يوسف قطينة - النجاح الإخباري - لا جدال في أن الدول الاستعمارية الثلاث: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تاريخها في الوطن العربي قاتم وكالح وشديد السواد، اذ ان بريطانيا وفرنسا أساس كل النكبات التي نزلت بساحة العرب في العصر الحديث، فمنذ ان وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، سعت هاتان الدولتان الاستعماريتان الى تمزيق الوطن العربي كل ممزق، وتقسيمه الى دويلات ضعيفة، منعاً لإقامة دولة عربية واحدة موحدة، تستثمر الثروات الهائلة التي يموج بها هذا الوطن العربي، من ثروات نفطية، حيث يمتلك وطننا العربي ما نسبته ٦٥،٧٪ من الاحتياطي

العالمي المؤكد من النفط، اما ما يمتلكه من الغاز فتقد نسبته ب ٦١،٩٪ من احتياطي الغاز الطبيعي في العالم، ناهيك عن الأراضي الزراعية الخصبة والثروات الطبيعية الهائلة فيه، وما يحتويه من معادن وكنوز ثمينة في أراضيه الشاسعة، هذا عدا امتلاكه ثروات اثرية هائلة، اذ ان الوطن العربي كان مهد الحضارات القديمة، التي تعاقبت على ارضه، هذا عدا عن الموقع الاستراتيجي للوطن العربي.

ومن أجل السيطرة على كنوز هذا الوطن العربي، من خلال تمزيقه الى دويلات هشة ضعيفة واحتلاله

كانت اتفاقية سايكس - بيكو، التي وقعها الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، والتي كانت تنص على اقتسام فرنسا وبريطانيا منطقة الهلال الخصيب بينهما، بموافقة روسيا القيصرية، وبعد هذه الاتفاقية جاء اصدار بريطانيا وعد بلفور في الثاني من تشرين الثاني من سنة ١٩١٧، الذي وعد باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وبهذا اعطى من لا يملك لمن لا يستحق، وكان هذا الوعد فاتحة المصائب والنكبات التي حلّت بالشعب الفلسطيني بخاصة والوطن العربي بعامة، حيث اقيمت اسرائيل على انقاض أرض الشعب الفلسطيني التاريخية.

وعقب العدوان الثلاثي: البريطاني والفرنسي والاسرائيلي على مصر، وأفول نجم الامبراطورية الاستعمارية، وغياب شمس الاستعمار الفرنسي، خاصة عن الجزائر ورثت الولايات المتحدة مناطق نفوذ بريطانيا، وغدت الدولة الاستعمارية الأولى، ليس في الوطن العربي فقط، بل وفي العالم كله.

وسياسة الولايات المتحدة الاستعمارية في الوطن العربي عمادها امران: الحصول على النفط العربي بأبخس الأثمان، وحماية اسرائيل باعتبارها حليفها الاستراتيجي الأول في المنطقة، ويدها الباطشة التي تستخدمها ضد كل من يهدد مصالحها الاستعمارية في المنطقة، او يهدد امدادات النفط العربي عامة والنفط الخليجي اليها بصورة خاصة . والإبقاء على الدول العربية هشّة وضعيفة وممزقة، ركن ركين في السياسة الأميركية، اذ انه غير مسموح أميركياً قيام دولة عربية قوية، تستثمر الثروات العربية الطائلة لصالح الشعوب العربية، بل لصالح المستعمر الأميركي خاصة، والمستعمر الغربي عامة، وفي ذات الوقت، فانه وأميركياً أيضا، محظور قيام وحدة عربية، لأن من شأنها حرمان الولايات المتحدة من التحكم بثروات الوطن العربي، بل وأيضاً بسياسته وبقراره، ومن هنا تكالبت أميركا وبريطانيا وفرنسا، بمشاركة اسرائيل، على مصر في عهد الزعيم جمال عبد الناصر، الذي نادى بالوحدة العربية، وبأن تكون ثروات العرب، خاصة النفطية للشعوب العربية كافة، وكان يرفع شعار: " نفط العرب للعرب".

ولدى قيام الجمهورية العربية المتحدة، في شباط من عام ١٩٥٨ برئاسة الزعيم عبد الناصر، تآمرت تلك الدول الاستعمارية بالتعاون مع دول عربية، لإجهاض أول وحدة عربية في التاريخ الحديث.

فلم تدم تلك الوحدة أكثر من ثلاثة أعوام ونيّف، ثم جاء العدوان الاسرائيلي في الخامس من حزيران من سنة ١٩٦٧ بتواطؤ أميركي، في عهد الرئيس الأميركي الأسبق ليندون جونسون، لإسقاط حكم عبد الناصر، ولكن الشعب العربي خرج عن بكرة أبيه، يرفض تنحي عبد الناصر ويطالبه بالاستمرار في الحكم حتى ازالة آثار عدوان ١٩٦٧.

ولكن القدر لم يمهل عبد الناصر لإتمام مهمة ازالة آثار العدوان،و تحرير الأراضي العربية المحتلة في ذلك العدوان، حيث وافته المنية في الثامن والعشرين من أيلول من سنة ١٩٧٠، ولكن خلفه انور السادات، انقلب على سياسات عبد الناصر، ولبىّ المطالب الأميركية، ومنح القرار العربي للولايات المتحدة بمقولته الشهيرة ان ٩٩٪ من اوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة، وكان توقيعه اتفاق صلح منفرد مع اسرائيل في"كامب ديفيد" عام ١٩٧٩ واخراج مصر من معادلة الصراع العربي- الاسرائيلي، واقالتها من دورها كزعيمة وقائدة للوطن العربي فاتحه لكل النكبات التي حلت وما زالت تحل بالوطن العربي، من حروب أهلية، حرب لبنان الاهلية كمثال على ذلك، وحروب الخليج الثلاث التي استنزفت ثروات الوطن العربي الهائلة، وأفضت الى تدمير العراق، بعد ان وقع الرئيس العراقي صدام حسين، بغبائه وانفراده بالقرار ، بالفخ الذي نصبته له الولايات المتحدة ودول عربية، لشن الحرب على ايران لاستنزافه واستنزاف القوة الايرانية الصاعدة.

ثم حين زينت له السفيرة الاميركية في بغداد احتلال الكويت بعد ان خرج من حرب الثماني سنوات يملك بعضا من أسباب القوة، فكان ان اتخذت من احتلاله للكويت الذريعة للاجهاض على بقية هذه القوة وللقضاء على العراق كقوة عربية أساسية، فميا كان يعرف بالجبهة الشرقية ضد اسرائيل، أتم الرئيس جورج بوش الابن احتلاله في سنة ٢٠٠٣.

ولكي يبرر جورج بوس الابن، ومعاونوه من المحافظين الجدد، الاكثر عداء للأمة العربية، والأكثر دعما وولاء لاسرائيل لجأوا الى مسرحية السلاح الكيماوي وأسلحة الدمار الشامل، حيث زعمت المخابرات الاميركية، تظاهرها المخابرات الغربية، ومخابرات دول عربية أن العراق يملك أسلحة كيماوية وأسلحة دمار شامل يهدد بها العالم، وخاصة الولايات المتحدة والدول الغربية.

وكانت المسرحية الهزلية التي مارسها وزير خارجية بوش الابن آنذاك، الجنرال كولن باول في مجلس الأمن الدولي في شهر شباط من سنة ٢٠٠٢ التي زعم فيها أن الولايات المتحدة لديها أدلة أكيدة على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، حيث عرض أمام المجلس صوراً ادعى فيها انها لمختبرات عراقية رصدتها الأقمار الصناعية، كمبرر لشن العدوان واحتلال العراق، بمشاركة دول عربية، فتحت أراضيها ومطاراتها وفضائياتها لذلك العدوان المدمر.

وعندها شنت أميركا العدوان المدمر، بمشاركة الدولة الاستعمارية بريطانيا على العراق في سنة ٢٠٠٣ واحتلت العراق ودمرته، وقتلت مئات آلاف العراقيين من مدنيين وعسكريين واستعملت السلاح النووي المنضب، ما أسفر عن ولادة آلاف الاطفال العراقيين المشوهين، واجهاض آلاف النساء العراقيات الحوامل جراء ذلك السلاح لم يعثر المفتشون على أي أثر لتلك الأسلحة المزعومة.

وقد وصف الجنرال باول، بعد العدوان، تقريره في مجلس الأمن، ومسرحيته الكاذبة عن تلك الأسلحة بأنها «وصمة عار» في مسيرته السياسية، وذلك في مقابلة له مع قناة ABC الاميركية، وهكذا دبرت مسرحية الكيماوي العراقي، وأسلحة الدمار الشامل المزعومة لتدمير العراق.

وتعيد الدول الاستعمارية الثلاث: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، الكرة مرة اخرى في سوريا، بزعم أن الرئيس الأسد يستخدم الأسلحة الكيماوية ضد العصابات المسلحة المعارضة لحكمه وذلك تبريراً لضرب سوريا وجيشها. ويتم ذلك كلما حقق هذا الجيش انجازات ضد تلك العصابات المسلحة. واتخذت الولايات المتحدة من مسرحية الكيماوي الكاذبة مبرراً لعدوانها على مطار الشعيرات العسكري، حيث دمرته بتسع وخمسين صاروخا من طراز «توما هوك» اطلقتها بارجات أميركية في البحر المتوسط، صباح السابع من نيسان من سنة ٢٠١٧ بأمر من الرئيس دونالد ترامب.

وفي ذات السياق، جاء العدوان الثلاثي: الاميركي البريطاني الفرنسي المشترك فجر يوم السبت الرابع عشر من شهر نيسان الجاري، على عدة مواقع عسكرية وعلمية سورية بزعم ان الجيش السوري استخدم أسلحة كيماوية في بلدة دوما التي كانت تسيطر عليها عصابات «جيش الاسلام». وقد ظهرت تفاهة «الفيديو» الذي زعم أنه دليل على استخدام تلك الأسلحة، حيث ظهر فيه أفراد يقومون برش الماء على أطفال، ادعي انهم تعرضوا لتلك الأسلحة، وكأن تلك الأسلحة جاوزت المسلحين والشباب والرجال، ولم تصب الا أولئك الاطفال، هذا عدا عن دلائل ثابتة أكيدة تثبت ان ذلك الاستخدام ما هو الا زعم كاذب، والأمر المستغرب، وإن لم يعد اليوم شيء مستغرب في عصر الذل العربي، أن دولا عربية، ساندت العدوان الثلاثي الأخير على سوريا، وفتح بعضها قواعده العسكرية، لتنطلق منها الطائرات الاميركية لشن العدوان على سوريا.

كما ان فضائيات عربية وصحفا عربية واعلاميين عربا باركوا هذا العدوان، وكذلك «المعارضة السورية، بل ان بعضهم ابدى غضبه لأن ذلك العدوان لم يكن واسعاً، ولم يدمر الجيش السوري وقواعده ومطاراته، بل ولم يدمر القصر الرئاسي في دمشق، والأنكى من ذلك أن دولا عربية ثرية مولت ذلك العدوان.

وإن تعجب، فعجب ايضاً، ان القمة العربية التي عقدت مؤخراً في مدينة الظهران، أيدت العدوان الثلاثي على سوريا بصورة غير مباشرة، عندما تبنت مزاعم استخدام الجيش السوري الأسلحة الكيماوية، حيث جاء في بيانها الذي أصدرته في ختام اجتماعها، تنديدها بشدة لاستخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً ضد الشعب السوري، مطالبة المجتمع الدولي بالوقوف ضد هذه الممارسات تحقيقا للعدالة وتطبيقا للقانون الدولي «الانساني». بينما لم تستنكر تلك القمة جرائم القتل، التي تمارسها اسرائيل ضد أبناء الشعب الفلسطيني، خاصة ضد مسيرات العودة السلمية في قطاع غزة، والتي قتل فيها قناصة الجيش الاسرائيلي عشرات المتظاهرين المدنيين وجرحوا الآلاف، بل اعادت تلك القمة الاسطوانة البالية التي عفا عليها الدهر، وهي تمسكها بما تدعوه مبادرة السلام العربية، التي داسها رئيس حكومة اسرائيل الأسبق شارون بقدميه، عندما أعاد احتلال الضفة الغربية، بعد ساعات من إصدار قمة بيروت هذه المبادرة في آذار من عام ٢٠٠٢ فيما سماه عملية «السور الواقي». حقا انه زمن العجائب العربية، بل انه عصر الذل العربي!!