم به من محاولات للتوسع على حساب المصالح العربية، مما خلق حالة من العدائية الإيرانية العربية غير مسبوقة تقوم إسرائيل بإستثمارها، وعلى مستوى البيئة الدولية فلا شك الإدارة الأميركية والدعم الأميركي من إدارة ترامب غير المسبوق هو الدافع الرئيس ، فلن تتخذ إسرائيل قراراها بالحرب دون الضوء الأخضر من الولايات المتحدة.

أما عن الموقف الروسي فإسرائيل ليست متخوفة كثيرا من الموقف الروسي الذي لن ينغمس من اجلها في مواجهة مع الولايات المتحدة، لذلك الدور الأميركي الروسي قد يأتي بعد الحرب للتوصل لصيغة سياسية ما تحفظ مصالح إسرائيل الحيوية في سوريا وتقلص من التواجد الإيراني.

وعموما الحديث الآن ليس عن حتمية الحرب التي قد تقع بعد إفتتاح السفارة الأمريكية في القدس ، ولكن السؤال متى وكيف ومن سيتخذ القرار بالحرب؟

[email protected]