النجاح الإخباري - في لحظة فارقة، قررت الحياة أن تقارع شاب في مقتبل العمر وتختبر صبره، فسرقت منه والده في أولى جولات الألم، ليقف على قدميه ويبدأ فصلًا جديدًا من حياته كعامل في ملحمة وهو الطالب المجتهد في كلية القانون.
الشاب قصي عطية وهو من مدينة قلقيلية تسلّح بالصبر والإيمان في مواجهة صعوبات أقلها الفقد، ثم العمل لتوفير مصاريف الدراسة، فهو واحد من أسرة تضم ثمانية أفراد غيّب الموت معيلهم، وتتوالى عليه الحوادث ليفقد أصبعه ثم ساقه، فما الذي حصل؟
بمحض القدر يتعرّض لحادث أثناء علمه في الملحمة يفقده أصبع يده، لتتوالى الاختبارات القاسية، لكنّ قصي كان عصيًّا على الانكسار فنهض ليُجسد لوحة إنسانية مبهرة تجمع بين الإرادة الصلبة والحلم الذي لا ينطفئ.
كان يقف على أولى درجات الحلم في كلية القانون بجامعة النجاح الوطنية، لكنَّ طريقه كان مزيجًا من التحديات والآلام التي حولها إلى وقودٍ يدفعه نحو تحقيق حلمه بأن يصبح جزءًا من كادر الكلية يومًا ما.
في البداية، لم يكن القانون هو الوجهة الواضحة في حياته، لكنه وجد فيه ما يُلهب شغفه ويُشعل رغبته في التعلم، حيث يقول لـ "النجاح": "هذا المجال يوازن بين النظرية والتطبيق، ويغرس في النفوس قيم المسؤولية والانضباط، وهذا ما أحب، دخلت هذا التخصص بعزيمة وحلم يراودني بإلحاح أن أصبح يومًا ما محاضرًا في الكلية التي أدرس فيها" .
ويكمل تفاصيل حكاية الصبر والإصرار: "وكأن الحياة أرادت اختبار قوة قلبي، حيث تعرّضت لوعكة صحية، وبعد فحوصات ومشاورات طبية، جاءت الضربة الكبرى حينما اكتشف الأطباء إصابتي بسرطان العظام الخبيث قبل عام ونصف".
"صدمة عطّلت تفكيري، بل شلّت حياتي، حين قرر الأطباء بتر ساقي نتيجة انتشار المرض الخبيث،، لتبدأ مرحلة جديدة من الألم والمعاناة".
جلس قصي طويلًا تحت ثقل الجرعات الكيماوية التي استنزفت جسده وطاقته، لكنه لم يسمح لها أن تُطفئ شعلة الحلم داخله، ثم استجمع قواه ونهض على قدم واحدة هذه المرة، يواصل المسير.
يقول قصي: "كانت أصعب لحظة في حياتي هي تقبل أنني فقدت ساقي. شعرت وكأن العالم توقف، لكنني أدركت أن الحياة لن تنتظرني إذا توقفت. قررت أن أنهض، أن أقاوم، وأن أستمر."
ويتابع: "الظروف لم تكن رحيمة أبدًا، لكن دائمَا كان هناك نور يضيء عتمتي، أمي التي دعمتني وساندتني، أهلي وأحبتي الذين وقفوا بجانبي طيلة لحظات معاناتي، ثم الجهات التي ساعدتني في الحصول على طرف صناعي يخفف ألمي".
رغم كل ذلك، عاد قصي إلى مقاعد الدراسة بعد أن منّ الله عليه بالشفاء. بدعمٍ كبير من جامعة النجاح الوطنية، التي كانت بمثابة الحاضن له، استطاع أن يواجه الأعباء المالية بفضل "صندوق الطالب المحتاج"، الذي لم يكن مجرد مساعدة مادية، بل رسالة أمل حملته من أعماق الظلام إلى نور التعليم.
يختم قصي حديثه قائلاً: "إذا كانت الحياة قد اختبرتني بهذه القسوة، فأنا اخترت أن أجيبها بالإصرار. لن أتوقف هنا، ولن أدع هذه التحديات تعيقني عن تحقيق أحلامي. ما دامت الإرادة موجودة، فلا شيء مستحيل."
قصة قصي هي تذكير لنا جميعًا بأن الألم ليس نهاية الطريق، بل يمكن أن يكون بداية لحياة أكثر إشراقًا، فقط إذا آمنا بقدرتنا على النهوض.