هاني حبيب - النجاح الإخباري - يبدو أن واشنطن كانت تنتظر استجابة سريعة من الأمين العام للأمم المتحدة للدعوة إلى تعديل تفويض قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان، لكي يضاف إليه: التحقيق في أية انتهاكات والإبلاغ عنها، جاء رد الأمم المتحدة عبر الناطق باسمها ستيفان دوغاريك مخيباً لآمال نيكي هايلي، المندوبة الأميركية الدائمة في الأمم المتحدة صاحبة الدعوة، عندما صرح الأول بأن لدى المنظمة الدولية ثقة كاملة بقائد اليونيفيل. هايلي أقدمت على دعوتها تلك قبل أيام من التجديد لقوات اليونيفيل نهاية الشهر الجاري، وبالتزامن مع وصول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى المنطقة وزيارة إسرائيل، دعوة تسلمتها إسرائيل لكي تفتح هذا الملف أثناء لقاء غوتيريس مع الرئيس الإسرائيلي ورئيس حكومته في تنسيق واضح على وضع الأمين العام في موضع «الدفاع» بدلاً من أن يقدم على لوم الدولة العبرية على عدم انصياعها للقوانين الدولية، خاصة تلك التي تتعلق بالاستيطان، وبالفعل، لم يتحدث الأمين العام عن هذا الأمر، وظل أثناء اجتماعاته مع المسؤولين الإسرائيليين في إطار الدفاع وشرح وجهات نظره من دون أن يُحمِّل الدولة العبرية مسؤولية إدارة الظهر للقرارات الدولية.
من مجمل الصور التي نشرتها وسائل الإعلام لاجتماع نتنياهو بغوتيريس، وأعتقد أنها متعمدة، يظهر نتنياهو وهو يرفع أصابعه ويده في وجه الأمين العام للأمم المتحدة، وكأن وسائل الإعلام الإسرائيلية، كما المسؤولين في الدولة العبرية، أرادوا من وراء ذلك، إظهار مدى القوة والغطرسة والوقاحة التي استخدمت في وجه الأمين العام للأمم المتحدة. وسائل الإعلام الإسرائيلية إضافة إلى إظهارها غوتيريس وهو في وضع المستسلم لانتقادات وتقريع نتنياهو، فإنها نشرت بالتفاصيل أوجه التعنيف التي أوردها رئيس الحكومة الإسرائيلية وهو «يحاسب» الأمم المتحدة من خلال توجيه الانتقادات اللاذعة، اتهام الأمم المتحدة بالتمييز ضد الدولة العبرية وأن الأمم المتحدة لم تقم بدورها في منع إيران من تزويد حزب الله بالسلاح وصمت «اليونيفيل» إزاء ذلك، علماً أنه ليس من تفويض لهذه القوات الدولية للقيام بهذا الأمر ـ كما أن الأمم المتحدة صمتت ولا تزال أمام تمدد إيران في جنوب سورية على تخوم الحدود مع الدولة العبرية، وفي إطار الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، طالب نتنياهو الأمم المتحدة عدم السماح لحركة حماس بترميم أسلحتها، التي عليها إعادة أبنائنا إلى إسرائيل في وقت تلتزم فيه الدولة العبرية بعملية السلام!!
وسائل الإعلام الإسرائيلية أوردت بقليل من الجمل، ردود غوتيريس على هذه الاتهامات، بالتهرب من الرد عملياً، بحديثه عن التزام الأمم المتحدة بمواجهة اللاسامية والتمييز ضد إسرائيل التي يجب أن تعامل كعضو فعال في المنظمة الدولية(!).
لكن وكالة الصحافة الفرنسية نقلت عن الأمين العام ـ ربما بعد اجتماعه مع ريفلين ونتنياهو ـ ما لم تقله وسائل الإعلام الإسرائيلية وهي تغطي ما جاء في اللقاءين المذكورين، قوله إنه يحلم برؤية دولتين في الأراضي المقدسة، وعن معارضته للأنشطة الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين وضرورة إقامة دولة فلسطينية رغم العراقيل التي تواجه ذلك، دون أية إشارة إلى أن الدولة العبرية هي التي تضع مثل هذه العراقيل أمام قيام دولة فلسطينية.
يجب أن لا ننسى في هذا السياق، أن الأمين العام للأمم المتحدة، غوتيريس، وفي أولى مهامه بعد تسلمه منصبه، قام بتقديم الولاء للدولة العبرية، عندما قرر سحب التقرير الدولي الذي يتهم إسرائيل بممارسة التمييز العنصري ضد الشعب الفلسطيني في آذار الماضي، في استجابة سريعة للضغوط الأميركية ـ الإسرائيلية، وكان على غوتيريس أن يتذكر صنيعه هذا خدمة للاحتلال الإسرائيلي، وهو ـ رغم ذلك ـ يضع نفسه في موقع الدفاع الساذج عن اتهامات وتقريعات وتعنيفات ريفلين ونتنياهو، إذ أنه رغم هذا الصنيع، لم يواجَه سوى بالخذلان وبدلاً من شكره على ذلك، ازداد صلف وغطرسة المسؤولين الإسرائيليين وهم يستمتعون بإذلاله.
ما جرى من اجتماعات بين القيادات الأولى في الدولة العبرية والأمين العام للأمم المتحدة مجرد «بروفة» لما يمكن أن يحدث عندما تنعقد الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 أيلول القادم، إذ أن منظمة التحرير الفلسطينية ستقدم إلى الجمعية العامة مشروعاً للتصويت على قبول الدولة الفلسطينية التي تخضع للاحتلال الإسرائيلي، كدولة كاملة العضوية لكي تتقدم به الجمعية العامة للتصويت عليه في مجلس الأمن، هناك دور هام للأمين العام للأمم المتحدة بهذا الشأن من خلال تأثيره على التصويت من قبل أعضاء الجمعية العامة، إسرائيل تراهن على تلاشي هذا الدور من ناحية، كما تراهن على أن جولات رئيس حكومتها خلال الأشهر الماضية في آسيا وافريقيا وأميركا الجنوبية، قد أدت إلى اتساع رقعة الاعتراف بالدولة العبرية، ما يجعل تأييد الموقف الفلسطيني أقل مما اعتدنا عليه لدى اجتماعات الجمعية العامة، مع أن هذا الرهان، سيخسر في الغالب هذه المرة، أيضاً!!