ضحى ميعاري - النجاح الإخباري - تُعنى التنمية بإحداث تغييرات إيجابية على مستوى الفرد والجماعة في مجالات حياتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وقد أصبحت تشغل حيزاً كبيراً على المستوى العالمي من حيث التخطيط ورسم السياسات ووضع الاستراتيجيات للرقي بالوضع الإنساني إلى الأمن والاستقرار والرّفاه.

حيث تبدأ التنمية من حيث الفرد إذ يعتبر الثروة وعنصراً حيوياً ومقياساً تتحدد درجة فاعلية إسهامه في تحقيق التنمية وفقاً لمستوى تبنيه لاتجاهات إيجابية وممارسات سلوكية في تقمص أدواراً مستحدثة وانخراطه بأنشطة وبمشاريع تنموية في مجتمعه، إذ أن تنمية الشعور العام وإذكاء حس المسؤولية وإطلاق شحنة المواطنة كطاقة وجدانية كامنة في نفوس الأفراد تعتبر مدخلاً حقيقياً لترسيخ التنمية وتحقيق جوانبها المنشودة واستدامتها.

في الآونة الأخيرة ارتبطت المواطنة ارتباطاً وثيقاً بالتنمية فقد أصبحت من أولويات الخطط التنموية التي تبحث في سبل تحقيقها وعوائق نجاحها، إذ تبقى المواطنة الركن الأساسي والروحي والأخلاقي في سبيل تنمية المجتمعات التي تغتني بالضرورة بمساحة من المساواة واحترام الحقوق والالتزام بالواجبات والعدالة والمشاركة، كما لا يمكن للمواطنة أن تستقيم مع الفقر والمرض والجهل إذ أن التنمية بمظاهرها تعتبر مناخاً خصباً تتجذر فيه أصول مواطنة كاملة لتمتع الأفراد بمنجزات العلم والتكنولوجيا والثقافة.

وفي ظل العلاقة الجدلية ما بين وحدة وتكامل المواطنة والتنمية  في أداء كل منهما للدور الخاص به داخل إطار واحد يساهم في بناء جسد مجتمعي باعث وقوي يخاطب العقل البشري الواعي والمتحضر. فإن المواطنة من جهتها ترفد التنمية بموارد بشرية تَعمق لديهم الانتماء للروح العامة للجماعة والأخذ بزمام المبادرة والمشاركة بفاعلية في خلق بناء اجتماعي جديد تنبثق منه قيم وعلاقات تفاعلية تشاركية تتضافر فيها جهود كبيرة بين الدولة و القطاع الخاص و مؤسسات المجتمع المدني لإحداث التطلعات والتطورات وتقديم الخدمات اللازمة للتنمية وفق قاعدة من التخطيط والتنسيق ما بين هذه القطاعات. كأن تقدم الدولة خدمات الصحة والتعليم والأمن وفرص العمل وشبكات الاتصال والتكنولوجيا والمواصلات، كما يتبنى القطاع الخاص مسؤوليته الاجتماعية في الاستثمار لتوفير هذه الخدمات كي تتجنب الدولة القروض الدولية أو فرض ضرائب باهظة تثقل كاهل الفرد، كما ويكون لمؤسسات المجتمع المدني دور فاعل ومتميز في زيادة وعي الأفراد بحقوقهم وبواجباتهم وأدوارهم المطلوبة في التنمية ، وبعث روح العمل التطوعي وحب الوطن ومد جسور الثقة والتفاعل بينها والدولة و الدولة والأفراد.

أما التنمية فإنها تعبر عن المواطنة شكلاً وترتبط بها مضموناً، فهي انعكاس لمعطيات جمالية روحية أخلاقية تتمثل بالاحترام والمبادرة والانتماء والمسؤولية كما أنها بناء عقلي واقعي يعبر عن علاقة تراكمية مستمرة تحقق مستوى عالٍ للأفراد في المعيشة والصحة والتعليم والدخل والإنتاج. 

ويمكن القول إجمالاً، أن التقدم الاجتماعي والإنساني يعتمد اعتماداً كبيراً على أثر التفاعل بين المواطنة والتنمية إذ أن تفاعل المكونين معاً أكبر من مجموع أثر كل منهما منفرداً.