خلف جمال - النجاح الإخباري -  

لم يكن اتفاق المصالحة ليتحقق على أرض الواقع لولا العديد من العوامل، ومنها انسداد الأفق أمام الفلسطينيين وحاجة كل طرف (فتح وحماس) إلى الآخر. لكن تقريب وجهات النظر بين الطرفين لما يكن ليحصل لولا جهود بذلتها العديد من الشخصيات المتنفذة، ومنها رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله، وخاصة أنَّه يحظى بعلاقات واسعة وطيبة إلى حد كبير مع أطياف العمل السياسي كافة، كونه ظلَّ بعيدًا عن الانجرار وراء المهاترات، وحاول ألا يزج نفسه في دهاليز المؤامرات. لم يحسب على فصيل بعينه يومًا.

واستجابته السريعة لتوجهات الرئيس محمود عباس بزيارة قطاع غزة تعدّ ترجمة واضحة لرغباته التي أعلن عنها قبل أسابيع قليلة فقط خلال لقاء خاص بثّ على التلفزيون الرسمي، حين دعا حماس إلى التخلي عن المصالح الحزبية الضيقة والذهاب نحو الوحدة الوطنية عبر سلسلة إجراءات تصل في نهايتها لانتخابات رئاسية وتشريعية.

"المهمة المستحيلة"..

والدكتور رامي الحمد الله كان قد تولى منصبه- رئيسًا لحكومة الوفاق الوطني- في ظلّ ظروف دقيقة وشائكة ومركبة، إذ كانت الأراضي الفلسطينية على صفيح ساخن بسبب مظاهرات ضد غلاء الأسعار، ومديونية في خزينة السلطة وصلت آنذاك إلى (4) مليارات دولار، والدعم الدولي هبط إلى مستويات غير مسبوقة، وعملية سلام مشلولة، والاحتلال يعيث فسادًا في الأرض، ويضاف إلى ذلك انقسام بغيض يشطر الوطن إلى نصفين، وبالتالي باتت مهمة الحمد الله شبه مستحيلة، بل "انتحارية"، كما رأى الكثير من المحللين.

وبحنكة الأكاديمي الهادئ ذو القرارات الواقعية والجريئة، أخرج رئيس الوزراء، الشعب الفلسطيني من قلب "العاصفة التامة"، بعدما تمكّن من تجاوز معظم العقبات و"حقول الألغام" التي زرعت في دربه من قبل كثيرين، لسنا هنا في صدد التوسع بهذه النقطة.

ولم تقف العقبات في درب الحمد الله، فقد نجح في تحقيق العديد من الإنجازات، فرغم تقلص الدعم الدولي للسلطة بنسبة بلغت قرابة (70%) واصلت عجلة التنمية دورانها، وأشاد صندوق النقد الدولي بأداء حكومة الوفاق الوطني وقدرتها على إتباع سياسة التقشف، وتحسين الموارد المالية والضرائب غير المباشرة، وهو ما أسهم في تحسين ميزانية السلطة، فواصلت دفع رواتب الموظفين في موعدها، وضبطت المصروفات والنفقات بفضل القيادة الرشيدة القائمة على الشفافية والمسائلة.

كما فعّلت الحكومة بند المسألة ومحاربة الفساد وإخضاع المشاريع للرقابة، وجرى إغلاق كل الجمعيات غير المرخصة والتي كان بعضها يستغل لتجنيد أموال الدعم لمصالح شخصية، كما تمَّ تقنين النفقات اليومية للوزارات، وجرت الانتخابات البلدية في الضفة الغربية بكل سلاسة وشفافية، وتمّ القضاء على الفلتان الأمني، وهو ما يسجل انجازًا للحمد الله الذي تمكّن من إدارة الملفات كافة بحكمة واقتدار.

كرسي من عاج

ويرجع مراقبون نجاحات الحمدالله إلى تركيزه دائمًا على التفاصيل الصغيرة، فهو معروف عنه اهتمامه بكل شاردة وواردة، وكذلك هو دائماً بين الناس، وبالتالي يستمع لمشاكلهم وهمومهم، فهو لم يدر الحكومة جالسًا على كرسي من عاج، بل كان دائماً يتنقل بين المحافظات ويعقد جلسات الحكومة في كل أسبوع في محافظة مختلفة، بل ويتواجد أيضًا في المناطق المهددة في الاستيطان كمحاولة لتعزيز صمود أهلها، رغم أنَّ الاحتلال عمل جاهدًا على منع الحكومة الفلسطينية من الاستفادة من الأراضي الواقعة في ما يعرف باسم مناطق "سي"، وهي التي تشكل نحو (60%) من الأراضي الفلسطينية، ولا يمكننا نسيان موقفه في  الحرب على غزة عام (2014) عندما شدَّد على أنَّ المقاومة حق مشروع وإسرائيل دوله عنصرية.

وعندما استمعت إلى خطابه الأخير في قطاع غزة بقيت جملة بعينها تتردد في ذهني، قالها لدى وصوله إلى غزة: "تخفيف معاناة شعبنا في القطاع من أولويات الحكومة"، ولم تكن مجرد كلمات عابرة في خطاب، بل اتُبعت بسلسلة لقاءات شملت كافة شرائح المجتمع للاطلاع على المشاكل والبدء في وضع الخيارات والحلول، لقد راهن الكثيرون على فشل الحمد الله الذي يعتبر باني نهضة جامعة النجاح، وقالوا إنَّ الوقت الذي تولى به منصبه لن يسمح له بتكرار نجاحاته الأكاديمية في السياسة، لكن رد الحمد الله جاء ميدانيًا.

نهاية أقول: درست في جامعة النجاح الوطنية بينما كان الدكتور رامي رئيسها، سمحت لي طبيعة دراستي الاطلاع على "إنجازات الجامعة المتتالية" في عهده، بعد سنوات من العمل الميداني في الصحافة وجدت نفسي معه وجهًا لوجه كرئيس وزراء يعبر بفلسطين إلى بر الأمان في أحلك ظروفها، ألا وهي الانقسام البغيض.