وكالات - رجب أبو سرية - النجاح الإخباري - يمكن القول بكل ثقة، إن بنيامين نتنياهو الذي يعد أكثر رئيس وزراء إسرائيلي مكوثا في الموقع الوزاري الأول، لم يكن رئيسا للوزراء بمثل ما هو عليه حاليا من ضعف، والغريب في الأمر بأن من يؤثر جدا على قراراته ليس قيادات «الليكود»، ولا أحد الشركاء الثلاثة الأساسيين في الائتلاف، نقصد قادة «شاس»، و»يهوديت هتوراة»، و»الصهيونية الدينية»، بل هو إيتمار بن غفير زعيم «القوة اليهودية» أحد مكونات ثلاثة للقائمة الانتخابية، التي شاركت حزب بتسلئيل سموتريتش.
والحقيقة أن بن غفير لا يعد لا ثاني ولا ثالث ولا حتى رابع الشركاء الأهم في الائتلاف الحاكم، فمن حيث عدد من يمثل من مقاعد كنيست، يتقدم عليه حزبا «شاس» و»يهوديت هتوراة»، كذلك يتقدم عليه سموتريتش وما يؤكد ذلك أن سموتريتش حصل على وزارة المالية، فيما حصل بن غفير على وزارة الأمن الداخلي، وهي وزارة تأتي في المرتبة الثانية بعد وزارة الداخلية، كما أن بن غفير ليس المتطرف اليميني الوحيد في الائتلاف الحاكم الذي يعج بالمتطرفين، لكن أقل من خمسة شهور مضت على التشكيل الحكومي اليميني الحالي، أظهرت بأن بن غفير نجح تماما، أكثر من سموتريتش في ابتزاز نتنياهو و»الليكود»، في أكثر من مناسبة وأكثر من موقف.
ومنذ تشكيل الحكومة، كان واضحا بأن احتكاكات أو حتى تنازعا في الصلاحيات، سيقع بين شريكي الحكم اليمينيين، هذا على اعتبار أن الشريكين الآخرين، هما الحريدي المتدين: «شاس» و»يهوديت هتوراة»، لا يهتمان كثيرا بالسياسة الخارجية خاصة، أي أننا نقصد بين اليمين التقليدي وهو «الليكود» واليمين المتطرف ممثلا بكل من بن غفير وسموتريتش، اللذين رغم تقاربها من حيث شدة التطرف اليميني، إلا أنهما سرعان ما توقفا عن شراكة القائمة الانتخابية، وربما ساهم في ذلك «الليكود» ونتنياهو، حتى يواجههما كشريكين مناكفين منفصلين.
وتنازع السلطات، سببه أن وزيري التطرف اليميني، لم يقتنعا بالحصول على وزارتي المالية، التي تعد في إسرائيل الوزارة الثالثة، بعد وزارتي الخارجية والدفاع، والأمن الداخلي، وإضافة إلى عضوية «الكابينت» لكل منهما، وما حصل عليه حزباهما من وزارات، قام نتنياهو في سابقة أولى بإضافة صلاحيات إضافية لوزارة الأمن الداخلي، كما منح سموتريتش مكانة وزارية في وزارة الدفاع!
وفعلا، ومنذ الأول لتشكيل الحكومة، ظهر التنازع حول الصلاحيات بين سموتريتش ويؤاف غالانت وزير الدفاع الليكودي، وذلك حول التعامل مع بعض المستوطنات، حيث انحاز حينها نتنياهو لوزير جيشه، زميله في «الليكود»، فيما لم يظهر بن غفير تعاضدا مع سموتريتش، وهكذا مع مرور الوقت، انكفأ سموتريتش على وزارة المالية، ولم يحشر أنفه كثيرا في مهمات الجيش أو في صلاحيات غالانت، فيما على العكس من ذلك، مارس بن غفير سلطة شبه مطلقة على الشرطة، وتنطح لمهمة الدفع بالحكومة لتكون أكثر صقرية وتطرفا وعنفا في التعامل مع الشعب الفلسطيني، وذلك فيما يخص دوره الأثير لديه، وهو تهويد القدس، عبر اقتحامات المسجد الأقصى.
ورغم أن نتنياهو و»الليكود» نجحا في احتواء بن غفير وسموتريتش في كل ما يخص العلاقة مع واشنطن، تحديدا عند محطة اجتماعي العقبة وشرم الشيخ، اللذين انعقدا بهدف تقليل المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية خلال شهر رمضان، بما أدى في حقيقة الأمر، إلى تمرير المحتوى المتطرف، مع الانحناء للمطلب الأميركي المصري الأردني بعقد الاجتماعين، بحد ذاتهما، إلا أنهما ظلا تحت وقع تهديد بن غفير فيما يخص الرد على المقاومة الفلسطينية، وذلك قبل عودة الكنيست من إجازة الأعياد للإجابة عن استحقاق خطة الحكومة الخاصة بالقضاء، وكذلك إقرار الميزانية.
أما ما يخص الملفات الداخلية والسياسية، فقد وقع الخلاف والتنازع في المواقف حولها، وبعد أن اظهر بن غفير حنقه إزاء رد الجيش على صواريخ غزة، خلال رمضان، بدا أنه يواجه أكثر من شريكه سموتريتش - نتنياهو، في الملفات السياسية الخارجية الخاصة بكيفية التعامل مع الجانب الفلسطيني، وكذلك ظهر أكثر ثباتا على المضي في طريق فرض خطة وزير العدل، الخاصة بالقضاء، وحول هذين الملفين، أي ملف التصويت على خطة وزير العدل «الليكود» ياريف ليفين، الخاصة بالقضاء، وملف مواجهة الجانب الفلسطيني خاصة في غزة، أظهر بن غفير وحزبه «عتسوميت يهوديت» حزما أكثر من غيرهم من شركاء «الليكود».
وقد طالب بن غفير مبكرا بالعودة لسياسة الاغتيالات، ولم يكتف بالمطالبة، بل لوح بتهديد الائتلاف، من خلال تغيبه هو شخصيا عن أكثر من اجتماع للكابينت والحكومة، ومن خلال مقاطعة نواب حزبه لجلسات الكنيست، التي لم تكن تهدد الائتلاف مباشرة، لكنها «شدت له أذنه»، فنواب الحزب الستة، يفقدون الائتلاف الأغلبية اللازمة لتمرير مشاريع القوانين، لكنهم بتغيبهم لا يسقطون الحكومة، لأن المعارضة تحتاج إلى أغلبية النصف+1 حتى يحدث ذلك.
وقد شجع امتثال نتنياهو لمطلب بن غفير بالعودة لسياسة الاغتيالات، بشن حربه ضد غزة بعد رمضان مباشرة، على الدخول في المواجهة التالية بين «عتسوميت يهوديت» و»الليكود» وذلك عند اقتراب موعد إقرار الميزانية، حيث طالب الحزب المتطرف بزيادة ميزانية وزارتي النقب والجليل اللتين يتولى مسؤوليتهما بمبلغ ربع مليار شيكل، وقد تزامن ذلك مع مطالبة حزب «اغودات إسرائيل» العضو في كتلة «يهوديت هتوراة» ومعه حزب نعوم بزيادة حصته من الميزانية بمبلغ أكثر من نصف مليار شيكل للتعليم الديني.
طبعا هذه المطالبات المالية، كلها ترهق كاهل وزارة المالية بما يهدد قدرة سموتريتش على إدارة عمل وزارة المالية باقتدار، وهذه أول تجربة للرجل الطامح ليكون رئيسا للحكومة في يوم ما قادم، أي بما قد يؤثر سلبا على مستقبله السياسي، ولهذا فقد هدد بالاستقالة من منصبه، بما يعني تفكك وانهيار الحكومة في حال وافق نتنياهو على مطالب الحريديم المالية.
لم يكن لسموتريتش منذ البداية مشكلة مع زيادة حصة حزب بن غفير، لكن مشكلته إزاء مطالبة الحريديم تم حلها هي أيضا من خلال الحل الوسط، وفي الوقت الذي تضمن اجتياز نتنياهو لذلك المطلب نزولا عند مطلب بن غفير بالكامل، فقد كان الحل مع الحريديم حلا وسطا، وهم بالمناسبة كان موقفهم أضعف، لأنهم قبل أن يصلوا للحوار مع نتنياهو، كان بعض شركائهم ضد مطلبهم، فقد امتنع حزبا «شاس» و»ديغيل هتوراة» من الانضمام لمعركة «اغودات إسرائيل» مع «الليكود» وسموتريتش المالية.
وقد تم التوصل للحل الوسط في اجتماع بين نتنياهو وسموتريتش ووزير البناء والإسكان غولدكنوب، الذي يقضي بتحويل مبلغ 250 مليون شيكل لمعاهد تعليم التوراة. أي أن نتنياهو وسموتريتش قد قاما بإغلاق نهم المتطرفين اليمينيين المتشددين الدينيين، بمنحهم المزيد من المال، في الوقت الذي يقومان فيه بالسطو على أموال الشعب الفلسطيني الجائع، وذلك بمواصلة مسلسل الاقتطاعات من المقاصة الشهرية، بما يحرم السلطة من توفير رواتب موظفيها كاملة منذ عام ونصف العام.
وقد كانت الشهور الخمسة الماضية، على ذلك كافية من خلال تفاصيل عمل الحكومة لتثبت بأن «الليكود» رغم كونه الحزب الأكبر في الائتلاف الحاكم، إلا أنه وبسبب من تنقل واضح وحثيث للمجتمع الإسرائيلي من مربع اليمين الذي ترسخ على حساب تلاشي اليسار، بحكمه طوال عشرين سنة، لا يحكم وفق سياسة يمينية لا معتدلة ولا علمانية أو ليبرالية، وذلك لسببين، أولهما أن معظم قادة «الليكود» باتوا أكثر تطرفا، والثاني هو أن بن غفير وحتى سموتريتش باتا أكثر تأثيرا ممن سبقهم من شركاء يمينيين متطرفين، كان أهمهم حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان، وكان آخرهم حزب «البيت اليهودي» بقيادة نفتالي بينيت وآيليت شاكيد، وهذا يعني بأن إسرائيل باتت على عتبة الانتقال بقيادتها من اليمين إلى اليمين المتطرف، بحيث قد ينافس رئيس «الليكود»، بن غفير أو سموتريتش على رئاسة الحكومة القادمة.