هاني حبيب - النجاح الإخباري - رغم أن مارتن شولتز كان هجومياً أكثر من انغيلا ميركل أثناء المناظرة التي جمعتهما مؤخراً، مع ذلك، فإن معظم وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية الألمانية أجمعت على أن ميركل باتت أكثر قرباً للفوز بالتجديد لها كمستشارة لألمانيا لتضيف سنوات أربعاً جديدة على 12 عاماً أمضتها في المنصب، كما أن استطلاعات الرأي التي أعقبت المناظرة أيدت هذا التوجه لوسائل الإعلام الألمانية، وخيبة الأمل كانت حصيلة رهانات على أن شولتز المعروف بفصاحته وعفويته، كان من المفترض أن يسجل نقاطاً لتحسين شروط وصوله إلى المستشارية، لكنه أخفق في أن يكون مقنعاً، وكان أقل وضوحاً وأكثر مقاطعة لنظيرته وللصحافيين المستجوبين، ورغم خبرته السياسية نظراً لرئاسته للبرلمان الأوروبي لخمسة أعوام، إلاّ أنه أظهر فشلاً في معرفته الدقيقة بخبايا السياسة الداخلية والخارجية للدولة الألمانية، وظل أسير أيديولوجيا تبين أنها لم تعد لها ذات الأهمية في وقت تمسك فيه بمفاهيم العدالة الاجتماعية بينما تحظى ألمانيا بسجل اقتصادي مزدهر مقارنة بكافة دول الاتحاد الأوروبي، البعض أعاد هذا الجهل والفشل بالشأن الألماني مقارنة بالشأن الأوروبي العام بالنسبة لشولتز، إلى أنه لم يترشح للمستشارية من قبل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إلاّ مع بداية العام الجاري، وهي فترة قصيرة لكي يصبح أكثر إلماماً بالسياسة الخاصة بالدولة الألمانية، الداخلية والخارجية، مع ذلك وربما بشيء من المساواة، فإن بعض مؤيديه اعتبر أن مجرد مشاركته في هذه المناظرة، كانت ضرورية لشولتز الذي لا يعرفه معظم الناخبين الألمان، على عكس نظيرته ميركل التي أمضت 12 عاماً في الحكم. لقد تعرّف الألمان على المرشح لمنصب المستشار من خلال هذه المناظرة فقط، وكان ذلك الهدف الأهم بالنسبة لهؤلاء الذين حاولوا التخفيف من نتائج المناظرة التي جاءت لصالح ميركل.
إحدى أهم المشكلات التي صادفت شولتز أثناء المناظرة، أنه نسي أو تناسى، أن حزبه كان شريكاً في الائتلاف الحكومي الذي تقوده ميركل، لذلك، عندما حاول مهاجمة سياسة المستشارة، فإنه في الواقع، كان شريكاً في هذه السياسة من خلال مشاركة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الائتلاف الحكومي ويتحمل هذا الحزب مسؤولية تلك السياسات التي حاول شولتز انتقادها ومهاجمتها، ومع أن ميركل كانت ترد أحياناً على هذه الهجمات بالقول: "إن حزبكم وافق على هذه السياسة" إلاّ أنه ـ شولتز ـ استمر في انتقاد هذه السياسة وكأنه لم يدرك أن حزبه وحتى الانتخابات القادمة، شريك في صنع هذه السياسة، أو على الأقل لم يغادر الحكومة اعتراضاً على هذه السياسات.
إلاّ أن مشكلة المناظرة بشكل عام، أنها لم تحدث اختراقاً هاماً من قبل الطرفين، إذ ليس هناك خلافات حادة حول معظم الموضوعات التي طرحت، وكانت السياسات متقاربة نوعاً ما، رغم الخلاف الأيديولوجي بين الحزبين، الأمر الذي يشير إلى ما توصل إليه العديد من الساسة، من أن الأيديولوجيا باتت هامشية بالنسبة لمعظم الأحزاب الأوروبية، ومن بينها الأحزاب الألمانية. 
في إجابة من الممكن أن تفسر كونها محرجة، قال شولتز إنه سيظل على رأس الحزب الاشتراكي الديمقراطي حتى في حال فشله في الوصول إلى المستشارية، هكذا فهم من إجابته عندما قال رداً على السؤال: إنني مرشح كمستشار، من دون أن يجيب عن السؤال بشكل مباشر، إلاّ أنه أخفق مجدداً عندما لم يتمكن من تحديد تحالفاته المنتظرة في حال وصل إلى رئاسة الحكومة، إذ ظل صامتاً عندما طرح خيار تحالفه مع حزب اليسار، في حين أجابت ميركل بوضوح، لا تحالف مع اليسار ولا مع اليمين الشعبوي.
ما لفت انتباهي وأنا أتابع المناظرة، تلك اللحظات التي سرقها شولتز خلسة، عندما قال: "بعض الشباب الفلسطيني لديه كراهية ضد اليهود، نقول لهؤلاء، ليس لكم مكان في ألمانيا إلاّ إذا وافقتم على حماية إسرائيل كأحد مبادئ السياسة الألمانية"، ولم يكن هذا القول في سياق واضح في المناظرة، إلاّ أنه مع ذلك كان حريصاً على إرسال رسالة شعبوية واضحة، لم تكن كافية لكي يفوز بالمناظرة، وسجل فشلاً آخر يضاف إلى سلسلة إخفاقاته، علماً أن معظم وسائل الإعلام، التي تابعت نتائج هذه المناظرة، لم تلتفت إلى هذه الملاحظة التي نعتبرها بالغة الأهمية والخطورة!!